hit counter script

مقالات مختارة - ماجد الشيخ

الغارات الإسرائيلية على سورية .. الرسائل والدوافع

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 07:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 العربي الجديد

مهما يكن من أمر الغارات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي، ضد أهداف داخل الأراضي السورية، فإن التقديرات في إسرائيل تفيد أن سورية وحزب الله غير معنيين، على الأقل حاليّاً، في ظل ما يجري من حرب أهلية، بتفرعاتها وتداعياتها الإقليمية والدولية في سورية، بالتصعيد مع الإسرائيليين، ما ينطبق، أيضاً، على إسرائيل نفسها. في وقت ما زالت الأخيرة تعمل على تفادي ردود فعل غير متوقعة من حزب الله، ردّاً على غارات الطيران الإسرائيلي بين حين وآخر داخل الأراضي السورية، والقليل منها داخل الأراضي اللبنانية.
ومهما تكن "سياسة النعامة" التي تحاول إسرائيل اتباعها، إزاء استهدافها من الجو مجموعة أهداف حيوية، من قبيل السلاح الكيماوي السوري، أو الأسلحة الإيرانية والروسية التي يجري شحنها إلى حزب الله داخل الأراضي اللبنانية، فإن عدم التأكيد الرسمي الإسرائيلي المسؤولية عن الغارات لا ينفي، بالطبع، تلك المسؤولية المباشرة عن الفعل، وعن السياسة التي تحاول الاختباء وراء غلالة شفافة من الغموض.
وليست هذه السياسة بنت ساعتها، فقد اعتادت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، على الفعل، وترك الداخل، لا سيما الإعلامي منه، ينشغل، وإن بارتباك، بقراءة توقعات وتقديرات، معروفة ومكشوفة للمستويين السياسي والعسكري، وليست خافية، أيضاً، على صعيد الخارج. على الرغم من ذلك، ومن الصمت الرسمي حيال الغارات الأخيرة، كان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قد ألمح إلى مسؤولية سلاح الجو الإسرائيلي عن شن الغارات، حين قال في جلسة للحكومة، الأسبوع الماضي: "سنعالج كل التهديدات، بالمسؤولية نفسها التي عالجناها بها لغاية الآن. نحن نتابع ما يحدث في الشرق الأوسط باهتمام كبير، نصغي السمع، ونتابع بعيون مفتوحة ما يحدث. أمور كثيرة تحدث، وسنبقى طوال الوقت على أهبة الاستعداد، وسنعالج هذه التهديدات والتحديات التي لا تتوقف".
إلا أن تصريح وزير الأمن، موشيه يعالون، كان أوضح ما صدر عن القيادة العسكرية الإسرائيلية، حين قال إن "على من يحاول تسليح أعدائنا أن يعرف أننا سنصل إلى أي مكان، وفي أي وقت، وبكل طريقة من أجل إحباط مخططاته. ولن نساوم في ذلك، ولن نسمح بتجاوز خطوط حمراء، تشكل خطراً على أمن إسرائيل. ولن نساوم على أمن مواطني إسرائيل".
أما لجهة الحظر الذي تفرضه الرقابة العسكرية الإسرائيلية على موضوع الغارات، فقد ظهر في كلام معلق الشؤون العسكرية في القناة الثانية، روني دانييل، الذي ألمح، أيضاً، إلى إمكان رد حزب الله على الغارة. وقال "من الممكن جدّاً أن يكون سلاح الجو قد عمل في سورية، لكننا ممنوعون من أن نصرح عن أمور دقيقة. ولكن، من غير الصحيح الافتراض أن مثل هذا الهجوم، ولفترة طويلة، لن يرد عليه بإطلاق نار من حزب الله". لهذا، ما كان من صحيفة هآرتس إلا أن لفتت الانتباه، مرة أخرى، إلى أن الغارات الجوية على الأراضي السورية هي استمرار لسياسة إسرائيل الأمنية، فيما يتعلق بالأزمة السورية، وإن "رد حزب الله يصعب التنبؤ به، لكن الحزب يظهر ثقة كبيرة بالنفس عند استفزازه إسرائيل"، ولاحظت أن الضربات تزامنت مع إعلان نتنياهو أنه سيذهب إلى الانتخابات، وتثير هذه المصادفة مزيداً من التساؤلات عن الدوافع السياسية للضربات الجوية.
