hit counter script

مقالات مختارة - فاطمة العيساوي

"الفجور" الإعلامي تحقيقاً استقصائياً

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 07:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يقول الخبر إن مقدمة برنامج "المستخبي"، منى عراقي، التي أثارت فضيحة إعلامية في عرض مشاهد لما اعتبرته "وكراً للشذوذ الجنسي" في حمام شعبي، وإبلاغها الأمن عنه، قررت المضي في عرض الحلقة، على الرغم من انتقادات ضجّت بها وسائل التواصل الحديث، ووابل الشتائم التي نالت منها. والمفزع في الخبر أن قرار عرض شريط يحتوي هذا القدر من انتهاك للخصوصية يعود للمقدمة "المخبرة" نفسها التي قررت أن تمضي في انتهاكاتها، من دون تدخل إدارة تلفزيون يفترض أنها مسؤولة عمّا يُذاع على شاشتها، ولا نقابة صحافيين يُفترض أنها تدافع وتحاسب وتحرص على أخلاقيات المهنة، ولا قضاء يفترض أنه يصون الحريات الشخصية، ويمنع الاعتداء على خصوصية الأفراد، وخصوصاً عندما يكون الاعتداء بحجم ما ارتكبته "المخبرة" في دفاعها عن "الفضيلة"، على طريقة محاكم التفتيش في القرون الوسطى.

الأكثر بشاعة من الشريط الذي عرضته "المخبرة"، وتدّعي فيه أنها كشفت عن شبكة لممارسة "الرذيلة"، تحويلها الدرك المهني الخطير الذي وصلت إليه إلى "سبق صحافي"، مستعيرة مفاهيم العمل الصحافي المهني، لتصنف ما فعلته بالتحقيق الاستقصائي. لا يكشف "مستخبي" عراقي سوى عن قصورها المهني، فهي تخلط بين ما تسميه "الشذوذ الجنسي"، وهو ما بات أي إعلام يحترم نفسه يسميه المثلية الجنسية، وانتشار مرض الإيدز، علماً أن الإيذر ينتقل، بوسائل متنوعة، منها العلاقات الجنسية العادية، وتجري مقابلات تخدع فيها محاوريها، فلا تعلمهم بالهدف منها، وتنتقي ما يناسبها من تعليقاتهم، وتبرر إخبارها الأمن بأنه كان عليها أن تقوم بذلك، بحجة أن على الصحافي أن يكشف عن مصادره. ومن المؤكد أن عراقي، الدخيلة على المهنة، جاهلة ما يعتبر أهم ركائز المهنة، أي حق الصحافي في عدم الإفصاح عن مصادره الإخبارية.
"
من يوقف "الفجور" الإعلامي الذي بات أثره أكثر خطراً على عقول المشاهدين من حملات الإثارة الإعلامية المفبركة؟
"
لا يبدو من الواضح أن التحقيق الاستقصائي، حيث المخبر البطل أصيب بالإحباط لسوء ما اكتشفه في الحمام الشعبي، وهو ما لم ينجح بإثباته، حقق أي هدف سوى الإثارة. وصفت المخبرة ما شاهده زميلها في الحمام الشعبي بأنه "أقل من زريبة الحيوانات". وبذلك، نصبت نفسها، كما زملاءها من مقدمي البرامج، حكماً على أخلاق الناس، تقيس "الفضيلة" بمقياس يناسبها، ويناسب مصالح من وراءها، منتقلة، وزملاءها، من شيطنة الخصوم السياسيين إلى تعليق الأوسمة الأخلاقية لمن ترى أنهم يستحقونها. وبذلك، تحولت تحقيقاتها، وتحقيقات زملائها من جهابذة توجيه الرأي العام، إلى حملات تشهير بالأضعف اجتماعياً من الفقراء، قاصدي الحمامات الشعبية، إلى المثليين الجنسيين، إلى الملحدين الذين شملتهم حملة التضييق على الحريات، من دون أن نعلم كيف توصل النظام إلى تصنيفهم ملحدين، وبناء على أي معايير.
تنشط صحافة "الاستقصاء" الصفراء في ادعائها كشف "الرذيلة" في المجتمع، بالتحالف مع قوى الأمن التي تحكم الحياة الخاصة للمواطنين، بحجة الحفاظ على الآداب. وليست منى عراقي فريدة من نوعها في إجادة الإثارة، بادعاء كشف المستور من خبايا أمراض المجتمع الأخلاقية، بهدف إرساء مجتمع "الفضيلة". قبل أعوام، تناولت محطة "إم تي في" اللبنانية قضية المثليين جنسياً بالطريقة نفسها، وتحدثت في أحد البرامج عن صالات سينما خاصة لهم، يمارس فيها الجنس الجماعي، الأمر الذي انتهى إلى حملات للأمن على هذه الصالات، وتوقيف رواد عديدين بتهمة الشذوذ الجنسي، وإخضاعهم للفحص الشرجي، ما أثار انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية، ودافعت المحطة عن بثها التحقيق المثير باسم الأخلاق وواجب تقصي الحقائق.
يُنصّب مدعو العمل الاستقصائي الصحافي أنفسهم حكماً على أخلاق العامة، ودعاة للفضيلة الأخلاقية. والسؤال: من يوقف "الفجور" الإعلامي الذي بات أثره أكثر خطراً على عقول المشاهدين من حملات الإثارة الإعلامية المفبركة؟ وماذا عن العلاقات المشبوهة بين هذا النوع من الإعلام والأمن والسياسة؟ هل تصنف في خانة "الفضيلة" أم خارجها؟
لم تعد الانتقادات على وسائط التواصل الحديث تكفي لكبح شهية عراقي، وأمثالها من هواة الإثارة "الاستقصائية"، بل المطلوب التشهير بهؤلاء في المنصّات الحقوقية والمهنية، ومقاضاتهم على يد هذه الجمعيات ومقاطعة المحطات التي تعرض هذا الإنتاج، وتموله وتروجه. وعن "الفجور" الإعلامي فلنتحدث.
 

  • شارك الخبر