يعتقد أحد السياسيين في حديث لـ"الجمهورية"،  أنّ الحوار الذي سيبدأ اليوم بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» برعاية رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ينطلق من خلفية إقليمية ودولية تنصحُ الأفرقاء السياسيين في لبنان بالتزام التهدئة السياسية في موازاة التهدئة الأمنية، في انتظار ما يُعَدّ من تسويات لأزمات المنطقة.

ويقول هذا السياسي إنّه إذا لم يحصل اتّفاق أميركي ـ إيراني يعطّل النزاع السنّي ـ الشيعي، ويصنع تفاهماً على مواجهة عدوّ مشترَك اسمُه «داعش» في العراق وسوريا ولبنان، فإنّ أيّ حلول لن تتحقّق للأزمة اللبنانية ولا لبَقيّة الأزمات السائدة في المنطقة.

وفي انتظار حصول ذلك التفاهم في خلال الاشهر القليلة المقبلة، فإنّ المطلوب من الأفرقاء السياسيين اللبنانيين التهدئة وإمرار الوقت الضائع بحوار يحضّر الأجواء الداخلية لاتّفاقات تبدأ ترجمتُها بعد إنجاز ذلك الاتفاق الاميركي ـ الايراني. فليس المطلوب «تكويعة» مفاجئة ولا انفجار في الأزمة يجعل معالجتها مستحيلة، ولا ينبغي أن تبلغ الأحقاد حدّاً لا يُحتمَل، بل المطلوب منهم ان يجلسوا ويتحاوروا وفقَ مقولة «نظّموها يا شباب».

وفي هذا الإطار يكتسب الحوار بين حزب الله و»المستقبل» أهمّية كبيرة، لِمَا يمكن ان يكون له من انعكاسات إيجابية على المناخ السياسي العام في البلاد، لِمَا لهاتين القوّتين السياسيتين الكبيرتين من وزن وثقلٍ سياسي كبير وذي أبعاد إقليمية كبرى يعكسها الترحيب السعودي ـ الايراني المشترَك بالحوار بينهما والتشجيع عليه.

وفي ضوء استبعاد الأزمة السورية وسلاح «حزب الله» عن جدول أعمال المتحاورين الذي سيكون مفتوحاً ليتضمّن كلّ المواضيع ما عدا هذين الموضوعين الخلافيَّين والحسّاسين، فإنّ الوظيفة الأساسية لهذا الحوار تبديد التشنّج المذهبي السائد في البلاد، لأنّ ذلك يقيّم الأرضية والمناخات الهادئة والمستقرّة للبحث في بقيّة المواضيع، بما يساعد في التوصّل إلى توافقات في شأنها، ويتصدّرها بالطبع انتخاب رئيس جمهورية جديد يملأ الفراغ المقيم في سدّة الرئاسة منذ 24 أيار الماضي، ويؤسّس لتشكيل حكومة وحدة وطنية ينبغي ان يكون في رأس جدول اعمالها إجراء انتخابات نيابية عامة وفق قانون انتخاب جديد سيكون البند الثاني في جدول اعمال الحوار بعد الاستحقاق الرئاسي.

ويقول مرجع سياسيّ في هذا السياق إنّ التوافق بين «حزب الله» بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن حلفائه، وبين «المستقبل» بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن حلفائه أيضاً، سيؤدّي الى مرحلة سياسية جديدة يُبنى عليها للمراحل المقبلة، فلن يتفرّد الطرفان المتحاوران في الشأن الرئاسي الذي يعالج عادةً بتوافق جامع ويكون للمسيحيين رأيٌ أساسي فيه، وهو ما تحدّثَ عنه رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني امس، حيث شدّدَ على انّ المسيحيين هم المعنيون الأساسيون في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، وعليهم أن يضافِروا جهودهم في هذا الاتجاه.

وكذلك في شأن قانون الانتخاب العتيد الذي يتوقّف عليه مستقبل الحياة السياسية في البلاد بحيث يُنتج طبقة سياسية فعلاً، وليس كما حصل مع القانون الحالي النافذ وقبله كلّ القوانين التي صدرت منذ التوصّل الى «اتفاق الطائف» حيث صِيغَت هذه القوانين على قياس مصالح القوى السياسية، ما مكّنَها من تأبيد وجودها في السلطة على حساب الجيل الجديد الذي يشعر بالإستبعاد الدائم عن المشاركة في صنع مستقبل البلاد.

ويشير هذا المرجع إلى أنّ برّي كان يدرك، منذ أن بعثَ الحياة في اللجنة النيابية التي كلّفها إعدادَ مشروع قانون الانتخاب الجديد على قاعدة المناصفة في انتخاب أعضاء مجلس النواب وفق النظامين الأكثري والنسبي، أنّها لن تتمكّن من إنجاز مهمّتها، لإدراكه أنّ مواقف الأفرقاء ما تزال تبَطّن الرغبة في تفصيل القانون الانتخابي على قياس مصالحها، ولذلك استدرك الأمر بإدراج هذا الموضوع بنداً على جدول أعمال الحوار لعلَّ المتحاورين يتوصّلون الى عناوين توافقية تؤسس لاحقاً للاتفاق على قانون الانتخاب العتيد.

على أنّ أوّل ثمار الحوار ستكون اتفاقاً على وقف الحملات الإعلامية والخطاب المذهبي والتحريضي، واعتماد خطاب يحضّ على التوافق والتهدئة والحرص على الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والامني، وهذه الخطوة مطلوبة أوّلاً لضمان استمرار الجلسات الحوارية في أجواء هادئة، وثانياً لحماية ظهر القوى العسكرية والأمنية في ما تتّخذه من إجراءات لمواجهة القوى الإرهابية ولضبط الأمن وتوسيع رقعة الاستقرار الأمني العام في البلاد.

على أنّ الانطباع العام السائد في الوسط السياسي هو أنّ هذا الحوار ما كان ليحصلَ لولا وجود خلفيات إقليمية ودولية لم ينفِها راعيه عندما سُئل عنها، مؤكّداً أنّ الرياض وطهران تشجّعان عليه، ما يؤشّر الى أنّ هاتين العاصمتين الإقليميتين الكبيرتين تتهيَّأان لمرحلة جديدة على مستوى العلاقات بينهما، خصوصاً أنّ بعض السياسيين الذين زاروا العاصمة الإيرانية أخيراً سمعوا من مسؤولين بارزين فيها كلاماً إيجابياً عن المملكة العربية السعودية، وأنّ التواصل قائم بين البلدين وبعضُه على مستوى رفيع، وأنّ هناك توافقاً بينهما على مواجهة تنظيم «داعش» كخطر مشترَك يهدّدهما.

فهل يؤسّس هذا التوافق السعودي ـ الايراني على محاربة «داعش» وتلاقى «حزب الله» وتيار «المستقبل» على طاولة الحوار مقدّمة لتوافق أوسع وأشمل في وقت ليس ببعيد.

أحد السياسيين قال إنّه «في انتظار تفاهم الكبار المؤثّرين والقيّمين على القدر والمصير»، قد يكون نودِيَ على الأفرقاء السياسيين في لبنان أنْ «نظّموها يا شباب».