hit counter script

أخبار محليّة

عودة جثامين ضحايا الطائرة الجزائرية: يا رَيتني مِتِت قَبلُن

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 01:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

«مقهور» والدمع يسيل عرض خدّيه، وقف فايز ضاهر ينتظر وصول زوجته وأولاده، عين على عقارب ساعته، وعين تُحاكي بصمتٍ السماء. هو الذي كان يَتفنّن في انتقاء هدايا رأس السنة، لهم، فجاءته الهدية باكراً... جثامين عائلته. يفجر بالبكاء: «يا ريتني مِتِت قَبلن... لمَن أعيش بعد اليوم؟»
ضاقَ مطار رفيق الحريري الدولي بالتأوّهات، فسادَ البكاء. بعدما كان أمس أهالي ضحايا الطائرة الجزائرية التي تحطّمت في 24 تموز الماضي، وهي متوجّهة إلى بوركينا فاسو، على موعد مع تسلّم جثامين عائلاتهم وأقاربهم.

حقيقة مرّة

قاتماً بدا مشهد تسلّم الجثامين. لقاء لطالما انتظره الاهالي وفي الوقت عينه تمنّوا لَو يتأخر. «كنّا لوهلة نعتقد أنّه كابوس ومضى، ولكن اليوم بعدما تسلّمنا أقاربنا أشلاء في صناديق، تأكدنا كم انّ الحقيقة مرّة». يتحدّث حسن دهيني إلى «الجمهورية» محاولاً كبت دموعه: «جئت أستلم عائلة عمي بلال دهيني بكاملها، فقد قضى وزوجته مع أولادهم الثلاثة (13 سنة، 8 سنوات، 5 سنوات). منذ 4 أعوام لم يعودوا إلى لبنان، أرادَ عمّي مفاجأتنا في رمضان ليُعرّفنا الى أولاده، وإذ حَلّت بهم الكارثة... مِتل الكذبة».

على رغم مرارة الكأس وخسارتهم العائلة برمّتها، يَجد حسن عزاءه بأنّ «العائلة مضت في مشوارها الأخير معاً. لا شك في أنّ عمّي لم يكن ليستوعب أيّ صدمة في حال خسِر أحد أفراد أسرته... ربما الله أراد أن تموت الأسرة معاً لكي لا يتعذب أفرادها».

وتعليقاً على عملية استعادة الجثامين، قال حسن: «من المرّات النادرة التي تتصرّف فيها الدولة باحترافية، ربما ولحسن حظنا أنّ عدداً كبيراً من الركاب كانوا من الجنسية الفرنسية، فتعاملوا مع الضحايا بجدية ومتابعة. إهتمام فرنسا فرض احترافية في التعامل».

«فادي ما في أطيب منّو شَبّ». من حرقة قلب تتحدّث والدة فادي رستم، قائلة: «لا شك في أننا كَفرنا بادئ الامر، فالمصاب أليم، والفاجعة أصعب من أن يتحمّلها بشري، ولكنّ حكمة ربنا تطغى على أي شيء». وتضيف: «رجاؤنا أنّ أولادنا قديسون، من «الأوادم» الطيّبين. خسرت اليوم أخاً وصديقاً قبل أن يكون فادي ابني الحنون».

هي إرادة الله؟ هي لعنة القدر؟ إحتارَ الأهالي في توصيف الفاجعة. فلم تكد تصِل جثامين الضحايا موزّعة على سيارات الصليب الاحمر، حتى ارتفع النحيب، وتوالت الصرخات بالتزامن مع عَزف قوى الامن الداخلي لحن الموت.

وكانت استعدادات خاصّة قد اتخذت في المطار، الذي غصّت باحته بالمستقبلين، يتقدّمهم: النائب علي بزي ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وزير البيئة محمد المشنوق ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام، وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد والنائب علي عمار، وفد من حركة «أمل» ضمّ: طلال حاطوم وعلي بردى وعلي مشيك، وفد من العلماء والمشايخ وعلماء الدين، وفد من المطارنة، وفد من الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وشخصيات.

