hit counter script

خاص - ملاك عقيل

عن العام المشؤوم

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تستعد روزنامة 2014 لطيّ آخر أوراقها. ينتهي العام المشؤوم تقريباً كما بدأ، لا بل أبشع بكثير.
لا انتخابات رئاسية حصلت، ولا انتخابات نيابية، ولا شكّلت حكومة جديدة. إستحقاقات دستورية صارت ترفاً، وليس كما يُفترض أن تكون مجرد تداول طبيعي في مسار السلطة. تبدو الأمور حتى هذه اللحظة مفهومة، وربما مبرّرة، وبالإمكان بلعها، بالنظر إلى تعقيدات المشهد الخارجي، واستمرار تداعيات البركان السوري على الداخل اللبناني. لكن ثمّة ملفات تصبح فيها المراوحة أمر قاتل.
قضية المخطوفين العسكريين تأتي على رأس الأولويات. منذ الثاني من آب تاريخ أسر عناصر الجيش وقوى الامن الداخلي، وأسلوب معالجة أحد أدقّ وأخطر الملفات التي تواجه الحكومة اللبنانية منذ عهد الطائف يرقى إلى مستوى التهريج وقلّة المسؤولية والإستخفاف.
خلية الأزمة تحوّلت إلى أزمة بحدّ ذاتها. خلية برؤوس كثيرة، وأفكار متضاربة، وتوجّهات مختلفة. أزمة ترفع اليوم شعارات، و"تهدّ المراجل"، وكأننا في اليوم الأول من الأسر. ومهما كانت أوجه الإخفاقات تبقى نتيجتها واحدة. أربعة عسكريين أُعدموا وذُبحوا، والآتي ربما سيكون أعظم. سيستحيل على أكثر من 23 عسكرياً ( تتضارب الأرقام حول العدد الفعلي لعدد الأسرى والمفقودين أو المعتبرين بمثابة شهداء) أن يعيشوا فرحة العيد مع ذويهم. بدل الدفء المنزلي، يواجهون في الجرد المفتوح على المجهول صقيع الوحدة والتعذيب والترهيب والتهديد بالموت كل ثانية. وبدل أن يشعروا بغمرة الأحبّاء تزنّرهم اللحى الغريبة عن نسيجهم وبيئتهم، وسكاكين الذبح السهل. يتحسّسون أعناقهم في كل لحظة، وربما في سرّهم يسألون، ماذا فعلنا لدولتنا كي تتركنا، أو تسمح بوصولنا إلى فم التنّين؟؟
يلاقي التعساء، الضحايا، المتروكين لقدرهم في جرود عرسال، "مخطوفين" من نوع آخر. هم اللبنانيون أنفسهم الذين، وبشهادة المختبرات العلمية، يأكلون ما لا يجب أن يصل إلى الأفواه والمعدة. فضيحة التلوّث الغذائي توازي اليوم فضيحة أسر جنود لا يملك أحد اليوم جواباً عن السبب الذي جعلهم بين أيدي قاطعي الرؤوس.
الرأي العام في الحالتين يبدو كمن يشاهد فيلماً وينتظر النهاية ليغادر السينما ويعود إلى منزله. في المصيبتين يُفترض بالرأي العام أن يتحرّك. هو الرأي العام نفسه الذي قال عنه يوماً الاديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين بأنه "بغل"!! البغل اليوم جامد، لا يتحرّك. لا يحاسب. لا يرفع "الكارت" الاحمر. لا ينزل إلى الشارع ليحاكم من سرقه، ونهبه، وزجّ بأولاده بين أيدي من لا دين لهم، ومن يُطعِمه طعاماً فاسداً وملوّثاً، ومن لا يرفّ له جفن، فيما الزبالة تزحف تدريجاً حتى المنازل. تواضعت ردود الفعل إلى حد التسليم بأن ما جرى، وما قد يجري، لا يخرج عن المألوف. نعم ثمّة تآلف مع الشواذ.
في المحصّلة، عام آخر يمضي يشبه ما سبقه من أعوام "البَغلَنة". جديده فقط هو انحدارنا المتسارع أكثر نحو الهاوية، وفقداننا حسّ المحاسبة إلى حدّ التخدير الكامل. لا يسعنا سوى الصلاة لمن يقضون ساعاتهم الثقيلة في العراء والصقيع للعودة إلى أحضان ذويهم. ولا بأس إن أخبرناهم لاحقاً أنهم سينتقلون مجدداً، في حال الإفراج عنهم، إلى السجن الكبير. إلى بلد يحكمه أمراء الطوائف، ويهيمن عليه إرهابيو الغذاء، وتحضنه مافيات التمديد والسرقات والتزوير والفساد...

  • شارك الخبر