hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - دافيد عيسى

اخرجوا ملف العسكريين من البزار السياسي ... وسلموه لعباس ابراهيم

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 08:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعد أربعة أشهر وأكثر على اختطاف العسكريين اللبنانيين، لم يحصل أي تقدم إيجابي أو أي اختراق فعلي باتجاه تحرير العسكريين واعادتهم إلى أهلهم ووطنهم، ولم تصل الاتصالات والمحاولات التي جرت إلى أي نتيجة، لا بل عادت الأمور إلى نقطة الصفر في ظل أجواء غير مشجعة لا تنبىء بالوصول إلى حل في وقت قريب... وهذا الوضع يفاقم من معاناة وألم أهالي العسكريين وعائلاتهم الذين يمرّون بتجربة مريرة وموجعة ويفعلون كل ما يستطيعون فعله لابعاد السكين عن رقاب ابنائهم.
كان واضحاً منذ البداية ان هذه القضية الوطنية بامتياز والانسانية قبل كل شيء، شائكة ومعقدة وتتجاوز في ظروفها وملابساتها بدرجات قضيتي "اعزاز ومعلولا" ولا تصح المقارنة بينهما، لأن اختطاف أو أسر العسكريين جرى على أرض لبنانية وطال عناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي ولم تكن الجهة الخاطفة واحدة وانما جهتين ولكل واحدة مطالبها وشروطها غير المحدودة والمحددة حتى الآن... وبالتالي فان هذا الملف لم يوضع بعد على سكة التفاوض الصحيح وما زال يدور في حلقة مفرغة ويراوح مكانه.
ما آلت اليه قضية العسكريين من غموض ومراوحة وحرب اعصاب واخفاق في المعالجة تتحمل مسؤوليته السياسية والمعنوية بالدرجة الاولى الحكومة اللبنانية بسبب الطريقة التي ادارت بها هذا الملف والذي اقل ما يقال فيها انها تنم عن تخبط وارتباك وعدم خبرة في الموقف والأداء. وهذا ما ادى الى التفريط بأوراق القوة التي في يد الحكومة مثل (التضييق على الارهابيين في جرود عرسال وقطع الامدادات اللوجستية كالغذاء والطبابة والوقود عن المسلحين)، كما ان الارباك والتخبط أديا إلى اعطاء الجهات الارهابية الخاطفة فرصة الامساك بزمام المبادرة والتحكم بالشارع والمفاوضات من خلال الابتزاز والتهديد بتصفية وذبح العسكريين واللعب باعصاب الاهل واللبنانيين والشارع في اية لحظة ارادوها.
الاعلام يتحمل جزء من المسؤولية ايضآ كونه تعاطى احياناً بعدم مسؤولية مع هذا الملف الانساني ومن خلفية السبق الاعلامي والصحفي كما انه وفي بعض المرات اعطى المنابر والشاشات والهواء للارهابيين او بعض من لف لفهم وساعدهم في حربهم النفسية والاعلامية ...
"هيئة العلماء المسلمين" مسؤولة ايضاً في مكان ما، كونها عرضت وساطتها المنحازة إلى الخاطفين وتعاطفت مع شروطهم، وقد كان هذا التعاطف واضحاً عندما اشترطت "الهيئة" مسبقاً اطلاق نساء ارهابيات والطلب من الحكومة الموافقة على المقايضة كشرط لبدء الوساطة والتفاوض، اضافة الى تبريرها لعملية اعدام الدركي الشهيد والمظلوم علي البزال بطريقة غير مباشرة عندما ربطت بين اعدامه وتوقيف ارهابيات من "داعش والنصرة".
دولتا تركيا وقطر اللتان ساعدتا في قضيتيّ "اعزاز ومعلولا" تتحملان مسؤولية في هذا المجال ايضاً. تركيا بسبب احجامها عن تقديم أي مساعدة والتصرف على انها غير معنية بهذه القضية ولا مصلحة لها في التدخل... وقطر بسبب تدخلها المرتبك في دور الوساطة وقد بدا ذلك جليا كون الدوحة لم تضع كل ثقلها في هذه القضية اساساً بل هي راعت في لحظة سياسية معينة خاطر رئيس الحكومة تمام سلام وارسلت موفد لها "رفع عتب" ...
لقد اصبح واضحاً ان الخاطفين لا يريدون وضع حدّ لهذه القضية الانسانية وبالتالي فهم لا يريدون اطلاق العسكريين لكي يبقوا ورقة ابتزاز وضغط في يدهم. وفي المقابل فان الحكومة اللبنانية تريد استعادة العسكريين واقفال هذا الملف ولكنها لا تعرف كيفية الوصول إلى هذا الهدف ولم تحسن مقاربة الملف إلى درجة ان خلية الأزمة الوزارية تحولت إلى "خلية مأزومة".
لقد كان يُفترض بالحكومة تسليم هذا الملف الى خبراء امنيين منذ وقت طويل والذي يبدو لغاية الآن انه أكبر من قدرات «خليتها» الوزارية، لاسيما ان العبث بهذا الملف الانساني والوطني تجاوز حدود إضاعة الوقت الى حدود هدر دم العسكريين الذين يسقطون الواحد تلو الآخر ذبحاً بفعل سوء الإدارة السياسية، ما يستدعي إحداث صدمة في أسلوب المعالجة بأسرع ما يمكن، قبل ان يستفحل الخلل الى درجة فقدان السيطرة عليه.
وأزاء كل هذه التعقيدات والثغرات التي أوصلت القضية إلى ما يشبه "الطريق المسدود" بات لزاماً اجراء اعادة النظر بطريقة ادارة الملف وكيفية مقاربة هذه القضية الدقيقة والحساسة وادخال تعديلات على طريقة التعاطي في معالجة هذا الملف ومن بينها سحبه من التداول الاعلامي والسياسي.