ضريبة مزدوجة

في وقت شكّل «الجنوبيون» النسبة الاكبر من الضحايا اللبنانيين، أعرب بزي عن حزنه الشديد، قائلاً: «ما من كلام يَفي حجم الحزن الذي يعتري قلوب الاهالي، أقلّ ما يمكن تأديته حيال هذه الفاجعة، هي الوقفة التضامنية. فالكارثة وطنية بامتياز، أصابت لبنان من الوريد الى الوريد، بصرف النظر عن المنطقة أو الطائفة».

وأضاف، متأسفاً في حديث لـ«الجمهورية»: «للأسف الشديد اعتدنا استقبال جثامين المغتربين، سواء في طائرة كوتونو الاثيوبية، أو «عبّارة موت» أندونيسيا... اللبناني يدفع المأساة أينما حلّ، وهذه ضريبة إضافية يدفعها المهاجر المغترب من أجل تأمين لقمة عيشه».

وأضاف: «على عتبة الميلاد، ميلاد الفرح والمحبة والسلام والرجاء، نناشد أنفسنا والآخرين دعم العيش المشترك. مثلما اللوحة تفقد قيمتها من دون ألوان، هكذا لبنان من دون عيش مشترك بين أبنائه».

من جهته، شدد رعد على أهمية «تغليب روح المقاومة على الصعاب». وقال لـ«الجمهورية»: «على رغم الضحايا التي تسقط بين حين وآخر، سواء في لبنان أو في بلدان الإغتراب، فإنّ إرادة اللبنانيين على البقاء والإستمرار في النضال من أجل حياة كريمة أقوى من أي شيء.

جئنا إلى جانب أهلنا الأعزّاء لنشدّ على أيديهم، ونتضامن معهم، وهم يستقبلون أشلاء ضحاياهم، آملين ان نبني معاً كلبنانيّين من كل الاطياف، البلد المشرق الواعد، الذي تسوده العدالة». وأضاف: «نعتبر أنّ الحياة تنطوي على المقاومة، الميت وحده هو الذي لا يقاوم، أنا مقاوم إذاً أنا موجود».

أما وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل فوصف سقوط الطائرة بأنه «مأساة وطنية»، معتبراً أنّ «الأهمّ يبقى في وقف مسلسل الاهمال بحق المغتربين اللبنانيين، ووقف مسلسل موت المغتربين في الطائرات».

راعي بوركينا فاسو

مثلما كان الاب الروحي لهم في بوركينا فاسو، أصرّ الاب الأب نبيل شلهوب، خادم رعية بوركينا فاسو، على أن يكون حاضراً في استقبال جثامين أبناء رعيته المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء. «لا شك في أنّ المصاب كبير، ولكننا أبناء الرجاء، وفي زمن الميلاد، نحن مدعوون لأن نختبر ولادة جديدة، ولادة تنضح أملاً».

وقال لـ«الجمهورية»: «لنتأكّد أنّ من غادرونا باتوا عن يمين الله، ونحن في بوركينا نعيش إسلاماً ومسيحيين في رعية واحدة منسجمة».

يذكر أنّ الطائرة الجزائرية هي من نوع «ماكدونل دوغلاس ام.دي 83»، وقد تحطمت أثناء رحلة من واغادوغو إلى العاصمة الجزائرية، فوق شمال مالي، ما أدى إلى مقتل 116 شخصاً معظمهم من الفرنسيين، بينهم 20 لبنانياً، وهم:

- رندا بسمة زوجة فايز ضاهر وأولادها: علي، صلاح وشيماء ضاهر.
- منجي حسن وزوجته نجوى زيات وأولادهم: محمد رضا، حسين، حسن، ورقية حسن.
- بلال دهيني وزوجته (ألمانية الجنسية) وأولادهم: مالك، ريان واوليفيا دهيني.
- محمد اخضر.
- فادي رستم.
- عمر بلان.
- جوزيف الحاج.

في وقت يلفّ الحزن الأهالي، تستعدّ بلدات: صريفا، حريص، الخرايب، الزرارية، عينطورة، غوسطا، الزلقا، لاحتضان أبنائها. وتبقى كلمات الترتيلة خير عزاء: «كلّ ما يصيبني هو هدية منك يا الله...».

  • شارك الخبر