hit counter script

فتاة ايزيدية: "رجال الخليفة؟ انهم ليسوا من البشر، انهم حيوانات"

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 10:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

«رجال الخليفة؟ انهم ليسوا من البشر، انهم حيوانات!»، تصرخ آذار (كل الاسماء هنا مستعارة)، وهي تلوي أصابعها بعصبية، فوق فستانها الأسود المخملي. البيت الصغير في داهوك، في كردستان العراقية حيث لجأت هذه النازحة، يطّل على فناء أرضه من تراب، تتجول فيها دجاجات فقدت ريشها، وأطفال يلعبون وهم حفاة، يملأ الذباب وجوههم. هذا البيت هو على الأقل السقف الذي سوف يقيها من برد قارس حلّ قبل أوانه. بل هو أساس الحرية بالنسبة لآذار.
تقول آذار ان عمرها خمسة وثلاثون عاماً، ولكنها ليست متأكدة من ذلك. الحقيقة انها لا تعرف تماما تاريخ مولدها. كانت تسكن مع عائلاتها في إقليم سنجار، في منطقة فقيرة وقاحلة، حيث يعيش العدد الأكبر من الأزيديين العراقيين منذ قرون. والأزيدية، وهي أولى الأديان التوحيدية في العالم، لها جذور في فارس القديمة، ومؤمنوها يصلون ووجههم مقابل الشمس، رمز النور الإلهي. ولكن منذ دخول الإسلام الى هذه المنطقة في القرن السابع، إضطُهد الأيزيديون واعتبرهم المسلمون من عباد الشيطان، بسبب تفسيرهم الخاطئ لديانتهم. هذه الطائفة الهادئة المسالمة كانت الفريسة المفضّلة لرجال الخليفة أبو بكر البغدادي، الذين عملوا على تدمير وجود كل الأقليات المحلية.
في أوائل شهر آب الماضي، تدفق مقاتلو «داعش» على سنجار بسيارتهم الرباعية الدفع وسلاحهم الثقيل الذي غنموه في الموصل. البيشمركة، قليلو العدد والتسليح وقتها، أُخذوا على حين غرة. فهربوا من ساحة القتال وتركوا القرويين عرضة لوحشية الجهاديين. وتحت شمس لاهبة، هرب عشرات الآلاف من الأزيديين نحو الجبال، التي تحولت الى مقبرة بالنسبة لعدد لا بأس منهم.
ومن لم يتمكن من الهرب، حوصر داخل قريته، فقتل أو قبض عليه بصفته «غنيمة حرب». تروي آذار: «رجال داعش كدّسوا أهل قريتي كلهم في باصات توجهت نحو سوريا. كنت حاملا في شهري التاسع. كنت مع زوجي وأطفالي الخمسة. اقتربنا من حلب، وهناك أغلقوا علينا داخل مدرسة، أخذوا حلانا وأموالنا وبطاقات هويتنا. أعطونا قليل من الأرز العفن والمياه المتسخة. رجال «داعش»، وبينهم أجانب شعرهم طويل، كانوا يهددونا بالقتل إن لم نشهر إسلامنا. أنا من شدّة خوفي، أسلمت، ولكن في قلبي كنت أصلي الصلاة الأيزيدية».
في سجنها هذا، تلد آذار ابنة. تبتسم وتقول «أعطيتها اسماً كردياً يعني: تلك التي هربت». في اليوم السابع من السجن، فُصلت النساء عن الرجال: «أخذوا زوجي وأبنائي الكبار» تقول آذار. النساء أرسلن الى الموصل حيث سجن في مسجد كبير. تتابع آذار: «سألنا عن أزواجنا وأبنائنا، فكان جواب حراسنا بأنهم قتلوهم ودفنوهم بالجرارات. ثم فرزونا من جديد؛ المتزوجات من جهة، والعازبات من جهة أخرى. أعطيت رضيعتي لابنة أخي، ليعتقدوا بأنها متزوجة. ولكن الأمر لم ينطلِ عليهم. فقد جاؤوا بطبيب من تل عفر، للتأكد من ان الفتيات ما زلن عذارى... كان الرجال يأتون بمجموعات لاختيار البنات، كانوا يقولون بأنهم سوف يحتفظون بهن ومن ثم يبيعوهن. رؤساؤهم كانوا أول من حضر للعرض، فاختاروا أجمل البنات. كانت النساء تفرك وجوهها بالفحم لإخفاء جمالها ولا تستحممن، بهدف تنفيرهم بقذراتهن. ولكن كل هذه الحيل لم تنفع. كانوا يختارون حتى بنات لم يبلغن العاشرة من عمرهن».
تحكي آذار وهي تبكي كيف انتزعوا منها ابنتها البكر: «كانت تبكي وهي تتمسك بطرف فستاني... اخذوها بالقوة... البنات اللواتي وقع عليهن الاختيار كن يصرخن، كانوا يجروهن من شعرهن، بعضهن كان يلصقن على جبينهن سلاح سجانهن طالبات منه ان يقتلهن.. واحدة منهن طلبت اذنا بالدخول الى الحمام. وهناك شنقت نفسها بحجابها». بعد أيام قليلة أعيدت مراهقتان الى المبنى السجن: «وصفن لنا ما ارتكبه هؤلاء، قلن انهم وحوش، كن راغبات بالانتحار في أول فرصة مؤاتية».
