hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

بطاقة معايدة وليد جنبلاط

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانباء الكويتية

تحمل بطاقة المعايدة التي ارسلها رئيس اللقاء الديمقراطي النيابي وليد جنبلاط هذا العام بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، اكثر من معنى. وربما قصد من الصورة التي ظهرت على البطاقة تأكيد مجموعة من الثوابت، والايحاء الى اكثر من هدف. ذلك ان مروحة الاشخاص الذين تصلهم البطاقة واسعة، وهي تشمُل مُعظم القيادات السياسية في البلاد، من رؤساء ووزراء ونواب ، حاليون وسابقون، ورؤساء احزاب وفعاليات اقتصادية واجتماعية وثقافية واعلامية، وسفراء وقيادات جامعية وعسكرية وقضائية وادارية وبلدية. ولعلَّ الابرز من بين الذين تصلهم البطاقة هم رؤوساء الطوائف الدينية الاسلامية والمسيحية، ورجال الكنيسة من مُختلف المذاهب على تنوعهم وتعدُدهم.
تحمل البطاقة الجنبلاطية صورة كنيسة بناها الشيخ بشير جنبلاط ( من ابرز قادة الاسرة الجنبلاطية ) في العام 1820م، على ارض يملكها في بلدته الجبلية المختارة، ليتمكن زواره من آل الخازن " الموارنة " من القيام بواجباتهم الدينية اثناء اقامتهم في البلدة، وعادةً ما كانت تستمر اقامتهم فترات طويلة. وفي المختارة لم يَكُن يوجد كنيسة للموارنة، بل كان هناك كنيسة لقسم من ابناء البلدة المسيحيين من الروم الملكيين الكاثوليك، وتختلف طقوس كل من المذهبين الكاثوليكيين في بعض الشكليات الطفيفة.
العلاقة بين آل جنبلاط زعماء المُسلمين الموحدين الدروز وآل الخازن زعماء كسروان والفتوح الموارنة، كانت مُتقدمة، ومُترسِخة، وقادة العائلتين، يشهدون على وصايا بعضهم البعض، بل، ويتناقل القدماء، وبعض المؤرخين، معلومات تُشير الى ان احدى العائلتين يمكن ان ترِث الأُخرى، فيما لو تعرَّضت احداها للإنقراض، وهذا مُستبعد، لأن للعائلتين الكثير من الابناء. والشيخ بشير جنبلاط اعاد بنفوذه الواسع عند الامير بشير الشهابي الشيخ بشارة جفال الخازن الى حكم منطقة كسروان بكاملها في العام 1808م، وآل الخازن وقفوا الى جانب الشيخ بشير جنبلاط عندما اختلف مع الامير بشير الشهابي عام 1825.
يمكن ادراج مجموعة المعاني الرمزية التي تحملها الصورة التي التقطها للكنيسة السيدة نورا زوجة النائب جنبلاط في السياق السياسي العام الذي تمرُّ بها المنطقة، ولبنان على وجه التحديد، وتحملُ البطاقة رسائل تذكيرية، قد لا تتمكن الخطابات السياسية، والتصاريح من ايصالها:
اولاً: قبل الاضطراب الهائل الذي حصل في العام 1825 بين الامير بشير والشيخ بشير - وادى الى اعدام الاخير بتحريض من محمد علي باشا حاكم مصر، ووالي عكا العثماني عبدالله باشا - لم يكُن في لبنان صراع طائفي. كان الصراع سياسي، والانقسام سياسي، وادت التدخلات الاجنبية، لاسيما الفرنسية، الى احداث طائفية حصلت فيما بعد، خصوصاً في العام 1841 والعام 1860. وكانت في مُعظمها حرباً اهلية، بالنيابة عن قناصل الدول الكبرى الذين افسدوا في تدخلاتهم الحياة المُشتركة التي كانت قائمة بين اللبنانيين.
ثانياً: بناء الكنائس في اماكن ذات غالبية سُكانية اسلامية، او بناء جوامع في اماكن ذات اغلبية سكانية مسيحية، كان مسألة طبيعية، وبسيطة، ولا تحمل اي مؤشرات على النفور، او الاعتراض، بل العكس، كان يوجد ما يُشبه التقليد في القرى اللبنانية، فيتبرَّع المسلمون بقطعة ارض لبناء كنيسة، ويتبرَّع المسيحيون بقطعة ارض بالمُقابل، لبناء خلوة، او جامع.
ثالثاً: ربما اراد جنبلاط من خلال بطاقة المُعايدة هذا العام، تذكير بعض المسؤولين، لاسيما في البلديات الكُبرى، بضرورة المُحافظة على التراث المعماري القديم الذي يتميَّز به لبنان. وهذا التراث يتعرَّض للتدمير في بعض المناطق، وعلى وجه التحديد في وسط بيروت، من اجل بناء مجمعات سكنية اسمنتية شاهقة، فكنيسة المختارة المارونية، التي يُقارب عمرها 200 سنة، مازالت في ابهى حلتها المعمارية القابلة للحياة.
في لحظة التوتر الهائلة في المنطقة، وفي ظلِّ حروب عبثية في سوريا والعراق تُهدد مُستقبل المسيحيين والاقليات الأُخرى، يبدو ان جنبلاط استخدم صورة الكنيسة وبمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، للتأكيد على اهمية الحفاظ على الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة، مُتلاقياً مع النداء الذي اطلقه مؤتمر القاهرة لمواجهة التطرف الديني، الذي انعقد بدعوة من الازهر الشريف في 3و4 من ديسمبر الحالي، والذي ناشد المسيحيين عدم الهجرة، والتشبُّث بارضهم اكثر من اي وقتٍ مضى.
المُعايدة الجنبلاطية لها رمزيتها في هذه الظروف الصعبة التي يمرُّ بها لبنان، لأن الموقع المسيحي الاول في الدولة - اي رئاسة الجمهورية – شاغر منذ ما يُقارب 6 اشهُر، من جراء فشل مجلس النواب المُمددة ولايته في انتخاب رئيسٍ جديد.
كما ان المبادرة التذكيرية من جنبلاط قد تُساهم في إنعاش قيَم التقاليد اللبنانية والعربية التي تحمل معاني التسامح الديني، والانفتاح الثقافي، بعيداً عن مقاربات التعصُّب الدخيلة، والتي لا تُشبه الاصالة العربية بشيء.
 

  • شارك الخبر