ولئن لم تؤكد، أو تنفي، إسرائيل مسؤوليتها، فإن الغارات، في حد ذاتها، مؤشر على وجود خط أحمر، ينبغي أن تقف عنده عملية تسليح حزب الله من أسلحة في الأراضي السورية، وعدم نقلها إلى الأراضي اللبنانية، وإلا فإن التعرض للأسلحة في مخازنها استعداداً لنقلها، أو القيام بعمليات استباقية ضد قوافل تتحرك، استعداداً لعبور الحدود، سيكون الدافع والمحفز الرئيس للقيام بغارات، كلما استدعت الحاجة، ولن يكون هناك ما يردع إسرائيل عن القيام بعمليات كهذه، والذريعة دائماً وجود تهديدات أمنية.
وبحسب المراسل العسكري للقناة العاشرة الإسرائيلية، أور هيلر، فإنه "منذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية، وضعت إسرائيل خطوطاً حمراء تقضي بمنع نقل أسلحة استراتيجية ونوعية من سورية إلى حزب الله، مثل صواريخ "سكود ب"، وسلاح حديث مضاد للطائرات مثل "إس 300" أو صواريخ بر بحر متطورة من طراز "ياخونت".
"
هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها إسرائيل في سورية، منذ إعلان نتنياهو نيته الذهاب إلى الانتخابات
"
ورجحت القناة الإسرائيلية الثانية أن يكون الهجوم محاولة لإحباط تهريب شحنة صواريخ متطورة من سورية إلى حزب الله عبر جبال القلمون. وقال معلق الشؤون العربية، إيهود يعري، "إن الغارة الثانية استهدفت منطقة تقع على الطريق الرئيسي القديم من دمشق إلى بيروت. ومن هذا، يبدو أننا، هذه المرة، نتحدث عن محاولة تهريب شحنة صواريخ متطورة من سورية إلى حزب الله، عبر جبال القلمون، وهو أمر عملت إسرائيل من قبل على إحباطه". ولقد لاحظ عاموس هارئيل في "هآرتس" أن ما جرى، أخيراً، جاء بعد أن بذل حزب الله جهوداً لتحديد قوانين لعب جديدة أمام إسرائيل في الساحة الشمالية، وهو يتم بعد أن قام المجتمع الدولي بتغيير أولوياته، فيما يتعلق بالحرب في سورية (في البداية إسقاط الأسد وبعد ذلك هزيمة أعدائه، وهم حاليّاً داعش)، وهذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها إسرائيل في سورية، منذ إعلان نتنياهو نيته الذهاب إلى الانتخابات.
وبحسب وسائل الإعلام الأجنبية، قصفت إسرائيل من الجو بين خمس إلى عشر مرات في عامين. وردت سورية وحزب الله بالتهديد والتحذير، لكنهما لم يفعلا بشكل مباشر. وقد تغير ميزان الردع في فبراير/شباط. وحسب تلك التقارير، حاولت إسرائيل إصابة قافلة سلاح قرب الحدود السورية اللبنانية، لكنها فعلت ذلك، أول مرة، في الأراضي اللبنانية، وليس في سورية. وبعد الهجوم، وضع حزب الله ثمناً خاصاً به: أي عمل إسرائيلي في الأراضي اللبنانية سيأتي بعده الرد. ووقف حزب الله وراء مجموعة عمليات من العبوات وإطلاق الصواريخ في هار دوف وهضبة الجولان، ووصفت بأنها انتقام للقصف في جنتا، وعلى حادثين قتل فيهما ناشطون لحزب الله.
إلى هنا، من الواضح أن حدود القوة الإسرائيلية، وحدود التهديدات التي يطلقها النظام السوري، كما أن حدود رد حزب الله، باتت واضحة، بل أكثر من واضحة، وهي حدود لا تذهب بعيداً، إذا ما كان الأمر يتعلق بقصف أهداف داخل الأراضي السورية. وفي حال تعلق الأمر بقصف طائرات إسرائيلية أهدافاً داخل الأراضي اللبنانية، فإن الأمر قد يختلف؛ لكنه، في كل الأحوال، لن يتجاوز ردود فعله التي باتت محدودة ومحصورة بما يعكسه دوره ومفاعيله وتداعياته داخل الأراضي السورية، من انشغالاتٍ أضحت تمتد وتطاول دوره المقيد داخل الأراضي اللبنانية، في ظل تحدياتٍ بات يثيرها انتقال الصراع السوري إلى الداخل اللبناني، المنهك بالأزمات الداخلية، وما تثيره الأزمات الإقليمية، خصوصاً السورية، من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة؛ حزب الله أول من يتأثر بها، الأمر الذي حدّ، ويحدّ، من فاعليته وقدرته على التعاطي بحيوية مع الوضع العسكري ضد المستوطنات والقطعات العسكرية الإسرائيلية في الشمال الفلسطيني، انطلاقاً من الجنوب اللبناني. وذلك على الرغم من ردود متناثرة هنا أو هناك، لم تعد تبلغ "سوية الردع" الذي كان يتمتع به الحزب قبل نشوب الأزمة السورية.
 

  • شارك الخبر