hit counter script
شريط الأحداث

- ابراهيم درويش

الإعلامي سعيد غرّيب لـ"ليبانون فايلز": مرض الإعلام من مرض لبنان

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 05:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليس سهلاً، أن تختصرثمانية وثلاثين عاماً من تجربة سعيد غريّب في أسطر محدّدة، لتنقل إلى الجمهور ما لا يعرفه عن الإعلامي "المخضرم"، على الرغم من أن لا فوارق كبيرة بين غريّب المحاوِر والمُحاوَر، حتى تخال أنه يكتنز في بياض خصله خفايا الماضي، التي يدرك جيداً ما يسرّه منها وما يبقيه في أمانات مجالسه.
متمرس في فن الإصغاء والحوار، يستفيض في هدوئه المخضّب بفيض من الحيوية المتّزنة، التي يُسقطها من أبراج الروتينية، متكئاً على صراحة لا لبس فيها، ويفتخر بما راكمه من خبرات سيفرغها في كتاب من جزئين يصدران قريباً.
يشهر سعيد غريّب سيف الإصلاح في "وجه الإعلام المريض كلبنان والعالم"، ويعوّل على "النهضة التي ستقوم على أنقاض الإنحطاط الذي نعيشه، داعياً إلى إعادة النظر في قانون المرئي والمسموع".
"ليبانون فايلز" التقى غريّب في حوار شامل، تناول فيه مسيرته الإعلامية، عارضاً بدايتها كالآتي:

بعد أن نلت الإجازة من كلية الحقوق، انضممت ومجموعة من أساتذة اللغة العربية إلى إذاعة صوت لبنان التي كانت العامود الفقري و"اللبنة" الأساس لانطلاق الإعلام الخاص في لبنان. وعندما بدأت العمل في الإذاعة، لم أكن قد رسمت وجهة مستقبلي، فالإعلامي لا يمكن إلا أن يكون متحركاً، ويتمتّع بالحرية.
وعندما تضيق مساحة هذه الحرية، يبدأ بالبحث عنها في مؤسسة أخرى، وأنا تربّيت على الحفاظ على الحرية والإستقلالية، وأفخر بذلك، والحمد لله ان المؤسسة التي أعمل فيها منذ 16 عاماً أل (أن.بي.أن)، تحمي حرّيتي وتحافظ عليها، وأنا ممتنّ كثيراً لها، فالإستقلالية غالباً ما تكون مكلفة".

وحول الربط بين بقائه في الـ"أن.بي.أن " لمدة ستة عشر عاماً وبين علاقته بالرئيس نبيه بري، قال غريّب: "الرئيس بري يثق بي جداً ويحبني، وأنا ممتنّ له، وأترك للجمهور الحكم على أدائي واستقلاليتي".
وتابع "يكفي أن من يتابعني يؤمن بما أقدّم، والصدى الذي يصلني مؤثّر ومهم جداً، فأنا ارتضيت العودة إلى لبنان لأنني لا أرغب في العيش خارجاً، وهذه رسالتي، وعندما أكون على الهواء لا أحد يعرف لمن أميل، وبالطبع لا أدّعي أنني حيادي، إنما مستقل، ولا أحد يطلب مني أن أقوم بعمل ودور ما".
وأضاف "أنا أقوم بدوري حيث أكون، وليس هناك قناة أفضل من قناة، إنما هناك برنامج متميّز، والمشاهدة تتنوّع بحسب الضيف أحياناً، والمقدّم أحياناً أخرى".
وعن العلاقة التي تربطه برئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، لا سيما أنه حضر حفل تكريم أخيه الجرّاح في اليونيسكو، قال غريّب: "أنا تسلّمت الشؤون الإعلامية للجنرال عون لمدة سنتين، ولا أعتقد أن النتيجة كانت سيئة، أكان في صوت لبنان، أو بعد انتقالي إلى تلفزيون لبنان، والدليل على ذلك الشعبية التي يحظى بها الجنرال، وبالفعل هو قد حضر مشكوراً إحتفال تكريم شقيقي، الذي يستحقّ حضور الجنرال والدولة اللبنانية ".
ويروي غريّب بعض تفاصيل مسيرته الإعلامية، فيشير إلى أنه خلال حرب الجبل، وبعدما أعلن أن "القوات اللبنانية" نفذّت انسحاباً تكتيكياً في دير القمر،: كانت صوت لبنان مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ومستمعيها ثلاثة: المصدّق والرافض والناقل، وذلك نظراً للمصداقية التي كانت تتمتّع بها، فحتى في الحرب كنا نحترم الخصوم، ونُخضع الكلمة لميزان العقل والمصلحة العامة، ولا ننقل أي معلومة إلا بعد التأكد من صحتها. في ذلك اليوم، كان شخص واحد يتولى الفترة الإخبارية، وكنت في طريقي صباحاً إلى العمل، سمعت أخبار إذاعة لندن، ووصلتنا إلى المكتب أخبار الوكالات الأجنبية التي تفيد أن بحمدون سقطت بيد القوات اللبنانية. ومع أنني أعارض أن تكون لنشرة الأخبار أية مقدّمة تحليلية، إلا أننا في "صوت لبنان" نتحمّل مسؤولية ترسيخها في أدبيات الإعلام اللبناني، وقد قلت يومها في مقدّمة النشرة، أن القوات اللبنانية اضّطرت إلى تنفيذ انسحاب تكتيكي من بحمدون. وأضاف: لم يتقبّل البعض ما قلت، وتلقّينا سيلاً من الإتصالات المعترضة، فاتصلت بالمدير العام وأخبرته بما يحصل، وحضر على الفور. ولكن كانت المفاجأة أن القوات اللبنانية تبنّت العبارة التي قلتها حرفياً، وأصدرت بياناً قالت فيه: أضطرّت القوات اللبنانية إلى تنفيذ انسحاب تكتيكي من بحمدون".

