hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جهاد الزين

مروان اسكندر في سلاسله: كمْ تُحرِّر السيرةُ الذاتية!

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 07:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

لماذا يتربّع مروان اسكندر على "عرش" التعليق الاقتصادي في الصحافة اللبنانية منذ الثمانينات من القرن الماضي ولا يزال الاول؟ "النهار" جزء مهم وأكيد من الإجابة ولكنْ هناك عناصر أخرى أساسية في الشخص نفسه وفي فراغات الصحف اللبنانية المختلفة الطويلة العمر أو قصيرته أو المتوفاة.

دعوني أسأل السؤال بصيغة مختلفة: كيف سيتمكّن هذا الخبير الاقتصادي الذي لم يحترف الصحافة سوى فترة محدودة، وحتى لو أصدر في فترةٍ نشرةً متخصصة، من أن يكون المعلّق الصحافي الأول في المجال الاقتصادي لهذه المدة الطويلة؟
السؤال بصيغة ثالثة: كيف سيتمكن هذا المعلّق اليميني النزوع والمفاهيم والخبير الاقتصادي المتمرّس، رغم وجود منتقدين شديدين له حتى داخل " اليمين الاقتصادي" اللبناني ناهيك عن اليساريّين الذين يعتبرونه مدافعاً عن مصالح كبار الرأسماليّين اللبنانيّين، كيف سيتمكّن من أن يحتفظ بنسبة قراء عالية لسنوات بل لعقود؟
مرّ على الصحافة اللبنانية بطبيعة الحال كتاب وخبراء اقتصاديون ذوو كفاءة وتأثير. ولكنهم كانوا كتابا موسميّين يطلّون في مراحل او مناسبات ولا يعاملون أنفسهم كصحافيين، مثل الدكتور الياس سابا أو الدكتور شربل نحاس أو البروفسور سمير مقدسي الذي، أي مقدسي، لم يكتب التعليق الصحافي مقالاً أو افتتاحيةً وإنما نشر دراساتٍ في الصحف أو مقتطفات منها. كان يمكن لكفاءة صحافية مثل الدكتور غسان عياش أن يكون معلقا منافسا، وهو كذلك حاليا، لولا أنه لم يأتِ في أواخر تجربته المهنية المصرفية إلى المقال الاقتصادي الذي يكتبه اليوم في "السفير" بينما مروان اسكندر بدأ الكتابة الاقتصادية الصحافية في بداية حياته المهنية وحوّلها بدأبٍ إلى سمة من سمات دوره ونشاطاته كخبير اقتصادي واستثماراته كرجل أعمال. ولا يسعني هنا، لضرورات الدقة، إلا أن أذكر الدكتور كمال حمدان الذي مارس مهنة الصحافة في أول حياته المهنية ثم انسحب بسرعة للتفرغ للدراسات والإطلالة على الإعلام كخبير. أظن كان بإمكان كمال لو احترف التعليق الاقتصادي أن يكون ليس فقط ندّا لمروان اسكندر بل كان بإمكانه أن يحقّق التوازن "الأيديولوجي" معه من زاوية حساسيته اليسارية. فالصحافة السياسية اللبنانية أيا تكن حساسيّاتها الطائفية فيها توازنٌ بين يمين الوسط ويسار الوسط لكن لا توازن في التعليق الاقتصادي بين الاتجاهين بسبب "سيطرة" مروان اسكندر على التعليق الصحافي الاقتصادي من جهة وبسبب غلبة فكر اقتصاد السوق والعولمة من جهةٍ أخرى. أما "المنافس" الآخر المفقود فهو الدكتور مكرم صادر أمين عام جمعية المصارف الذي يملك أسلوباً مميّزا في عرض المسائل الاقتصادية لاسيما المالية ولكنه أيضا زائرٌ موسميٌّ للصحافة عموما وللصحافة الاقتصادية خصوصا. الكاتب الاقتصادي الذي يجب أن يُذكر بقوة في مجال التوازن " الأيديولوجي"، على المستوى العربي وليس فقط اللبناني، بصفته مفكرا سياسيا واقتصاديا علمانيا على اليسار هو الدكتور جورج قرم الذي لم يكن يوما معلقا صحافيا ولو كانت لديه مساهمات مطوّلة في "اللوموند ديبلوماتيك".
