hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - إيفا الشوفي

قصتنا مع الدولة: ملفات «فارغة» بعد 14 عاماً

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 07:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

سلمت أمس لجنة اهالي المفقودين والمخطوفين، وجمعية سوليد، ملفات التحقيقات التي أجرتها اللجنة اللبنانية الخاصة بمتابعة ملف المفقودين والمخفيين قسراً إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر. هذه الملفات على الرغم من عدم احتوائها على معلومات جدية، جاءت خطوة التسليم لتفضح علاقة الدولة بشريحة مهمشة من مواطنيها


أحسنت وداد حلواني، رئيسة لجنة أهالي المخطوفين، في تحديد «هوية» الصندوق الذي سلمته للجنة الدولية للصليب الأحمر في نقابة المحامين، قالت «إننا نسلّمكم قصة علاقتنا مع دولتنا»، «يتضمن هذا الصندوق جزءا من تاريخ هذا البلد البشع، يتضمن صورة طبق الأصل عمّا لم تقم به دولتنا من أبسط واجباتها إزاء شريحة من مواطنيها».

دخلت غانية غندور أمس قاعة نقابة المحامين حاملةً بيدها 4 صور: ناصر، جهاد، حسن وجمال محيسن. اصطادتها أعين الجميع وطغى حزنها على القاعة. المرأة السبعينية فقدت أولادها الأربعة وما زالت على قيد الحياة. «جمال قتل بحرب المخيمات كان عمرو 22 سنة»، غانية متزوجة بفلسطيني توفي منذ 13 عاماً من دون أن يرى ناصر، جهاد وحسن. عام 1982 أخذ حاجز طيار في «الشرقية» أولادها البالغين من العمر 16 عاماً و14 عاماً (توأم)، عند عودتهم من سوريا، كان عمرها آنذاك 36 عاماً، ومذاك تنتظرهم عائدين كما رأتهم في المرة الاخيرة.
دخلت ربيعة رياشي أمس قاعة نقابة المحامين حاملةً بيدها 3 صور: زوجها، سلفها وابن عمه. الجميلة الخمسينية بكت بسرعة، كان عمرها 21 عاماً عندما خُطف زوجها على طريق المطار، كان ذلك في 31 آب 1985. ابنها اليوم يكمل عامه الـ29 من دون أن يرى والده.
من اجل دموع الأهالي المعذبين، حضر جميع من ملأوا مقاعد القاعة من محامين وناشطين وحقوقيين، ليشهدوا خطوة نوعية في هذا الملف، ستكون مقدمة لخطوات قضائية وحقوقية للوصول إلى كشف مصير المفقودين.
سلّم الأهالي اللجنة الدولية للصليب الاحمر صندوقاً فيه ملفات «فارغة» يحكي قصة الدولة «الفارغة».

