hit counter script

مقالات مختارة - عقل العويط

خمسة وعشرون عاماً على اتفاق الطائف أفكار تطبيقية للخلاص الوطني

السبت ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 08:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

يخصص "الملحق" عدده السنوي الممتاز هذا، لمرور خمسة وعشرين عاماً على توقيع اتفاق الطائف، ويباشره بالجملة الآتية: "أفكار للخلاص الوطني". لكنه إذ يستخدم هذه الجملة "الكبيرة"، يتوجس من أن تكون تنطوي، في عين الواقع، كما في نظر بعض القرّاء، وخصوصاً المعنيين بالمصائر، على الكثير من الادعاء المنتفخ بالذات، في حين أن أطناناً من الأفكار المحبّرة، في موضوع الكيان والوجود والمصير، قد ارتطمت موضوعياً بالطريق المسدود!

لن يقع "الملحق" في الفخّ التقليدي الاستراتيجي الذي ينصبه له هذا الاتفاق، في شأن ما طُبِّق منه، وما لم يُطبَّق، وما ليس قابلاً للتطبيق. ليس هذا هو موضوع العدد، بقدر ما يتمثّل الموضوع في بسط الأفكار التي من شأنها أن تلقي الضوء، من جهة، على الطبقات التحتية، الخفية، من المأزق اللبناني، وأن تضع بين أيدي اللبنانيين والمعنيين بالشأن اللبناني، من جهة أخرى، أفكاراً عملانية حبّرها باحثون ومفكرون، يمكن إشهارها كعلاماتٍ ضرورية لأيّ أفق محتمل للحلّ.
لا يدّعي "الملحق" أنه سيصنع الكيمياء الدولتية، العقلية والثقافية، الديموقراطية والدستورية والقانونية، المناسبة، لاجتراح أعجوبة وجودية، تدرأ الخطر عن المصير اللبناني، وتضع الجمهورية على سكة الحلول الهادئة. بل يزعم زعماً واثقاً أنه يستدرج الأفكار النبيلة، التي في مقدورها أن تمثّل معاناة العقل اللبناني حيال هذه الأزمة المستعصية، المستمرة فصولاً، بوجوه وأشكال مختلفة، منذ العام 1989. وهي الأفكار المدرجة على مدى صفحات هذا العدد السنوي الممتاز، التي يشرّفها في وجهٍ من وجوهها، أن تمثّل خلاصةً من خلاصات العقل اللبناني المستنير.
هل الوقت ملائمٌ موضوعياً لإثارة هذه المسألة بالذات، في حين أن منطقة الشرق الأدنى، من فلسطين إلى العراق، مروراً بلبنان وسوريا، تواجه تحدياتٍ محفوفة بالأخطار الكيانية؟
سوريا والعراق، وهما الجغرافيا السياسية الكبرى في هذه المنطقة المضطربة من العالم، تواجهان، مع الأمم الصغيرة المحيطة بهما، أسوأ المصائر، شعوباً وكياناتٍ ودولاً. إذ لم يشهد التاريخ الحديث، أن عاش هذان البلدان، اختباراتٍ تعصف بكينونتيهما، وتمزّق وحدتيهما، وتقتل مئات الألوف من شعوبهما، وتهجّر الملايين، وتفتك، وتنفي، وتشرّد، وتدكّ المعالم، وتمحو أثر الحضارة، مثلما هو حاصلٌ منذ سنوات قليلة، على أيدي أنظمة الاستبداد السياسي والظلامية الدينية على السواء.
نعود لنطرح السؤال نفسه: هل الوقت ملائم للتفكير في مصير لبنان، وعلى أيدي لبنانيين غير مدرجين في قوائم القطعان البشرية، التي لا تستطيع أن تنظر إلى أبعد مما يريده لها "رعيان" هذه القطعان؟