والأهم من كل ذلك، تحديد أسس التفاوض وإطاره وسقفه ومرجعيته... وهنا ومع احترامنا للوزراء والسياسيين، فاننا نتمنى عليهم الابتعاد عن هذا الملف الامني بامتياز واسناده إلى أهل الخبرة والاختصاص لأن المفاوضات في شأن أسرى ومخطوفين من الجيش وقوى الامن موجودين لدى جماعات ارهابية غير مقيدة بضوابط ومبادىء تحتاج إلى حرفية ومهنية امنية عالية ومعرفة وخبرة دقيقة بطرق التفاوض مع ارهابيين وكيفية لعب أوراق القوة وتوظيفها في الاتجاه الصحيح... لقد آن الاوان لنقل ملف العسكريين من الخلفية السياسية إلى خلفية أمنية يتولاها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم لتُحصر به بالتعاون مع الاجهزة الامنية المختصة الاخرى مهمة إدارة الملف من اجل ضبط عملية التفاوض واقفال الثغر والمسارب، واتخاذ منحى جديد في التفاوض قائماًعلى السرية والجدية والحرفية الامنية من اجل الوصول الى الهدف المنشود.
والسؤال الذي يمكن ان يطرحه البعض لماذا عباس ابراهيم تحديداً ؟
الجواب واضح، لانه وبكل بساطة جُرِبَ في ملفات حساسة كثيرة وحقق فيها نجاحاً كبيراً واوصل المفاوضات بفضل حرفيته الامنية وادارته الحكيمة الى نهايات سعيدة. اليس هذا ما حصل مؤخراً في قضية مخطوفي أعزاز وفي قضية راهبات معلولا؟
اللواء عباس ابراهيم ابن المؤسسة العسكرية الأم (الجيش اللبناني) لم يكتسب فقط الخبرة والتمرس في مثل هذه الملفات الشائكة والمعقدة من خلال تاريخه الطويل في العمل العسكري والأمني بل اكتسب ايضاً ثقة الناس كل الناس وعلى مختلف توجهاتهم السياسية والطائفية والحزبية لدوره الوطني العابر للطوائف والمناطق والمذاهب، ولجهوده المخلصة والوطنية على كل المستويات بعيداً عن حسابات ضيقة وحساسيات طائفية ومذهبية.
ان اللبنانيين، كل اللبنانيين يريدون اقفال هذا الجرح النازف في الجسد اللبناني واتخاذ كل ما يلزم من قرارات وخطوات ومبادرات صعبة وجريئة لاقفال هذا الملف الانساني ووضع حد لمعاناة العسكريين واهلهم.
ان كل ما يخدم هذه القضية الانسانية والوطنية يجب القيام به بما في ذلك التوجه إلى دمشق وطلب المساعدة في معالجة وحلّ قضية العسكريين الاسرى وذلك دون خجل او مكابرة، خصوصاً ان السلطات السورية ابدت كل استعداد للمساعدة وتقديم التسهيلات اللازمة في هذا الملف.
وفي هذا المجال لا بد من التوقف عند الكلام الصادر عن اللواء جميل السيد الى "تلفزيون الجديد" والذي كشف فيه عن استعداد دمشق لفتح طريق آمن للمسلحين المتواجدين في جرود القلمون باتجاه الشمال السوري مع التعهد بتأمين انتقالهم وضمان سلامتهم مقابل ان يتم الافراج عن العسكريين الأسرى.
كما يجب التوقف باهتمام عند ما ابلغته دمشق الى مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم (حسب مصادر صحفية) عن استعدادها للتعاون مع الدولة اللبنانية شرط ان تعلن الحكومة رسمياً وعلنياً تفويضها له للقيام بهذه المهة، كما وضعت شرطاً اخراً وهو إجراء اتصالات وتنسيق علنيين بين الدولتين.
هنا وإذا كان فريق وزاري وسياسي داخل الحكومة لا يرى ضرراً في اللجوء إلى المقايضة للافراج عن العسكريين ويبدي استعداداً لدفع اي ثمن من أجل ذلك فالاحرى به ان يوافق على اتصالات وتنسيق مع دمشق خصوصاً ان هذا التنسيق محصور في موضوع واحد محدد يصب في خدمة تحرير العسكريين، وكون الجهات الخاطفة تطالب باطلاق موقوفين في السجون السورية في اطار عملية التبادل فكيف يحصل هذا الأمر من دون تنسيق وتعاون بين لبنان وسوريا ومن دون قرار سياسي تتخذه الحكومة باجراء مثل هذا التنسيق المحصور في اطلاق سراح عشرات العسكريين من ابنائها من الاسر ورفع السكين عن رقابهم.
وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر فاننا نسأل هل كان بالامكان تحرير المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، وتحرير راهبات معلولا لولا المساعدة والمساهمة الاساسية من جانب السلطات السورية وافراجها عن سجينات سوريات من السجون السورية؟
اني اقولها بكل صراحة نحن الآن في صدد حل قضية لبنانية لها بُعدان وطني وانساني ولسنا في صدد اتخاذ موقف من الصراع الدائر في سوريا او الدخول في الصراعات والاصطفافات الاقليمية... من هنا فان حياة العسكريين اللبنانيين تستأهل تضحيات وتنازلات وعدم مكابرة ووحدة صف وكلمة بين كل وزراء الحكومة.
من هنا أقول اخرجوا المفاوضات من البازار السياسي وسلموا التفاوض لعباس ابراهيم... اعطوه كل الدعم والثقة فهو جدير بذلك.
  

  • شارك الخبر