hit counter script

مقالات مختارة - كلوفيس مقصود

المنطقة العربية والفصل الأخير من إدارة أوباما

الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 06:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يترافق عيد الشكر في الولايات المتحدة، هذا العام، مع أحداث وتطورات محلية، كما مع صدمةٍ، نتجت داخل صناعة القرار الأمني الخارجي الأميركي، أدت إلى مزيد من الارتباك في تعامل إدارة أوباما مع الأزمات القائمة، خصوصاً في الشرق الأوسط. فما حصل في مدينة فرغسون الأميركية، على أثر قرار هيئة المحلفين التي رفضت إدانة رجل الأمن الذي سبق وقتل شاباً من الأميركيين السود، يدل على أن المشكلة العنصرية ما زالت كامنة تحت السطح. والدليل أن تظاهرات الغضب سرعان ما امتدت إلى سائر المدن الأميركية الكبرى، ما استدعى مسارعة الرئيس، أوباما، إلى مخاطبة الأميركيين، داعيّاً إلى الهدوء والانضباط، للحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي، من خلال التظاهر السلمي.
تواكب ذلك مع استقالة وزير الدفاع هيغل، أو بالأحرى إقالته غير المباشرة، بطريقةٍ، كشفت عن عمق الخلافات التي تعصف بصياغة قرار الأمن القومي والدولي لإدارة أوباما. وقد تجلى ذلك في التوتر المتزايد، في الآونة الأخيرة، بين البنتاغون ومساعدي الرئيس لشؤون الأمن القومي في البيت الأبيض. وتحديداً بين مستشارة الرئيس، سوزان رايس، والوزير هيغل، حول إدارة الأزمة في الشرق الأوسط وأولوياته، خصوصاً بالنسبة إلى سورية التي رأى الوزير أن استراتيجية الرئيس لمحاربة داعش يجب أن تشمل النظام السوري، الأمر الذي رفضه البيت الأبيض، والذي أدى إلى الاستقالة – الإقالة.
لكن، أسباب التوتر أبعد من الخلاف حول الأولويات في سورية، فهي تتصل، في منهج الرئيس، بالتعاطي مع الشؤون الخارجية، حيث تميزت كيفية اتخاذ القرار بالتردد والتراجع في القضايا الحساسة في سورية والعراق؛ مما أدى إلى مفاقمة تلك الأزمات، بحيث بدت وكأنها عصية على الحلّ.
فما يحصل اليوم في العراق من مخاض كاد أن يؤدي إلى شروخ عميقة، كان حصيلة تركيبة سياسية، استمرت سنوات بقيادة نوري المالكي الذي حظي باحتضان واشنطن له، لحسابات إقليمية، ما أدى إلى التفسخ في المكونات العراقية، واستبعاد بعضها من المشاركة الفعالة في الحكم، الأمر الذي سهّل اختراق داعش الساحة العراقية، وبالتالي، عودة واشنطن إلى العراق على قاعدة استراتيجية، ما زالت قيد التكامل والتصحيح. إضافة إلى ذلك، هناك عوائق أخرى تهدد خطة المواجهة مع داعش، على رأسها الأزمة السياسية في العراق التي لم تجر معالجتها بعد بالصورة التي تكفل تعزيز التماسك الداخلي المطلوب، لتوفير شروط المواجهة الفعالة التي تضمن، ليس فقط وقف تمدد داعش، بل، أيضاً، طرده من الأراضي العراقية التي احتلها، وطرد أهلها منها. فبدون إقامة المثلث الذي طالما تكرر الحديث عنه، والمؤلف من القوات العراقية والبشمركة والعشائر، لن يكون بمقدور الحملة الجوية الأميركية إنجاز المهمة، كما يقول الأميركيون أنفسهم. يضاف إلى ذلك عائق الفساد في المؤسسة العسكرية، والذي بدأ رئيس الحكومة، حيدر العبادي، بالتصدي له، بإحالة 36 ضابطاً قبل أيام. وكذلك الأمر بالنسبة لسورية، حيث ما زالت سياسة الإدارة يشوبها الغموض الذي يجعلها سجينة اللاحسم في هذا الموضوع الشائك.
"بدون إقامة المثلث الذي طالما تكرر الحديث عنه، والمؤلف من القوات العراقية والبشمركة والعشائر، لن يكون بمقدور الحملة الجوية الأميركية إنجاز المهمة
"
إزاء هذه التعقيدات التي تنطوي على مخاطر تطال المنطقة العربية، يبرز السؤال عن مدى الحضور والدور العربي تجاه هذه التحديات، من ليبيا مروراً باليمن وانتهاء بالعراق وسورية، إضافة إلى لبنان والأردن اللذين يتحملان عبء اللاجئين، الأكبر من إمكاناتهما وقدرتهما على التحمل. صحيح أن هناك مشاركة عربية محدودة في مواجهة الإرهاب في العراق وسورية، كجزء من التحالف الدولي، لكن مثل هذا الدور لا يكفي. فأين الدور المحوري المركزي التاريخي لمصر؟ على الأقل في ليبيا واليمن. هل المعاهدة مع إسرائيل كبّلت مصر، ومنعتها من ممارسة حضورها الفاعل والمصحح في المنطقة، كما كان حالها قبل المعاهدة؟
تواجه إدارة أوباما تعقيدات مستجدة. في السنتين الأخيرتين من الرئاسة، يجري التركيز على الانتخابات القادمة، والرئيس، أوباما، يسعى إلى تركة داخلية مميزة، وبالتحديد، في موضوع الضمان الصحي، ومسألة الهجرة المختلف حولها، والتي أقدم، أخيراً، على معالجتها، وإن بصورة مؤقتة، بقرار تنفيذي، بعد أن تمنع الكونغرس سنوات من البت في هذا الموضوع. وقد لقي ذلك ترحيباً كثيراً، على الرغم من اعتراضات المحافظين. كما قام بخطوات ملموسة في قضية الاحتباس الحراري التي توصل، أخيراً، إلى اتفاق غير مسبوق حولها مع الصين. أما على الصعيد الخارجي، فإنه يراهن على المعركة مع داعش والإرهاب، ولو أن هذه المعركة ما زالت تحت الاختبار.
لعل مناسبة عيد الشكر تستولد شيئاً من العون المشكور لإدارة أوباما التي ما زالت تبحث عن بوصلتها الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بالمنطقة العربية التي تبحث هي، بدورها، عن نفسها.
 

  • شارك الخبر