hit counter script

مقالات مختارة - جمانة حداد

"إنتو زيحو!"

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:51

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

أسمع صفّارات الإنذار تولول ورائي. أنظر في المرآة الخلفية: أهي سيارة إسعاف تنقل مريضاً؟ أم تراها شاحنة للدفاع المدني تسرع لإنقاذ مساكين في مبنى يحترق؟ أحدس بالجواب قبل أن أكتشفه بأمّ العين: لا هو الاحتمال الاول، ولا الثاني. إنه موكب أحد سياسيينا الأشاوس. لو رأى عابر سبيل أجنبي حدة استعجال الموكب، لاستنتج أن الزعيم إما مصاب بنوبة قلبية، وإما راكض لإنقاذ البلد من محنته. يقترب دركي على دراجة نارية من سيارتي، يضرب كفّه على غطاء الموتور بعنف، ويصرخ: "زيحي!". ثم يفعل الأمر نفسه مع مَن هم أمامي.
"زيحي"؟ وين بدّي زيح؟ وين بدنا نزيح؟ ليس هناك فسحة حتى لبرغشة، لا يميناً ولا يساراً، لا الى الامام ولا الى الوراء. متى تنزل السيارة الطائرة الى الأسواق؟ أينكم يا عباقرة اليابان عندما نحتاج اختراعاتكم؟ الصفّارات تولول أكثر فأكثر، حتى ليشعر كل سائق أن السيارات الرباعية الدفع ستعربش عليه. فالزعيم لا ينتظر، لا يصبر، ولا تليق بمقامه عجقة السير. عجقة السير للمواطنين "العاديين". أما الزعيم فيتقدم فحسب: ما همّ إذا فعل ذلك على حساب أعصاب الناس؟ الى الأمام سر!
ليست هذه المرة الأولى نعاني، أنا وغيري من المواطنين "العاديين"، هذه الظاهرة المقرفة. بعض رجال السياسة يتحجج بأنه في خطر، وبأن الضرورة تقتضي أن يعبر من مكان الى آخر بأكثر سرعة ممكنة. لكنها حجة غير مقنعة: اذا كان المقصود تأمين الحماية فالزمامير كأنها تقول للمجرم: "تعال إنهم هنا!". ليست هذه الطنة والرنة سوى شكل من أشكال البهورة الناتجة من اقتناع الزعيم، أكان نائباً أم وزيرا أم رئيس جمهورية، بأنه "أهمّ" من الناس. ربما ينبغي لنا أن نذكّر هؤلاء بأنهم موجودون لخدمتنا، لا العكس. وبأن وجودهم ينتفي لولانا.
ما زلت أذكر صدمتي (الايجابية طبعا) عندما مرّت أمامي في أحد الأيام رئيسة وزراء الدانمارك على "البيسيكليت". بلا صفّارات، بلا مواكب، بلا جيبات سوداء، وبلا استعراض سخيف ومهين. لو لم تخبرني يومذاك صديقتي الدانماركية مَن تكون هذه المرأة، لما كنت عرفت أنها تتولى أحد أهم المناصب السياسية في بلادها. ليست المسألة مسألة عادات، ولا مسألة "شرق وغرب": هي بكل بساطة مسألة تواضع، وتحضر، ولياقة إنسانية.
أيها المواطنون اللبنانيون "العاديون"، ما رأيكم لو نعقد الاتفاق الآتي: المرة المقبلة يحاول قبضايات موكب سياسي إزاحتنا ليمر سعادته أو معاليه او فخامته، نقول لهم بكل وقاحة: "لأ. إنتو زيحو!".
 

  • شارك الخبر