وعن تقييمه للأداء الإعلامي قال غريّب "مرض الإعلام من مرض لبنان، ولبنان مريض منذ 40 سنة، و شفاؤه في شفاء لبنان، وإذا كانت القيادات غير جديرة في قيادة البلد، فعلى الإعلام أن يتجاوز مقولة أنه مرآة المجتمع، ويتحوّل إلى رأس حربة في إعادة بناء البلد، لأن ثقافة السلام صعبة، ونحن وصلنا إلى هذه الحال بسبب التنافس المتفلّت من الضوابط. فبعض الوسائل الإعلامية هي عبارة عن مؤسسات تجارية ناطقة، تتسابق على حساب الحقيقة، وتغامر بالنقل المباشر الذي يؤذي اللبنانيين في الكثير من الأحيان، ويأتي على حساب دقّة الخبر فتضطرّ غالباً إلى تصحيحه".
وتابع أن "العالم بأسره لديه حنين إلى الماضي، وهذه مشكلة عالمية، فالإنحطاط عندما يضرب يضرب أفقيا، إنما تبقى هناك خميرة صالحة لعصر النهضة الآتي وإني على ثقة بأن هذا العصر آتٍ لأن الزمان يرتاح الآن".
من جهة أخرى، اشار غريّب إلى بعض المخالفات الإعلامية، موضحاً أن الجمهور تعوّد على الأصوات الصغيرة، ولم يعد يعير اهتماماً إلى مخارج الحروف، واللغة غير السليمة، لأن المؤسسات غلّبت الشكل على المضمون، والسبب يكمن في المنافسة المتفلّتة من الضوابط، فضلاً عن غياب المعلمين. كذلك، لا بد من التوقّف عند بعض المرجعيات الإعلامية التي لا تملك تراثاً إعلامياً، ولا تميّز الصحّ من الخطأ، بل ترتكز على معيار البيع، فمثلاً المسلسلات التي تتحدّث عن الخيانة هي الأكثر بيعاً ورواجاً، لأن الجمهور قد تعوّد على هذا النمط الذي قدمناه له".
وقال: "يسخر البعض من "أبو ملحم"، في حين أنه من زرع فينا المحبة والحكمة، زرع فينا رسالة لبنان، كما فيلمون وهبة والرحابنة ، فكم نحن بحاجة إلى ليلى رستم، وأداء عادل مالك، و"أبو سليم" ببساطته، وإلى الرسالة التي كانت تحملها حلقاته".
وعن الشخصيات التي تركت انطباعاً مميزاً في برنامجه، أوضح غريّب أن "كل ضيف كان يدرك كيف يترك بصمته، إنما الأكثر تميزاً كان العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والكبير غسان تويني، لأن ما نعيشه اليوم تكلم عنه في العام 2000، ضمن 12 حلقة خصّني بها، وطبعاً لا أنسى الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي أثّر بي كثيراً في المقابلة التي أجريتها معه في العام 2008 ليلة رأس السنة، وأفتخر أنني التقيت جميع الفاعليات السياسية الحاليين والراحلين منذ العام 1993 حتى اليوم، منطلقاً من خلفية مهنية عمرها 15 عاماً، وفي سجلي 4000 نشرة مكتوبة ومقروءة".
وعن شيخوخته قال "هذه المهنة قليلة الوفاء، وهي لا تتوقف، إنما الأهم من النجاح هو الإستمرارية ، لأنه عندما يغيب الإعلامي، ولو لمدة شهر واحد، "ينبت الحشيش في تلفونه"، لذلك عليه أن يدرك جيداً كيف يستمر ويتفادى الأخطاء التي قد تكون قاتلة في بعض الأحيان".
وأكد: "يهمّني أن أعيش وأولادي في جوّ إعلامي سليم، فأنا ضد الإعلام الرسمي، إنما مع الإعلام العام مثل "الفرانس 2"، وأدعو إلى إعلام سليم قوامه إعادة النظر في قانون الإعلام المرئي والمسموع، لأنه من غير المقبول أن يستمر توارث الرخص الإعلامية من الآباء إلى أبنائهم ، فهذا الأمر يحرّف الإعلام عن مساره، لا سيما عندما يقدّم للجمهور ما يناسب توجّهات المؤسسة فقط.
وأضاف:"في أميركا سقط ثلاثة آلاف قتيل في أحداث 11 أيلول، ولم نرَ صورة لجثة واحدة، فيما نحن في لبنان نصوّر الجثث وننشرها، علماً أنه في أيام الرومان كانت الجثث تزيّن وتغطّى إحتراماً لحرمة الموت" .
وختم "أذكر جيداً ما علّمني إياه الصحافي الأستاذ زيادة عواد في بداية مسيرتي المهنية، إذ قال لي أنه بقدر ما تتوفّر لديك الجرأة لتنشر خبراً ما، يجب أن تمتلك الجرأة لرمي خبر في سلة المهملات، وطبعاً لا أنسى دور زوجتي وزميلتي في مسيرتي المهنية الطويلة التي تعلمت منها الكثير، وكانت ملهمتي وتصوّب أدائي في الأخبار وفي البرامج".


 

  • شارك الخبر