hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - إيفا الشوفي

إعادة تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي

الخميس ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 02:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

منذ عام 2003 - وحتى قبله - لم يسمع أحد بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فقد غُيّب المجلس الذي لم يعمل فعليا سوى عام واحد، من دون أي إنجازات تُذكر. أمس، دعت «مبادرة المساحة المشتركة» إلى اجتماع أطلقت خلاله رؤيتها واقتراحاتها من اجل اعادة النهوض بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بعد حوار بين مجموعة من المعنيين امتد على اربعة اشهر

تنطلق الفكرة الأساسية للورقة التي طرحتها امس «مبادرة المساحة المشتركة»، من مفهوم الحوكمة عبر اشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وبما أن المجلس الاجتماعي والاقتصادي هو أحد هياكل منظومة الحوكمة، لا مؤسسة في مواجهة هذا النظام -وإن كان يتمتع باستقلالية- يجب أن يكون هناك تفاعل ايجابي بين المجتمع المدني والقطاع الخاص ومؤسسات الدولة.

يرى المشاركون في صياغة الورقة أنه «خلال السنوات العشر المنصرمة استجدت تحولات مهمة على الوضع اللبناني في ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية». لذلك اصبحت حاجة ملحة أن يُعاد التفكير في وظيفة المجلس بسبب افتقاد البلد رؤى واستراتيجيات اقتصادية واجتماعية واضحة الاهداف ضمن اطر مؤسساتية، إلا انه عند البحث في دور المجلس الذي تسعى المبادرة الى اعادة تفعيله، يتضح في قانون الإنشاء الرقم 389 في المادة الثالثة من الفصل الأول، أنه تُستثنى من مهمات المجلس جميع مشاريع القوانين المالية والنقدية بما فيها مشاريع الموازنات العامة وملحقاتها. هذا الاستثناء يلغي فعليا اي دور جدّي للمجلس في جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى وهو ما لم تأت الورقة على ذكره، على الرغم من انتباهها الى ان دور هذا المجلس استشاري فقط، وهي تسلّم بذلك، لكنها تطلب تعليل سبب رفض السلطة لاي راي «استشاري».
خلاصة الحوار كانت وضع مجموعة من التوصيات امام الرأي العام، أعلنها رئيس القسم الاقتصادي في «مؤسسة البحوث والاستشارات» كمال حمدان. قُسّمت هذه التوصيات الى مستويات مختلفة: سياسية، قانونية، تمثيلية وتنظيمية. على مستوى الالتزام السياسي أعلن المشاركون ضرورة تأكيد القوى السياسية أهمية المجلس كمساحة للحوار والتشاور العلمي وإدارة الاختلافات، إضافة الى التشديد على الاعتبارات المهنية والعلمية، لا الاعتبارات السياسية والطائفية. وعلى المستوى القانوني، ركز المجتمعون على الزام طالبي بيان الرأي تبرير الاسباب التي حالت دون الأخذ به، واستحداث نظام خاص بالمجلس لتعيين الموظفين. كذلك البحث في ولاية الأعضاء ومعايير تعيين الخبراء العشرة في المجلس من جانب الحكومة، لجهة الاختصاص العلمي ومستوى الخبرة. أما على المستوى التمثيلي، فقد أكد المجتمعون تمثيل السلطات المحلية وإقرار مشروع قانون اللامركزية الادارية، وتحسين عملية تمثيل المجتمع المدني والنساء والشباب. وأخيراً على المستوى التنظيمي، لا بد من تعزيز قدرة المجلس على اتخاذ المبادرة في تصميم وتنفيذ برنامج للأبحاث. كذلك عدم اقتصار عمله على بحث القضايا الخلافية بين الاطراف، انما ان يشمل القضايا المجتمعية الكبرى.