بل الوقت أكثر من ملائم. لأن التفكير في هذه اللحظة بالذات، هو ما يفتقر إليه هذا اللبنان، المدرج هو نفسه على المحكّ التاريخي. ليس لأنه حجرٌ صغير في هذه العمارة الشرقية المثخنة بالزلازل والطعنات والجروح والأوجاع فحسب، بل لأن المسؤولين عن مصيره، قادةً سياسيين ودينيين، وجماعات، لاهون وغافلون عن مصيره هذا، أو هم، للأسف، دون ما يجب أن يتحلّوا به من شمائل ومواهب وقيم ومعايير، في أوقاتٍ، كأوقات المحنة الوجودية هذه.
نطرح السؤال، المتعلق بمرور خمسة وعشرين عاماً على توقيع اتفاق الطائف، بهدف أن نحصل على أفكار - أجوبة، أو مشاريع أفكار - أجوبة، أو مفاتيح فحسب، تقودنا إلى أول الضوء الذي نحتاج إليه في هذه اللحظة التاريخية، ليكون للطبقة السياسية اللبنانية خصوصاً، وللبنانيين عموماً، وللمعنيين المحليين والإقليميين والدوليين بالشأن اللبناني، الدليل الفكري والثقافي والسياسي، في هذه العتمة الوجودية الدامسة.
نسأل المفكرين والبحاثة، هل يمكن لبنان، كدولة، أن يعوّل، بعد، على هذا الاتفاق؟ أم أن لبنان هذا قد أصبح في الخواء الدولتي، البنيوي والدستوري المطلق؟ وإذا كانت الحال على هذه الصورة السوداء، فما هي السبل التي تجعل اللبنانيين، وسواهم، يحجمون عن تدمير المكوّنات الباقية للدولة، في هذا المفصل الجيوسياسي الذي يضع لبنان ودول الشرق العربي في مهبّ المصائر الغامضة؟
ننطلق في هذا السؤال من انقسام الرأي الوطني حول المصير، بين اعتقاد الكثيرين "الموضوعي" أن اتفاق الطائف هو الحلّ، وبين اعتقاد الكثيرين الآخرين "الموضوعي" أيضاً، أن النظام السياسي اللبناني وصل إلى طريق مسدود، وباءت بالفشل الذريع، جميع المحاولات الهادفة إلى ترميمه منذ اتفاق الطائف حتى اللحظة السياسية الراهنة، مما ينبئ بالاحتمالات والمصائر القاتمة، وخصوصاً في المفترقات الحاسمة التي تعيشها حالياً المنطقة العربية.
لهذا، نرانا نسأل هؤلاء المفكرين والبحاثة عن احتمالات وجود تصوّر بنيوي، دستوري، أو دولتي، ممكن، من شأنه إخراج لبنان من عنق الزجاجة، والوصول به الى تدبير ديناميكيات نوعية، ضمن حدوده الدولية المعترف بها، وإتاحة حياة سياسية سليمة، ديموقراطية، متنوعة، حرّة، قابلة للعيش والديمومة بين جماعاته ومكوّناته؟
يشارك في العدد الذي يخضع إدراج أسماء المشاركين فيه، لترتيبات محض إخراجية وتقنية، كلٌّ من منى فياض، سمير فرنجية، محمد حسين شمس الدين، أنطوان قربان، علي حرب، بول سالم، كمال حمدان، داود الصايغ، رمزي الحافظ، شبلي ملاط، عبدالله الخوري، لقمان سليم، عبد الرؤوف سنّو، ومحمد أبي سمرا. يحتفي بمواكبته، رسماً، كلٌّ من الفنانين منصور الهبر، فيصل سلطان، جميل ملاعب، مارون الحكيم، ايلي بورجيلي، محمود الزيباوي، ومحمد الرواس.
الصفحات الاثنتا عشرة هذه، لن تعفينا مضامينها، من مواصلة كفاحنا الثقافي الذي هو شرفُنا وقَدَرُنا على السواء. لن نخون هذين القَدَر والشرف، ولن نغمسهما في وحل هذا المستنقع الدنيء، بل سنظلّ نؤمن بمسؤوليتنا الثقافية التاريخية، وبأننا قادرون على المساهمة في صناعة الأمل والحرية، لهذه البلاد وأهلها.

  • شارك الخبر