hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - نسيم الخوري

نبيه برّي أستاذ الورد والشعر والـ Patchwork

الأحد ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 10:01

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا حكمة في الإرتجال والهزء من سياسات الترقيع في بلادنا أو رفضها وإدانتها وإفراغها من معانيها الكبرى في هذه الأزمنة الصعبة. التغيير الجذري مستحيل. وعندما يتمزّق الثوب أو الوطن أو يثقب وينكشف عري لابسه ويصبح غير قابلٍ للرتق والظهور اللائق أو المقبول بين الناس أو بين الأوطان المهدّدة بما حولها لا حلّ سوى في الترقيع الهندسي الجميل بمعنى ال patchwork السياسي. 

يأخذنا الترقيع بيدنا نحو أزمنةٍ كانت الحاجة فيها تدفع الى البحث عن قصاصاتٍ من القماش ملائمة لوناً وشكلاً لرقع الثوب والى استعمال بقايا الأقمشة والثياب في صناعة المناشف والشراشف واللحاف والفرش. كان الميسورون يخصصون لحافاً لكل فرد في العائلة وتمضي النساء الأيام لحياكة القطعة الواحدة باليد وتفتخر كل أسرة بما تصنعه نساؤها حيث تتوارثه الأجيال المتتالية. كان يصعب عليهم رمي أي شيء. كانوا ؟ وما زالوا، حيث الرقعة مقيمة علماً فوق خيام النازحين والفقراء والمحتاجين والمعوزين السوريين في الأرض العربية وكلّ أرض.
كانت الرقعة ثقافة وأنماط عيش وحياة ووصل. كانت فنّاً فطرياً أخلاقياً ودينياً واسع المفاهيم والمعاني الفلسفية. هي ليست في الثوب فقط، بل في منظومة العلاقات الإجتماعية والعائلية والدولية والتعاضد والمناصرة والحلم والتآلف ودرء العواصف والمخاطر الطبيعية والغريبة. لا شيء ينكسر بسهولة بين الفرد والآخر أو بين الأخ وأخيه أو الفريق والفريق الآخر والحزب والحزب المناهض. الرقعة جاهزة وقد لا أبالغ إن تجاسرت بالإجتهاد بأنّ الرقعة بذرة الدبلوماسية . إذا ما إنكسر أمر تحضر على الفور ثقافة الحكمة والتلحيم والترقيع وإزالة النتؤآت والنسيان ومحو الظلامة والضغينة ونوايا الثأر والصفح.
لكن بين الماضي والحاضر تحوّلت الرقعة أو الثوب الممزّق أو المهلهل البالي من إشارة عوز وفقرٍ ونبذ وثقافة توحد وتحاور الى دليل موضة وغنى ومعاصرة، حيث نرى الأجيال اليوم من الصبابا والشباب يتباهون بثيابهم المرقّعة أو الممزّقة فيغدو الترقيع فناً لم يترك مجالاً من مجالات الحياة والحضارة والمقتنيات إلاَ وأنخرط فيها. صحيح أنّنا قد نتلمّس جذور هذا الفن الهندسي المميز منذ ملوك الفراعنة، حيث نتفرّج في المتحف المصري مثلاً على قطعة ملابس للملك توت عنخ أمون مصنوعة بطريقة "الباتشورك" وتعود للأسرة الـ18، وهي عبارة عن ثلاث طبقات مطعمة بالذهب، أو نتفرّج على خيمة وجدت فوق مومياء الملكة "ابست ام محب" وهي في مربعات حمراء وزرقاء مرقّعة هندسياً من جلد الغزال تحكي قصة الملكة، لكنّ الأصح والأخطر أن الرقعة بمعناها المعاصر في حياكة الأثواب أو الحلول السياسية، سواء أكانت نفعية أم جمالية أو عشوائية فهي باتت أقرب الى ما يتطلّب الترقيع المجنون أو Crazy work في البلدان العربية بمعانيها الثقافية والعلائقية بين البشر. لماذا؟