في ثقافة تعتبر العذرية فيها مسألة مقدسة، ينقضّ الجهاديون على الشابات الأيزيديات. تقول ناشطة شابة من داهوك: «الأمر بسيط جدا. لقد اغتصبوا كل النساء. كان هدفهم القضاء على عذرية كل الفتيات. بل طالوا النساء المتزوجات». وعمل هذه الناشطة هو تسجيل شهادات كل «العبدات» السابقات، وجميعهن مصابات بالصدمة النفسية.
هناك عمل توثيقي طويل لكل جرائم «داعش»، تقوم به عدة منظمات. الحكومة الكردية تعمل على اعتراف محكمة الجزاء الدولية في لاهاي يوما بالإبادة التي تعرض لها الأيزيديون على يد هذا التنظيم. في مجلتها الخاصة، «دابق»، تتباهى «الدولة الاسلامية» بأنها استعبدت سجنائها، اذ تقول: «جنودنا يبيعون الازيديين، كما كان أصحاب الرسول يبيعون الكفار».
بعد الموصل، نقلت آذار الى قرية قريبة من تلعفر، حيث أُسكنت مع رفيقاتها في بيوت هجّر أصحابها، وهم شيعة عراقيون. هناك أيضا، كان الرجال يأتون لخدمة ملذاتهم. «وفي إحدى الليالي»، تقول آذار، «قررنا الهرب. كان الباب مفتوحا، والحرس غائب». هكذا تبدأ عملية الهرب، في حالة من الاضطراب والانفعال الشديدين، برفقة ست نساء واكثر من اثني عشر طفلاً. تصف آذار رحلة الهروب هذه: «في الليل، كنا نمشي، وفي النهار نختبئ في الوديان. صادفنا هناك مخيم لبدو من العرب، كانوا يطلقون الرصاص فوق رؤوسنا. كانوا يصرخون لنا بأن نهرب وإلا أعادونا إلى «داعش». رجونا البدويات إعطاءنا القليل من الماء. اعطتنا المياه وتابعنا هربنا». النساء كن يتناوبن على حمل الأطفال. في اليوم الثالث، وصلن الى الجبل، وحصلن على عناية أولية. ولكن أحد الأطفال كان ينازع الموت، مريضاً ومرهقاً. تمسح آذار دموعها، وتقول: «ما زلنا لا نعلم شيئاً عن عشرين شخصاً من عائلتنا».
أما هناء، فهي تنام في أحد المباني قيد الانشاء، ومفتوح على كل الرياح. وتسكن هذا البناء عشرات من العائلات، في مدينة باتت تستقبل نصف مليون لاجئ عراقي. بعد أيام، سوف تُعاد الأعمال في هذا البناء، وسوف تكون تلك العائلات مضطرة للبحث عن سقف آخر. هناك معسكرات من الخيم انشئت في ضواحي داهوك، ولكنها تستقبل بشكل رئيسي النازحين الذين عاشوا في المدارس، تيسيراً لفتحها مع بدء العام الدراسي. في الملاذ الذي اختارته هناء، ستار من البلاستيك، هو بمثابة جدار، ثم بساط مرمٍ على الأرض، ومدفأة صغيرة تعمل بالكاز تداري برد الليل الجليدي.
هناء عمرها ست عشر سنة. في الأسبوع الماضي، أرادت ان ترمي نفسها من الطابق الأخير للمبنى، لكن عمها وصل في الدقيقة الأخيرة ليثنيها عن الانتحار. بعد هذه المحاولة الفاشلة بساعة، رمت هناء نفسها تحت عجلات سيارة. لكنها أُنقذت أيضا، وانتشلت وهي مغطاة بالدم والوحل. اذ كانت هناء قد علمت لتوها بأن «الدولة الاسلامية» أعدمت أخيها. أحد الجيران التقط صورته عبر الانترنت. «سوف أثأر له»، تقول هناء، وهي ترتدي لباس الحداد الأسود.
وتروي قصتها: «في الثالث من آب الماضي، انبأنا صديق أيزيدي بأن «داعش» يحاصر قريتنا. لم يكن مفيدا بالنسبة لنا ان نهرب الى الجبال. انتظرنا «داعش» ونحن متجمعون على بعضنا مختبئون في بيتنا. أخذوني أنا وأمي مع سجناء آخرين في باص أوصلنا الى تلعفر. هناك وضعونا في مدرسة، تزدحم بالنساء فقط. وضعوا جانبا البنات اللواتي تتراوح أعمارهن بين العشر سنوات والثلاثين سنة. كنت أتوسل اليهم ان يتركوني مع أمي. فكانوا يجيبونني بأنهم سوف يأخذونني الى مكان أفضل. ثم أخذونا بالباص الى الموصل، وأغلقوا علينا في منزل كبير. في اليوم الأول حضر قائدهم مع أربعة رجال. اختاروا أجمل البنات، وحتى امرأة متزوجة تحمل طفلاً معها. البيت كان محاطاً بالحرس. كان من المستحيل الهرب. بعد ذلك، باعونا لقائد آخر. كنت مسجونة في منزل مع خمس بنات. كان الرجال يأتون في الليل لاغتصابنا. ثم علمت بأنهم باعوني لسوري. وعندما قررت الهرب، سرقت هاتفاً خلوياً كان مرمياً في المطبخ، وخرجت راكضة مع رفيقاتي، تسللنا الى الغابة أثناء تناولهم العشاء. أطلقوا علينا النار، ولكننا استمررنا بالركض. لاحقتنا كلاب تائهة، كانت تجذبها رائحة الدم والجثث المتحلّلة في البساتين».
انتهى الأمر بوصولهن إلى الجبال حيث أسعفهن أحد الوجهاء الأيزيديين، ومن هناك انطلقن الى داهوك (...).

"المستقبل"
 

  • شارك الخبر