hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

بصمات الملك عبد الله في لبنان لا يمحوها الموت

الإثنين ١٥ كانون الثاني ٢٠١٥ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانباء الكويتية

احدثت وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دوياً في الاوساط السياسية والشعبية اللبنانية، فتعامل الوطن المُكبَّل بالازمات مع الخبر المُحزن كأنه حدثاً لبنانياً، وتحوَّل حديثاً على كُل شفةٍ ولسان بين المواطنيين، بصرف النظر عن ولاءاتهم السياسية، ذلك ان مواقف وتقديمات الراحل الكبير، احدثت فروقاتٍ هائلة في الحياة اللبنانية، ورسمت بصماتٍ ناصعة على صفحات تاريخه الحديث، لا يمحوها الموت.
تذكر القيادات السياسية اللبنانية – لاسيما التي تربطها علاقات تاريخية مع المملكة العربية السعودية – العاطفة التي كان يكنُّها عبدالله اتجاه لبنان، وهو اختار منذ ستينات القرن الماضي منزلاً للإصطياف في ربوع جبال وطن الارز، وكان مواكباً للمأساة التي عاشها لبنان في سنوات الحرب الاهلية المشؤومة، قبل ان يتبوَّأ المسؤوليات المُتقدمة في قيادة المملكة. فهو الذي غيَّر نظرة الخليج العربي برمته الى الحركة الوطنية اللبنانية، من خلال صداقته المُتميزة مع رئيسها الراحل كمال جنبلاط. ولعلَّ متابعته الدائمة للتحضير لإتفاق الطائف الذي انهى الحرب بين اللبنانيين في العام 1989، خير دليلٍ على ذلك الاهتمام في مراحله الاولية، لاسيما تكليفه بموافقة الملك السابق فهد بن عبد العزيز لرجل الاعمال اللبناني في حينها – رئيس الحكومة لاحقاً – الشهيد رفيق الحريري بتوفير كل مقومات نجاح المؤتمر لدى المسؤولين السوريين واللبنانيين.
اما المبادرة العربية للسلام التي اطلقها عبدالله من قمة بيروت عندما كان ولياً للعهد في آذار/ مارس 2002، فقد اعادت لبنان الى خريطة التداول على المستوى الدولي، بعد سنوات الحرب والدمار العجاف التي مرَّ بها، واعطت المكانة اللبنانية حقها بعد التضحيات الجسام التي قدمها اللبنانيون من اجل القضية المركزية فلسطين، وفي مواجهة العدوان الاسرائيلي على مدى سنوات عديدة. وعادت بيروت من خلال المبادرة الشجاعة للملك عبدالله الى وهجها كمركز ثقلٍ في معادلة الحرب وفي مسيرةِ السلام.
واللبنانيون يقفون بإحترامٍ كبير امام الشهامة العربية المُتسامحة للراحل الكبير، عندما تجاوز تجريحات وشتائم الرئيس السوري بشار الاسد في خطاب 15آب/ اغسطس 2006، بعد توقُّف العدوان الاسرائيلي على لبنان - وكان لعبدالله دوراً اساسياً في وقف هذا العدوان عن طريق الضغط الدولي على اسرائيل – فقدَّم للبنان هِبة بقيمة 500 مليون دولار لإعادة اعمار ما هدمه العدوان، ووضع مليار دولار كوديعة في مصرف لبنان، تُعزز الثقة بالاقتصاد اللبناني الذي كاد ان ينهار من جراء الازمة، بينما اكتفى غيره بإلقاء الخطب الشعبوية.
وعندما بادر الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك - برغبةً من رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري – الدعوة الى مؤتمر اصدقاء لبنان في باريس في كانون الثاني/يناير 2007، كان الملك عبدالله اول المُتحمسين للفكرة، وقد اعلن وزير خارجيته سعود الفيصل، الذي حضر المؤتمر، عن تبرع المملكة العربية السعوية بمبلغ 500 مليون دولار.
وصورة الراحل الكبير مع الرئيس السوري بشار الاسد يهبطان من الطائرة في مطار بيروت في 8/10/2009 ، شكَّلت قمة في التسامح والمسؤولية، عندما قرر تدعيم الاستقرار اللبناني الذي تعرَّض لتهديدٍ خطير في ايار/مايو من العام 2008. وارسى في هذه الزيارة مصالحة تاريخية كان يحتاجها لبنان، بعد ان تجاوزت التدخلات السورية في شؤونه كل الحدود.
ولعلَّ مواقف الملك الراحل الاخيرة الى جانب لبنان، كانت تنمُّ عن شجاعة واخلاص وتضحية، لاتمحيها الايام، ولا يقدر على تغييبها الموت. ان المواقف المسؤولة التي صدرت على المملكة العربية السعودية في السنتين الماضيتين، كانت العامل الاساسي الذي جنَّب لبنان الوقوع في حرب اهلية مُدمرة، لاسيما بين المُسلمين بعضهم مع البعض الآخر، بينما تعاطى الآخرون بإستهتارٍ ، وبعدم مسؤولية اتجاه هذه الاخطار. فمساندة المملكة العربية السعودية للجيش اللبناني في اجراءاته التي قام بها في صيدا ضد تمرُّد الشيخ احمد الاسير، ومعاركه مع المُتطرفين الاسلاميين في عرسال، وخطته الحاسمة التي جنَّبت مدينة طرابلس الفتنة المُؤكدة، كانت بمثابة النجدة لغريقٍ يتخبط بين الامواج العاتية.
امَّا خطة دعم وتسليح الجيش اللبناني التي اعلن عنها الراحل الكبير، بقيمة 3 مليارات دولار اميركي في العام الماضي، والتي اصبحت قيد التنفيذ - بعد توقيع الجانب الفرنسي على عقود تصدير الاسلحة الى لبنان الشهر الماضي – فهي عطاءٌ له ابعاد مادية ومعنوية كبيرة، في الوقت الذي يتعرض فيه الجيش الى تهجماتٍ غير مسؤولة من بعض المتطرفين على خلفية اجراءاته الاخيرة المتوازنة التي اتخذها في طرابلس وعرسال. والدعم السعودي للجيش مكَّنه من ضبط السيارات المُفخخة، وكشف عوامل التفجير، وابعد الفتنة التي كادت ان تقع بين السنة والشيعة في لبنان، من جراء مواقف بعض المُتطرفين من الجانبين. وقد استتبع الملك الراحل عطاءاته السابقة بمكرمة جديدة حملها الرئيس سعد الحريري في الصيف الماضي، وهي عبارة عن مليار دولار، ثمن معدات وتجهيزات للقوى الامنية اللبنانية.
رحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، خسارةٌ لا تعوض على لبنان واللبنانيين، ومكرماته بصمات لا يمحيها الموت الحق. ولكن اللبنانيون جميعاً لديهم الامل بأن يستمر الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الجديد الامير مقرن بن عبد العزيز على ذات المسيرة من التضحية والعطاء، وتاريخهما يشهد على دورهما المُنتظر.
 

  • شارك الخبر