hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ريمون شاكر

النسبية والمناصفة لا تلتقيان...

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 07:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

لـماذا إضاعة الوقت وإلـهاء وسائل الإعلام وإعطاء الأمل للناس الذين فقدوا كلّ أمل بـهذا الـمجلس النيابـي ولـجانه؟

خـمس سنوات ونصف مرت ولـم يتوصل السادة النواب إلى وضْع نظام إنتخابـي عادل يؤمّن التمثيل الصحيح والـمناصفة الـحقيقية التي حدّدها الدستور. فكيف ستتمكّن اللجنة العشرية من إنـجاز هذا العمل خلال شهر واحد؟ هل صفَت النيات واقتنع الـجميع بأحقية الـمطالبة بتطبيق الـمادة 24 من الدستور وبدأ التفتيش بصدق عن قانون إنتخاب عصري جديد يـحقق أمانـي وتطلعات كل فئات الشعب؟

ليس هناك نظامٌ إنتخابـي يـخلو تـماماً من العيوب ويصلح لكلّ الـمجتمعات فـي كل الـمراحل التاريـخية، وليس هناك نظام إنتخابـي أمثل، وإنـما هناك نظام إنتخابـي أفضل وأكثـر ملاءمة للمجتمع الذي وُضع من أجله. الـمهمّ، فـي أيّ قانون إنتخاب، أن لا تشعر أيّ فئة من مكوّنات الـمجتمع بالغبن، وأن يأتـي تـمثيلها صحيحاً، كما حدّده الدستور.

خبـر اللبنانيون النظامَ الأكثري الـمُستنِد إلى اللوائح الإنتخابية والتي ضمّت خليطاً من الطوائف والـمذاهب، وذلك، بقصد ترسيخ العيش الـمشتـرَك وتـحقيق الإنصهار الوطنــي. لكن، ويا للأسف الشديد، لـم تفرز نتائج الإنتخابات سوى مزيد من التباعد والإنقسام، فتعزّزت الطائفية وتـجذّرت الـمذهبية وازداد الشعور بالغبن لدى الطوائف الـمسيحية بسبب تناقص أعدادها، وعدم قدرتـها على إختيار مـمثليها الـحقيقيين.

إذا كان النظام الأكثري الـمُستند إلى اللوائح الإنتخابية، والذي إعتمده لبنان منذ عقود قد هـمّش فئة كبيـرة من اللبنانيين وفاقم شعور الغبـن لدى الطوائف الـمسيحية... وإذا كان النظام النسبـي الـمُقتـرَح، وفـي غياب الأحزاب الوطنية اللاطائفية، لا يؤمّن الـمناصفة الـحقيقية للتمثيل الطائفي، ولا يُزيل ولا يُعالـج نتائج الـخلـل الديـموغرافـي بين الـمسلمين والـمسيحيين، كذلك التفضيل الذي يتيحه نظام النسبية للناخبين، لن يفيد منه الناخب، بل زعماء لوائح الـمرشحين... وإذا كان «الـمشروع الأرثوذكسي» فـي رأي البعض، يـجعل اللبنانيين أجساماً إنتخابية منفصلة بعضها عن بعض، ويـجعل لبنان فيديرالية طوائف، ويـهدّد العيش الـمشتـرَك، ويؤدّي إلى ما يشبه التقسيم والإنعزال... وإذا كان «الـمشروع الـمختَلَط» فـي رأي البعض الآخر لا يؤمّن التمثيل الصحيح للمسيحيين ولا الـمناصفة الـحقيقية التي حدّدها الدستور. وهو نظام معقّد يصعب أن يفهمه ويتقبله الناخبون، ويعيدنا إلى البوسطات والـمحادل الإنتخابية...

فلماذا لا تـجرّبوا أيها السياسيون والزعماء نظام «الدائرة الفردية»، بـحيث تنتخب كل دائرة نائباً لتمثيلها فـي الـمجلس، على غرار القوانين السائدة فـي أهمّ الديـموقراطيات فـي العالـم، كفرنسا وبريطانيا وكندا والولايات الـمتحدة والـهند... ويُطبّق فـي أكثر من خـمس وستـيـن دولة.

