hit counter script

أخبار محليّة

الحسيني: الاستقلال بمواجهة التدخل الأجنبي وتحقيق المساواة بين اللبنانيين

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 14:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

القى الرئيس حسين الحسيني كلمة في عشاء "المنتدى القومي العربي"
جاء فيها:
"لكل مناسبة عبارات جاهزة مألوفة وخصوصا إذا كانت عيدا من الأعياد.
ومناسبة الاستقلال لها عبارات جاهزة مألوفة، أسمح لنفسي اليوم بتجاهلها كل التجاهل:
عذري في هذا التجاهل هو أن ما اعتدنا تكراره في هذه المناسبة قد غدا تجاهلا للاستقلال نفسه، بما هو مشكلة لبنانية دائمة، مشكلة لازمت ولادة الكيان اللبناني وما زالت تلازم وجود هذا الكيان إلى هذا اليوم، بعد ما يناهز المئة من الأعوام، عاما بعد عام.

أقول بعد ما يناهز المئة من الأعوام، أي لا بعد 1989 فحسب، أو بعد 1943 فحسب، بل بعد 1920، في الأساس وفي الأصل:
الاستقلال قبل 1920 كان يعني طلب الانفصال.
الاستقلال قبل 1943 كان يعني طلب الاتصال.
والاستقلال بعد 1989 كان يعني طلب هذا وذاك في عين الوقت.

والأسئلة اليوم، بعد ما يناهز المئة من الأعوام، هي:
أين نحن من ذلك الطلب؟
أين نحن من انفصال يكذبه واقع الأمر؟
أين نحن من اتصال تحول دونه التبعية؟
أين نحن من جمع بين هذا وذاك يخالف المنطق الوطني اللبناني، كما يخالف المنطق القومي العربي.

ألا يجب أن تدفعنا هذه الأسئلة الصعبة إلى طرح سؤال أول قد يكون في الإجابة عنه عون في مواجهة الواقع، أو في تصحيح الإرادة أو في إصلاح المنطق؟

السؤال الأول هو: لماذا لبنان، ولماذا يجب أن يكون مستقلا هذا اللبنان؟ ثم ما معنى هذا الاستقلال وما هي حدود هذا الاستقلال؟

ليس لدي نظرية علمية تنص على قوانين تبرر وجود دول طبيعية، وتدين وجود دول مصطنعة.
ولا أظن أن هذه النظرية موجودة أصلا بما هي نظرية علمية.
ما لدي ولديكم يقتصر على نوع من التبصر في تجارب التاريخ، بشيء من الحكمة، وبشيء من الإرادة، وبشيء من مراعاة المصالح المشروعة أو المشتركة.
وليس لدينا، في هذه المناسبة، الوقت الكافي لإعمال هذه العوامل استقراء وتحليلا واستنباطا وتأليفا بين العناصر المتباينة. وهو الأمر الذي يجب أن يكون سعيا دائما في مواجهة الحوادث. كل ما لدي الآن مجموعة من الاقتناعات التي هي وليدة تجاربي في المجال العام طيلة ما يزيد على نصف القرن:

1 - التجربة اللبنانية تجربة إيجابية، من الزاويتين العربية والإنسانية. ولا حاجة إلى الأمثلة على ما قدمه لبنان واللبنانيون من هاتين الزاويتين. والخلاصة اللبنانية في أنظمة الدول هي ما بادر اللبنانيون إلى تسميته باسم الدولة المدنية باعتبارها الدولة المناسبة لا لوجود اللبنانيين فحسب بل لوجود الشعوب العربية كافة. والدليل أو بداية الدليل في هذه المسألة، هو انتشار هذه التسمية في المجال العربي، تسمية لنوع الدولة المطلوبة في هذا المجال. وأساسها تحديد لنوع العلاقة المطلوبة بين الدين والدولة، أعني علاقة الانسجام، لا فصل مرفوض ولا دمج مفروض. فلا إنكار ولا إكراه.

2 - التجربة اللبنانية إنما هي مشروع دولة، مشروع شعب، مشروع وطن. وبهذا الوصف، هي تجربة ناقصة لا اكتمال فيها بعد، وهي تجربة رائدة لا ضمان لها من قبل. لكن ما يدعو إليها ليس ما فيها من وعود فحسب، بل أيضا، ومن قبل، واقع أنها ليس منها بديل، لا دونها في النطاق الطائفي ولا فوقها في المجال العربي أو الإسلامي. والبديل، في أي حال، هو دونها في حساب المصالح، ودونها في حساب القيم. والخطأ في تقويم هذه التجربة إنما هو في اعتبارها منجزة مدفوعة الثمن.

3- التجربة اللبنانية هي التجربة العربية الأقوى دلالة على عدم التعارض بين الرابطة الوطنية وبين الرابطة العربية. والخطأ هنا هو في المنطق الذي حاكم التجربة اللبنانية ونجح في التحكم بتقويمها. فالمنطق الانعزالي الذي استولى على الهوية اللبنانية، في وقت من الأوقات، لأسباب مشروعة أو غير مشروعة، كالمنطق القومي الذي استولى على الانتماء العربي، هو ما يتوجب تجاوزه لا التجربة اللبنانية التي تتوجب متابعتها. وما ثبات ما نص عليه اتفاق الطائف لهذه الجهة، بعد ربع قرن على إعلانه، سوى تجسيد لهذه الحقيقة: إنه وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الانتماء.

4 - الاستقلال اليوم هو أولا في مواجهة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية اللبنانية، بموجب معاهدة يوقعها الأشقاء والأصدقاء، عملا بمبادئ القانون الدولي وبمبادئ الأخوة والصداقة، على أن يكون تطبيق هذه المعاهدة، تحت إشراف مجلس الأمن ورقابته بواسطة جهاز خاص. والاستقلال ثانيا هو في تحقيق المساواة بين اللبنانيين بما هم شعب واحد. فأي استقلال يكون بالتمييز بين اللبنانيين على أساس انتمائهم الديني؟ لقد أوضح اتفاق الطائف ما يجب أن يبذله اللبنانيون ضمانات متبادلة لعيشهم المشترك، بدءا من البرلمان بمجلسين، مجلس نواب يمثل اللبنانيين بما هم في شعب واحد، ومجلس شيوخ يمثلهم بما هم في جماعات دينية، وانتهاء باستقلال القضاء وخضوع المسؤولين والمواطنين جميعا لسيادة القانون.

كثير منا يظن أن هاتين الضمانتين لن تكونا إلا بإرادة خارجية. 

ما أقوله ليس نفيا لهذا الظن بل تأكيد لحقيقة ثابتة في تاريخ الشعوب:
الغلبة في النهاية، مهما يكن دور الإرادة الخارجية، إنما هي لإرادة الشعب.
والشرط الوحيد هنا هو أن يريد اللبنانيون أن يكونوا، رجالا ونساء، المواطنين المتساوين الأحرار: وهذا أمر قد غدا رهن الإرادة.
ولنا في هذا الاتجاه خطوة كبرى في وقت قريب".
 

  • شارك الخبر