تُستثنى من مهمات المجلس جميع مشاريع القوانين المالية والنقدية والموازنات العامة

من المستغرب اليوم إعادة طرح فكرة تفعيل المجلس، وخصوصاً أن الأزمة الكبرى التي عاشها البلد لثلاث سنوات، في ظل معركة سلسلة الرتب والرواتب، انتهت بخسارة الفئة العمالية في مواجهة أصحاب الرساميل، ما يلغي اي امكانية للحوار على قاعدة ان الحوار يستلزم تقاربا في موازين القوى والقدرة على التفاوض، إضافة الى ذلك لم تبدِ الهيئات الاقتصادية خلال تلك المعركة اي استعداد للتنازل عن «مكتسباتها»، بل رأيناها تهدد وتحذر من مخاطر اقرار السلسلة، فما الذي تغيّر اليوم حتى اعلنت هذه القوى استعدادها للحوار مع الفئات العمالية؟
يندرج الحوار هنا ضمن إطار محاولة امتصاص الصراع القائم بين الفئات الاجتماعية المتضررة من النموذج السياسي- الاقتصادي، وتكتل «الهيئات الاقتصادية»، الذي بلغ ذروته في حراك هيئة التنسيق النقابية. تحاول الهيئات اليوم استباق أي بوادر لاشتداد الصراع عبر فكرة امتصاصه بـ»الحوار» الى ما لا نهاية. موازين القوى تشير إلى سيطرة مطلقة لمصالح تكتلات المصارف والمضاربات العقارية والاحتكارات التجارية، في مقابل تراجع كبير لهيئة التنسيق واضمحلال شبه تام للعمل النقابي العمالي في القطاع الخاص، ما يشير الى سبب حماسة الهيئات الاقتصادية لإعادة تفعيل المجلس وفرض مصالحها بالطرق «اللطيفة»، وهذا ما يدفع الى طرح السؤال عن سر حماسة بعض الناشطين والتكنوقراط لمثل هذا النوع من الحوار؟
يمكن التعمّق أكثر في هذه النقطة، عند الاطلاع على الشخصيات المشاركة في هذه المجموعة. وبالتالي نستنتج ان القيمين الابرز عليها هم ممثلو اصحاب رؤوس الاموال، الذين يمثلون بدورهم الأحزاب السياسية، مثل رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، وكبير الاقتصاديين في بنك البحر المتوسط ومستشار النائب فؤاد السنيورة (تيار المستقبل) مازن سويد، إضافة الى ذلك تضم المجموعة كلا من عضو القوات اللبنانية رجل الاعمال روي بدارو، عضو حزب الكتائب (الاستاذ الجامعي) الوزير السابق سليم الصايغ، عضو كتلة التغيير والإصلاح الوزير السابق نقولا صحناوي، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله (حزب الله) وعضو لجنة الرقابة على المصارف رامي ضو (الحزب التقدمي الاشتراكي). أما الهيئات العمالية، فمثّلها رئيس اتحاد موظفي المصارف جورج الحاج، ونقيب معلمي المدارس الخاصة نعمة محفوض. هاتان النقابتان لا تمثلان على نحو حقيقي العمال، انما تمثلان شريحة من العمال تتمتع باوضاع افضل من السائدة في سوق العمل. هكذا اذاً يمثّل أعضاء هذه المجموعة مختلف القوى السياسية والحزبية، ما يعني الدخول في دائرة المحاصصة الحزبية مكررين بذلك تجربة المجلس نفسه.
إشكالية أخرى تُطرح في هذا الصدد، فالمطالبة بإعادة تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تتطلّب الارتكاز الى تجربة هذا المجلس؛ ووفق الورقة المقدمة، التي تضمنت تقويما لولاية المجلس الاولى، يعترف المشاركون بأن هذا المجلس لم ينجز شيئاً في القضايا المجتمعية الكبرى، وبالتالي لماذا نريد إعادة تفعيل تجربة فاشلة؟
في تقويم ولاية المجلس الاولى يحدد المشاركون النقاط الايجابية والسلبية. اقتصرت الإيجابيات على الأمور الشكلية والنظرية، وهي: اعداد مشروع نظام داخلي للمجلس، تشكيل 8 لجان متخصصة، جمع ممثلي الأطراف السياسية المعنية بالامور الاقتصادية والاجتماعية، وانتاج بعض الاعمال التي تقع ضمن مهماته. هذه «الإيجابيات» لم ترتقِ جميعها الى مستوى الدور المحدد للمجلس في القضايا الكبرى. يعترف المشاركون، عند تحديدهم للسلبيات، بانه لم تسنح الفرصة فعليا لاضطلاع المجلس بالدور الذي انيط به ولم يُشرك في ابداء الرأي في الأزمات الاقتصادية، إضافةً الى بقاء ملاك المجلس شاغرا على امتداد السنوات الثلاث. الأوضاع السياسية اليوم أسوأ مما كانت عليه خلال الولاية الاولى للمجلس، وبالتالي لن يتمكن المجلس من اداء الدور المناط به إذا اعيد تفعيله.
 

  • شارك الخبر