hit counter script

مقالات مختارة - سامح راشد

ليس الإسلاميون فقط

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

أحد أوجه الخلل الإدراكي لدى الإسلاميين الظن أن الإسلام فقط هو المستهدف والمضطهد، سواء من نُظُم الحكم أو القوى والتيارات الفكرية غير الإسلامية. في حين أن التعامل مع موجة الثورات والاحتجاجات العربية كشفت، بوضوح، أن المستهدف ليس الإسلام لذاته، وإنما لأنه الأخطر على بقاء تلك النظم. إذ يمثل المدخل الواسع لاكتساب التعاطف والصدقية لدى عامة المواطنين. وبالتالي، فلأن الإسلاميين هم الأكثر قدرة على مخاطبة الشارع، ومغازلة عقول العوام وأفئدتهم، فهم الأكثر مكروهية لدى نظم الحكم الشمولية، والنخب الجاثمة على الحكم في الدول العربية منذ عقود.
نظرة سريعة على مواقف وتحركات نخب الحكم التقليدية ومواليها في اليمن وليبيا ومصر وتونس، وقبلها في العراق وسورية، تكشف ذلك بوضوح، فسواء "إخوان" مصر أو "نهضة" تونس أو "الإصلاح" في اليمن أو مختلف الفصائل الإسلامية في ليبيا، كلها أصبح وجودها مرفوضاً، لأنها تجرأت وتطلعت إلى السلطة، وكادت تلمسها. في حين أنها كانت قبل الربيع العربي مقبولة قوة سياسية مهادنة، مأمون جانبها، فكان وجودها مهمّاً كمُكمّل ديني للشكل الديمقراطي. الالتباس حدث مع استهداف تلك القوى الإسلامية التي كانت سابقاً توصف بالاعتدال، فصارت متهمة بالإرهاب والتطرف، ما منحها مجالاً واسعاً لاستعادة روح المظلومية، واستدعاء تاريخ الاضطهاد، وتصوير استهدافها على أنه استهداف للدين بالضرورة. في حين أن المسألة لا تقتصر على تلك النماذج المتنوعة من الإسلام السياسي، فالاستهداف يطال، أيضاً، أي توجه نحو التغيير، أي الثورات وما شابهها. بغض النظر عن الطرف الذي يتبنى محاولة التغيير، أو يدعو إليه، إسلاميّاً كان أو شيوعيّاً أو ليبراليّاً، وأيّاً كانت أيديولوجيته وأفكاره. لكن تصدّر الإسلاميين المشهد في سياق الربيع العربي جعلهم الهدف الواضح، وبالتبعية، الضحية الأكثر نزفاً، بينما بنادق الأمن وأبواق الإعلام مُصوَّبة نحو كل مَن يفكر في انتزاع السلطة من محتكريها، وليس نحو الإسلاميين حصريّاً.
لكن، ليس كل الإسلاميين مرفوضين، فقط مَن يسعى فعليّاً إلى السلطة، أو يفكر في ممارسة العمل السياسي، من دون التقيّد بالأطر والقواعد المقررة. وهنا يستوي "الإخوان" مع "الجهاد" مع "النصرة" مع "الجماعة الإسلامية" "مع "القاعدة" مع "داعش". فعلى الرغم من التباينات، بل التناقضات بين تلك الجماعات وبعضها، أصبحت جميعها مدرجة ضمن التعريف العربي للإرهاب، سواء التي تنبذ العنف أو التي ترفع السلاح، ما دامت ترتكب السياسة. أما مَن يجتنبها، مثل معظم الجماعات الصوفية، وبعض فصائل السلفية، فبمنطق أولي الأمر العربي، لا تثريب عليه. المعيار، إذن، ليس الدين، وليس انتماء هذه الجماعة، أو تلك، إلى مرجعية إسلامية، وإنما المشكلة في تطبيق تلك المرجعية، وتجلياتها سياسيّاً.
والدليل على ذلك أن الإقصاء والاضطهاد لم يعد مقصوراً على أولئك الإسلاميين الساعين إلى الحكم، وإنما كل مَن تسوّل له نفسه أن يحلم، ولو بالمشاركة في السلطة. لكن، لصعوبة اتهام ليبرالي، أو مدون إلكتروني، أو كاتب (أو ممثل أو لاعب كرة) بممارسة الإرهاب، توجد قائمة اتهامات أخرى جاهزة، تشمل الخيانة والعمالة أو التخابر أو تلقي تمويل لتنفيذ أجندة خارجية. قد تختلف الاتهامات لكن الهدف واحد، هو درء خطر كل مَن يهدّد احتكار السلطة.
ومثلما تحتاج القوى والتيارات الأخرى الإسلاميين قوة، لها شعبية ورصيد تفتقده تلك التيارات، على الإسلاميين التخلي عن المظلومية وبارانويا الدين، فالدين غير مستهدف، على الأقل في هذا السياق. ومن ثم، على الجميع الانطلاق من الثوابت المشتركة، فإن كانت نخب الحكم القديمة تتشدّق بالوطنية، وتتستّر بها على مكارثية مستبدّة، فالأولى بالجوامع الوطنية بين مَن يريدون تغيير هذه الأوطان ارتقاء إلى الأفضل، لا انحناء إلى أسفل.
 

  • شارك الخبر