hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جان عزيز

السعودية وقطب مسيحي سيادي: من تغير؟!

الخميس ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 02:26

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

منطقي جداً تصرّف السعودية في لبنان والمنطقة. فالنظام العائلي هناك مأزوم على أكثر من مستوى. في الداخل هناك أزمة انتقال امتلاك البشر والحجر، من جيل إلى جيل. فضلاً عن ظهور النموذج النيو ــــ سعودي الجديد والأكثر جاذبية، «داعش»، مع ما لصعوده من تأثير سلبي على الداخل السعودي. وخارجياً هناك هذا الحصار الفعلي الذي بات يطوّق أراضي العائلة، من البحرين إلى العراق مروراً بكل اليمن.
مأزومة هي إذن تركيبة تلك العائلة. فيما متنفساتها الاستراتيجية قليلة، خصوصاً أن استثماراتها على هذا الصعيد محدودة: إما نفط أسود، وإما فكر مماثل في سوق العصبيات المذهبية. وهو ما بات كاسداً أخيراً.

فمصر، مثلاً، رغم الأحد عشر مليار دولار التي «تكرّمت» بها عائلة السعوديين على القاهرة، بالتكافل مع الكويت والإمارات، تظل مصر. وهي لم ولن تتحوّل أخاً سعودياً صغيراً. إذ رغم حسني مبارك و»براءته»، ورغم إجهاضات الثورات الثلاث، من 23 يوليو إلى 25 يناير إلى 30 يونيو، تظل في الشخصية القاعدية لأهل مصر، طبقة تأسيسية هي مزيج من فراعنة وأهرام ونيل وموسوعات أدب وفن... كل هذا مما لا حرف منه في أملاك السعوديين. وبالتالي لا قدرة لحكّام الرياض على ترويض القاهرة، جُرماً سابحاً في آبارهم النفطية، خادماً غبّ الطلب لسعيهم إلى فك طوق الحصار عنهم.
في المقابل، ودائماً على المستوى السني الذي تستثمر فيه عائلة السعوديين، هناك تركيا. هذه الدولة التي بكل ما فيها من صح وخطأ، تظل على موقع تنافس حتى العداء مع البيت السعودي. يكفي هؤلاء أن رأس أحد أجدادهم قُطع يوماً بحراب تركية، ونُقل سحلاً إلى اسطنبول حيث عُلّق على سارية هناك شاهداً على انتصار حقد على حقد. وتركيا اليوم، تركيا إردوغان، هي استمرار دقيق أمين لذلك. هكذا أقفلت كل المتنفسات المذهبية في وجه الاستثمار السعودي. فيما الأبواب الإسلامية مفتوحة على مخاطر أكبر. الفتنة السنية ــــ الشيعية تفاقم حصار تلك العائلة من أكثر من صوب. بينما العالم المستفيق متأخراً جداً على ضرورة محاربة الإرهاب ومكافحة جذوره الفكرية الأولى، يسأل نفسه عن سبيل إلى استئصال «داعش» مثلاً، من دون إلغاء كل النماذج العائلية المطابقة والتي أسست لفكر «داعش» وسلوكها وبنيتها؟
لهذا يعيش حكام العائلة السعودية هذه الأيام حال استشراس لمحاولة الإمساك بآخر ورقة إقليمية جدية يملكون، ورقة بيروت. هنا يتنفس هؤلاء بعض أوكسيجين دورهم المفقود. ففيما في كل العالم يدفعون ويؤمرون، هنا يدفعون طبعاً، لكنهم على الأقل يأمرون. عندهم يذعنون بدفع تكاليف حروب واشنطن وأوروبا، وحتى حروب خصومهم ومنافسيهم، من دون أي ربحية أو جدوى استثمارية. هنا على الأقل يدفعون ثمن حروب مجدية بالنسبة إليهم. وحدها استثماراتهم اللبنانية تعطيهم عائدات في السياسة. يحرّكون الملف السوري من بيروت. يظلون على تماس صراعي مع طهران من بيروت. يدفعون عنهم أي مسؤولية فلسطينية من بيروت. فضلاً طبعاً عن كل البنية «السياحية» التي تؤمّنها لهم بيروت.
كل ذلك مفهوم ومنطقي. لكن ما لا يمكن أن يكون مفهوماً ولا مقبولاً ولا منطقياً، هو مجرد السؤال: كيف يمكن لسياسي لبناني، من خارج الفلك «الفكري الثقافي الحضاري المعاصر» للموسوعة السعودية، أن يتجنّد لخدمة تلك الأجندة؟ نكاية باعتقاده أن منافسه قد تجنّد بالحماس الأعمى نفسه، لخدمة أجندة لا تقل دوغماتية، هي الأجندة الإيرانية؟ دفعاً لخوفه من خطر ظلامي آخر متخيّل، يهجسه ويقضّ حصونه المحصنة، اسمه «ولاية الفقيه»؟ طبعاً هذا حق له. لكن ماذا لو قُدّم له مخرج مقبول من «الشرين» معاً؟ ماذا لو أعطيت له فرصة أن ينعتق من دوامة السيئ أو الأسوأ، لينطلق نحو أفضل ممكن؟ والأفضل المطلق لأي بلد وشعب، هو أن تعيد سلطته إلى أبنائه، أي إلى داخله وذاته وشرعيته. المطللوب التخلص من الرياض وطهران معاً؟ المطلوب إسقاط مشاريع الولاية والخلافة في آن واحد؟ ممتاز. لكن السبل معروفة ومحدودة: إما أن تذهب إلى انتخابات نيابية بقانون عادل. وإما أن تذهب إلى نقل عملية انتخاب رئيس الجمهورية من حقائب الدبلوماسيين إلى صناديق اللبنانيين، وإما أن تذهب إلى مجلس النواب بجلسة انتخاب لا مرشح فيها إلا من فوق الطاولة، لا مرشحين على طريقة تهريب الحشيشة أو اختلاسات شركات التأمين أو استيراد الرق الأبيض للعلب السوداء. أما أن ترفض الانتخابات وتمدّد للمجلس، وأن تعرقل قانونها وتعطله سنة بعد سنة، وأن تمنع شعبك من انتخاب رئيسه، وأن تصر على جلسة انتخاب رئيس على طريقة محلات اللوتو غير الشرعي، وتقول إنك سيادي... فمسألة فيها نظر.
في مثل هذه الأيام، عشية عيد الميلاد قبل 23 عاماً، كان أحد الأقطاب المسيحيين مجتمعاً مع وفد نيابي دولي. سئل أن يوجز لهم جوهر القضية التي يقاتل من أجلها. فالتقط صحيفة لبنانية، وراح يقرأ لهم منها خبراً صغيراً يقول، أن بوليسيي عائلة آل سعود اقتحموا قبل يومين منزلاً في إحدى حواضرهم. حيث عمدوا إلى تحطيم محتوياته، ثم اعتقال سكانه، فضربهم وجلدهم ثم ترحيلهم. أما السبب، فلأنهم شاهدوا من خلف نوافذ المنزل المقفلة ظل نور يضاء ثم يطفأ تكراراً. فاستنتجوا أن أهل المنزل قد ارتكبوا منكراً عظيماً، هو إضاءة شجرة ميلاد سراً! أنهى القطب القراءة، قبل أن يلتفت إلى ضيوفه معلقاً: هذه هي كل قضيتي.
لا شك أن ثمة مرور زمن على الواقعة. لكن لا شك أيضاً أن النظام السعودي في كل ما فيها من دلالة، وحده لم يتغيّر.
 

  • شارك الخبر