يتضمن الصندوق صورة طبق الأصل عمّا لم تقم به دولتنا في أبسط واجباتها
اللجنة الرسمية المكلفة الاستقصاء عن المفقودين والمخفيين قسراً، وتحديد مصيرهم، لم تفعل شيئاً، لم تحقق مع أيّ من الجهات الخاطفة، ولم تتحقق من معلومة واحدة سلمها إياها أهالي المفقودين، صنّفت اللجنة فقط شهادات الأهالي. ملخص التقرير(بضع أوراق) الذي أصدرته اللجنة في تموز 2000 كان بمثابة ورقة نعي لجميع المفقودين، حيث أعلنت وفاة جميع الذين فقدوا في الحرب، من دون تقديم أي تفسيرات أو ادلة. تحدث الملخص عن 3 مقابر جماعية في مار متر، «حرش بيروت» والتحويطة، أما الجثث الباقية، فرميت في البحر. مثّل هذا التقرير ضربة موجعة للأهالي، أرادوا من خلاله القول لهم: عودوا ادراجكم. جميعهم ماتوا. لم يُقنع الأمر الأهالي، فناضلوا 14 عاما اضافيا حتى تمكنوا من الاستحصال عبر القضاء على كافة ملفات التحقيق، التي تبيّن أنها معلومات خام بقيت في مراحل التحقيق الأولى، من دون أن تقوم اللجان المتعاقبة بواجبها في التدقيق فيها سعيا للوصول الى الحقيقة. مثلما نعت اللجنة سابقاً المفقودين، أراد الأهالي أمس أن يواجهوا الدولة ويقولوا للجنة الدولية للصليب الأحمر: تفضلوا، هذا الصندوق دليل واضح على فشل الدولة في قضيتنا.
الاحتفال بهذه الخطوة حصل لبعدين رمزيين أساسيين يمثلان اساس علاقة هذه الشريحة بالدولة. يقول المحامي نزار صاغية إن «البعد الأول هو وجودنا في نقابة المحامين، ما يمثّل تكريسا للمفهوم الحقوقي لهذه القضية، الذي دحضنا من خلاله جميع الحجج السياسية، التي ترى اننا نعيد فتح ملف الحرب». ويضيف إن «البعد الثاني تكريس لعملية الخطوة، والمضي بعمل جدي ومنهجي وعلمي للوصول الى الحقيقة، وهنا تقع أهمية التحالف الاساسي مع الصليب الاحمر الدولي، الذي يملك التقنيات اللازمة من اجل التعرف على المفقودين». يتحدث صاغية عن مبدأ التقاضي الاستراتيجي الذي اتُّبع في هذه القضية «عندما يكون المطلب حقوقيا، ويأتي ردّ الفعل سياسيا في القضايا الحساسة، من المهم جدا التوجه إلى القضاء لإعادة البعد الحقوقي إلى القضية، وهذا ما نجحنا في إرسائه»، إذاً بعد نجاح «لجنة اهالي المفقودين والمخطوفين» وجمعية «دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين – سوليد» في انتزاع اعتراف قضائي بحق الأهالي في معرفة مصير أبنائهم، آن الأوان للتقدّم بخطوات عملية، تكرّس هذا الحق على أرض الواقع. يحدد صاغية الخطوات العملية بأن «تتوصل الحكومة واللجنة الدولية للصليب الاحمر الى اتفاق من اجل انشاء بنك معلومات، عبر اخذ عينات من لعاب الاهالي، وتخزينها في المرحلة الاولى، ثم تحويل هذه العينات إلى حمض نووي عند إقرار القانون، الذي ينشئ الهيئة الوطنية للمفقودين». يشرح رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر فبريزيو كاربوني آلية اخذ عينات الحمض النووي عبر عناصر من القسم الجنائي في قوى الامن الداخلي بدعم تقني من الصليب الأحمر، «ستؤخذ عينتان لكل حالة، الأولى تخزّن لدى قوى الامن الداخلي، والثانية في رئاسة اللجنة في جنيف». يعلم كاربوني أن التعاطي الجدي مع هذه القضية لا يقتصر فقط على جمع المعلومات والحمض النووي، «على الدولة ان تبدأ بإعطاء إجابات، وذلك لا يمكن أن يحصل سوى اذا أفصح الذين شاركوا في الحرب عن معلوماتهم». يعتقد كاربوني ان تسليم الدولة للملف هو بحد ذاته اشارة ايجابية من السلطات، ستتبعها خطوات أخرى. إن مشروع لجنة الصليب الاحمر جاهز، إلا ان الحكومة لم توافق عليه حتى اليوم، لذلك ستقدم اللجنة قريباً نسخة مبسطة عن المشروع لوزارة الداخلية، ورئيس مجلس الوزراء. واستكمالا للخطوات العملية، دعا رئيس لجنة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الانسان في نقابة المحامين عبد السلام شعيب، الحكومة إلى الانضمام للمعاهدة الدولية لحماية المخفيين قسراً، والاستفادة من احكامها الاجرائية. يلفت صاغية الى أن المرحلة السياسية بعد تسليم الملف ستأخذ وقتا، على ان يجري بعدها وعلى ضوء النتائج اتخاذ قرارات قضائية يجري الإعدادُ لها، لكن نفضل ان تعقد لقاءات بين الاهالي والحكومة والجهات الخاطفة كي تمثل هذه المرحلة جزءاً من الحل.
دخل الكثيرون أمس هذه القاعة، واجتاح الحزن الجدران التي نظرت مطوّلاً إلى أمهات وشقيقات وزوجات يتمسكن حتى النفَس الأخير من أعمارهن برؤية أبنائهن يوماً ما. هناك أمل مجهول يشع من عيونهنّ، نستغربه نحن الذين لم نفقد يوماً ولم ننتظر يوماً. أمل يحتال على جميع المبررات المنطقية -التي لا نقولها لدوافع أخلاقية، ولكن نفكر فيها- عن شخص اختفى منذ 40 عاماً، ويتمسّكن به.
 

  • شارك الخبر