ويُعتبـر من أسهل الأنظمة وأكثرها شفافية. كما يعطي هذا النظام فرصة للمرشحين الـمستقلين لأن يُـنـتخبوا، وهذا أمر مهم فـي ظلّ السعي إلى تطوير أنظمة الأحزاب وإبعادها من الصبغة الطائفية الصرف.

وفـي حقيقة الأمر، إنّ ما يـهمّ الـمواطن جدّياً هو معرفة مَن ينتخب، ويدلـي بصوته بكل إقتناع لـممثله الذي سيكون أكثر فهماً وإدراكاً لواقعه الإجتماعي، ويعبّر عن مطالبه وطموحاته. فإجراء الإنتخابات على أساس الدائرة الفردية، يؤدّي إلى الـمساواة فـي الـحضور بين جناحَي الوطن، ويُتيح لناخبـي الدائرة الفردية إختيار الـممثل الأكثر تعبيراً عن إرادتـهم والأكثر كفاية.

ويعيد هذا النظام التنافس إلى داخل الـجماعة الواحدة ليقلـل العنصرية، وهيمنة الأكثرية فـي الدوائر الكبرى. إنّ الـحلّ الوحيد للمسيحيين، إذا تـخلوا عن أنانياتـهم ومصالـحهم الإنتخابية الآنية، هو مشروع الـ 128 دائرة، بـحيث ينتخب كلّ ناخب النائب الذي يـمثله فـي البرلـمان، وإذا قبل الشريك الـمسلم بتخفيض عدد النواب إلى 108 كما حدّده إتفاق الطائف، يكون مـجموع الدوائر 108، وهذا أفضل للجميع. أما إذا لـم يتحقق هذا الـحل، فلا يوجد عندئذ سوى مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الذي يؤمّن أفضل تـمثيل لكل الطوائف والـمذاهب.

إنّ الديـموقراطية الطائفية التي توافقنا عليها، وكرّسناها فـي الدستور وفـي قوانين الأحوال الشخصية وفـي الـمناصب والإدارات وفـي حياتنا اليومية، لا يـمكن أن نتجاهلها ونلعنها عندما يأتـي الإستحقاق الإنتخابـي أو عندما يبدأ الكلام عن الـمشاريع الإنتخابية.

ويبدأ العلمانيون الـمزيفون يـحدثونك عن روحية الطائف وروحية الدستور وروحية صيغة العيش الـمشتَرَك و»الـحب» الذي يـجمع اللبنانيين... كلّ ما نسمعه من هؤلاء الـمرائين ما هو إلاّ كذب ورياء وابتـزاز وتسلط على الـمسيحيين من أجل أن يبقوا مهمَّشين وخاضعين لبقية الطوائف والـمذاهب، يسترضونـهم ليحصلوا على مقعد نيابـي هنا ومقعد نيابـي هناك. هل هذا هو الطائف يا حضرات الزعماء والقادة؟ وهل هذه هي الـمناصفة التي دعا إليها الطائف؟

وهل هذه هي صيغة العيش الـمشتَرَك التي تدّعون الـمحافظة عليها كلّ يوم؟ وهل هذه هي الـمساواة والعدالة وحقوق الإنسان؟ كيف يتـحقق الـتمثيل الصحيح والـمناصفة الـحقيقية إذا كانت نسبة الـمسيحيين تتضاءل يوماً بعد يوم؟ وكيف يـمكن فـي ظلّ النسبية أو فـي ظلّ الدوائر الوسطى أو الكبرى أن يتمثّل 35 ٪ من الشعب اللبنانـي بـ 50 ٪ من الـمجلس النيابـي؟

يـجب أن يعتـرف الـجميع بأنه لا يـمكن تطبيق الـمادة 24 من الدستور التي تقول إنّ الـتمثيل النيابـي يكون بالتساوي بين الـمسيحيين والـمسلمين، ولا يـمكن تأمين الـمناصفة الـحقيقية للتمثيل الطائفي بوجود خلـل ديـموغرافـي يتزايد يوماً بعد يوم بينهم، إلا باعتماد الدائرة الفردية الـمصغرة فـي الـمدى القريب الـمنظور، أو مشروع «اللقاء الأرثوذكسي». فالصوت الأقلي لا يـمكن أن يصل ويـحقق ما يصبو إليه فـي نظام «نسبـي» أو «مـختَلَط» أو فـي دوائر وسطى أو كبـرى.
 

  • شارك الخبر