hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - مصطفى علوش

كيف كفّر «البعث» العرب بالعروبة

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المستقبل

«أنا يا صديقة متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب أمشي على ورق الخريطة خائفا فعلى الخريطة كلنا أغراب أتكلم الفصحى أمام عشيرتي وأعيد، لكن ما هناك جواب« (نزار قباني)

«جيوزيبي مانزيني» لقّب بروح إيطاليا، وكان ربما أول من تحدث عن عبارة غامضة سماها «انبعاث الروح القومية» في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

على الرغم من كل ما كُتب من أشعار تمجد القوميات المختلفة، وكل محاولات إيجاد مسوغات علمية وتاريخية لفكرة القومية، والأهم عشرات الملايين من البشر الذين قتلوا دفاعاً وبسبب قومياتهم، لا يوجد أي إجماع اليوم على ما يجمع البشر في القومية.

القومية العربية هي فكرة أتت أساساً لإيجاد بدائل لرابطة الدين في منطقة تسكنها مجموعات دينية متعددة، وابتدأت أولاً برابطة اللغة وآدابها، ومن ثم تشعبت ونُسجت حولها أدبيات وأساطير وأفكار وقناعات وصلت إلى حد اليقينية المطلقة التي نافست حتى الدين الإسلامي في مراحل متعددة، عندما أصبح العروبي بمثابة المؤمن وغير العروبي بمثابة الكافر.

ميشال عفلق الدمشقي الملتزم بقضايا مجتمعه، عاد من جامعة السوربون في فرنسا سنة متأثراً بفكر مانزيني وبدأ بنشر أفكار الوحدة والحرية والاشتراكية في سوريا مع زميله صلاح الدين البيطار إلى أن أسسا حزب «انبعاث الأمة العربية» سنة . سنة اندمج حزب عفلق مع الحزب «الاشتراكي« الذي كان يقوده أكرم الحوراني، فأصبح اسمه حزب «البعث العربي الاشتراكي«.

لكن العروبة لم تأخذ مداها الشعبي إلا مع جمال عبد الناصر، وبالأخص حصيلة للعدوان الثلاثي على مصر سنة . بعدها طبعت كاريزما الزعيم الأسمر بصماتها على العروبة وارتبطت به، وأصبح واضحاً أن للعروبة زعيماً لا منازع له. هنا اضطر حزب البعث إلى القبول بالأمر الواقع، وقبل زعماؤه في سوريا على مضض أن يحلوا الحزب مقابل إنجاز التجربة الوحدوية الأولى بين بلدين عربيين هما مصر وسوريا بزعامة عبد الناصر وبتبعية سياسية وإدارية وأمنية كاملة لقرار القاهرة.

لا يمكن اليوم التأكيد ما كانت نيات البعثيين أثناء الوحدة، ولكن الوقائع أكدت أن التنظيم الحزبي الذي تم حلّه علناً استمر بشكل سري ضمن أوساط الجيش، وكان معظم أعضائه من الأقليات المذهبية من علويين ودروز واسماعيليين. كانوا كما يبدو ينتظرون الفرصة المناسبة للاستيلاء على الحكم. وحتى لا يتحمل البعثيون وزر الانفصال، ترك من سمّي بالرجعيين لينقلبوا على الوحدة بقيادة العقيد عبد الكريم النحلاوي سنة مع العلم أنه كان بإمكان البعثيين المتغلغلين في الجيش التصدي للانقلاب الذي أطاح بالوحدة.

حفر البعثيون للحكم الجديد وانقلبوا عليه سنة تحت شعار «العودة عن إجراءات الإنفصال عن مصر»، ومن يومها حكم سوريا ضباط استعملوا العروبة لإصدار مضبطة اتهام في حق مَن يناوئونهم. مع «البعث« صار الولاء للحاكم المطلق هو معيار الالتزام بالعروبة، أما لائحة الخونة فضمت مواطنين طالبوا بالخبز والحرية وقمع الفساد وإخراج أبنائهم من السجون…

هؤلاء الضباط البعثيون انقلبوا حتى على رفاقهم وحكموا على القائد المؤسس ميشال عفلق بالإعدام وسجنوا وهجروا رفاقهم سنة . المصيبة حلّت عندما تم تسريح الضباط «غير الموثوقين» من الجيش، ومعظمهم من السنة، وعيّن مكانهم حزبيون من خارج المؤسسة العسكرية مما جعل هذا الجيش المواجه لعدو الأمة إسرائيل في وضعٍ مزرٍ وركيك معنوياً وعملياً.

عندما أتت حرب ، كان همّ قيادة «البعث« في سوريا الحفاظ على الذات وعلى الوحدات العسكرية الموالية، فيما تركت الجبهة في الجولان للشهداء.

هرب القادة من دمشق باكراً إلى حمص بعد أن اعتبروا العاصمة ساقطة عسكرياً، والسخرية كانت عندما هبّ بعض هؤلاء ليؤكدوا أن «العروبة انتصرت في حرب لأن العدو لم يتمكن من القضاء على حزب البعث«!.

من بعد ذلك، وكالعادة، استمرت مؤامرات البعثيين على بعضهم بعضاً في سوريا، وبين «البعثين« العراقي والسوري، وأظن أن الخسائر التي أنزلها البعثيون ببعضهم وبالمواطنين العروبيين كانت أفدح بكثير مما أنزلته إسرائيل.

أتت حركة حافظ الأسد التصحيحية سنة ، ولكن النهج استمر هو هو، يعني أن المواطن خائن حتى يثبت ولاءه المطلق للحاكم المطلق، وتحول حزبا «البعث« في سوريا والعراق إلى جوقة من المصفقين والهتافين لحياة «القائد المناضل أب الأمة وحياتها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها«…

بالنتيجة، وبعد سبعة عقود من نشأة فكرة انبعاث الأمة العربية وبعد أكثر من قرن ونصف على اعتبار المعلمين بطرس البستاني وناصيف اليازجي اللغة العربية جامعة للعرب، تمكن البعثيون وما على شاكلتهم من تكفير العرب بالعروبة بعد أن ارتبطت بالتسلط الفاسد وأصبحت اللغة في خبر كان بعد أن فشلنا في إقناع أبنائنا بالمحافظة عليها أو قراءة ما ندر من آدابها
 

  • شارك الخبر