لأنّ كلّ شيءٍ بات قابلاً للإهمال والكسر السريع والرمي في أكياس المهملات من الأثواب الصالحة الزاهية الى سرعة الكسر في العلاقات الأخوية والزوجية والسياسية والعسكرية والإعلامية أحياناً لأسباب تافهة ما عاد ينفع فيها نصيحة أو تعقل أو حوار أو معالج نفسي. الترقيع المجنون صعب بل مستحيل في معالجة الصراعات والحروب العشوائية التي تبدأ كلاماً وشتائم وتجذراً في العدائية لتصبح حروباً مستوردة لا ثورث سوى الركام والندم والتوق الحقيقي لثقافة الترقيع القديمة.
يبحث هذا النص برمزيته عن لقبٍ جديد للرئيس نبيه برّي حامل الإبرة والخيط وقطع القماش المقطع عشوائياً لأنّ الزمن ثقيل. أسميته في هذه الصفحة بالذات أوّلاً، "بائع الورد الجنوبي" بعد 2 آذار/مارس 2006 تاريخ مدّ طاولة الحوار في البرلمان وحولها باقة زهور جميلة و15 متحاور، ثمّ أسميته ب" رجل الحوار الصامت"، بدأبه اليومي على سحب "الأدرينالين" من النفوس المحلية والإقليمية المشحونة بالـحقد والكراهية بسريّة وصمت شبه مطلق، وأسميته ثالثاً في 16 أيلول 2008 "مؤلّف الشعر الجميل" عندما تتالت جلسات الحوار في قصر بعبدا وتوقّفت أمام مسألة "الإستراتيجية الدفاعية" لتعود فـي 11 حزيران 2012 فتثمر "إعلان بعبدا" الذي يبتغيه الرئيس السابق ميشال سليمان حزباً جديداً بعدما صار القصر الرئاسي مهجوراً والتمديد للنواب مزدوجاً وطويلاً.
"نحو ثقافة الرقعة" هي التسمية الجديدة للمرحلة، بعد حوار الدوحة بين دول مجلس التعاون الخليجي الى الحوار المنتظر بين تيار المستقبل وحزب الله الى الإشارات الإقليمية الإيـجابية نتيجة الـحلحلة فـي الحوارات الدولية الإيرانية المتعلقة بالـملف النووي. يتمزّق الثوب اللبناني وكاد يبين عريه، وتضافرت مخاطر الإرهاب والرهاب من الداخل والخارج ترمي الوطن مجدداً في متاهات يصعب الخروج منها، وهناك مؤشّرات إيجابية في المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية وغيرها. فماذا يجدينا غير الحوار؟
أي حوار يريدون حول طاولة عين التينة مقر الرئيس نبيه برّي بين حزب الله وتيار المستقبل؟
يريدون شلح الملفات كلّها، من موضوعَي المخطوفين الى موضوع الإرهاب الى سحب السلاح من أيدي المواطنين وسحب سلاح "حزب الله" و"عودة الـحزب من سوريا" وتطبيق القرار الدولي 1701 بنشر الجيش على الحدود بين سوريا ولبنان وبمساعدة القوات الدولية، الى ملف الـمحكمة الدولية الإنتظاري الى ما بعد ال2015، الى إنتخاب رئيس جديد للـجمهورية وتعبئة الفراغ الدستوري منذ 25 أيار 2014 الى عناوين المصالحة الوطنية، وقانون جديد للإنتخابات النيابية... والبحث عن حكومة جديدة.. وصولاً الى مسألة إستخراج النفط ومآزمه الكثيرة.. ناسين أو متناسين أهمية رتق الاحتقان السنـي – الشيعي الذي يرخي بسدوله الدموية في لبنان وأرجاء المنطقة.
نرى"أستاذ " PATCHWORK نبيه برّي تسجد له شجرة التين فيسقيها شعراً وورداً ويناول الإبر والخيطان للمتحاورين لرقع ما تيسّر من الثوب اللبناني خلافاً لكلّ الذين يسألون عن هوية الحوار ونتائجه وأهدافه، لأنّ التمعّن في تلك الثقافة يدفعنا نحوالإكتفاء بأن تبقى الطاولة نظيفة إلاّ من شاغليها وترقيع الثوب كما كانت تفعل جدّاتنا لا كما تقتضي موضة الثياب و"الثورات" من تمزيق وتعرية لنكون على موضة الأوطان الممزّقة.
 

  • شارك الخبر