لا بد من قراءة كتاب الدكتور مروان اسكندر الجديد عن سيرته الذاتية و "سلاسلها" لكي نجيب على بعض هذه الأسئلة أو على الأقل نفهم بعض التباساتها ونجاحاتها.
يفيدنا الكتاب، من رواية مروان اسكندر، أنه عاش عمليا منذ شبابه في كنف رجال الأعمال والمستثمرين أصحاب الرساميل وبنى بينهم ومعهم ولحسابهم وحسابه إنجازاته كشخص، خبيرا وملاّكاً، كما معهم وعبرهم حقّق مساهماته في الشأن العام.
كيف لا يكون ذلك والشاب الوسيم سيتخرّج من الجامعة ويتزوج ابنة رجل أعمال كبير هو شكري الشماس ويبدأ أول عمل له مع أميل البستاني في شركة "الكات" الشهيرة. البستاني هو أسطورة الاستثمار اللبناني العربي الدولي الذي انتهى في حادث تحطّم طائرته. سيدرس مروان لاحقا في جامعة مهمة في الولايات المتحدة الأميركية هي معهد ماساتشوستس وجامعة أوكسفورد في بريطانيا بعد أن يكون قد تخرج بماجيستير في الاقتصاد من الجامعة الأميركية في بيروت ودرس الحقوق في الجامعة اللبنانية. وكان هذا الصحافي " اليميني" قد نال الماجيستير على أساس أطروحة عن نظام الضمان الاجتماعي في لبنان، وهذه من مفارقات مروان اسكندر الذي سيخوض لاحقا خصوصا أيام الرئيس رفيق الحريري سجالاتٍ شاقة في قلب الخيارات الاجتماعية للدولة ويعود إلى الضمان الاجتماعي عضوا في مجلس إدارته أيام حكومة فؤاد السنيورة التي كانت على مفترق قرارات خطيرة في موضوع الضمان الاجتماعي والصحي. قبل ذلك بأكثر من عقدين سيبلغه بشير الجميّل أنه اختاره ليكون وزير العمل والشؤون الاجتماعية في أول حكومةٍ له وسيسأله مروان لماذا لم يختره وزيرا للاقتصاد فيقول له أنه مختصٌ بالضمان الاجتماعي وهذا أفضل.
يخبرنا طويلا مروان اسكندر كيف واجه صراع البقاء الحياتي خلال الحرب الأهلية لكنه قبل ذلك سيصف، من موقع نشاطاته، الفترة الذهبية من الازدهار اللبناني في الستينات حتى منتصف السبعينات.
الكتاب حافل: نحن هنا أمام رجل يؤسس شركاتٍ ومؤسساتٍ ويكتب دراساتٍ لصالح استثمارات وشركات كبيرة فيحضر دائما زملاؤه في الجامعة الأميركية في بيروت كأساس في علاقاته العامة الغزيرة اللاحقة وأحيانا يروي بعض الحميميات في "البزنس" لكنْ بتحفظ شديد. فالخط الغامر في الكتاب هو امتداحه لمعظم من يعرف خصوصا حين يسمّي الأشخاص بأسمائهم وينتقد مراتٍ قليلة بشدة وغالبا دون تسميةٍ ودائما مع أشخاص يلتقيهم في مسارات العمل الخاص أو العام المتصل بسياسة هذه الدولة أو تلك ولاسيما في لبنان.
سيتحوّل الكتاب في أجزائه الأخيرة إلى مرافعات سياسية مبنية على تقييم اقتصادي من ذلك النسيج الذي ميّز كتابات مروان اسكندر حين لا يكون معنيا بالدفاع عن مشروع محدّد. هذا لا يمنع أن ترد في العرض بعض الأخبار الشخصية حين يختلف بالرأي مع آخرين في اجتماع رسمي أو متعلّق بنشاط خاص.
سأورد بعض "أخبار" مروان اسكندر:
نسيان زوجته السيدة منى خاتم الزواج خلال شهر العسل، وهو الخاتم الثمين جدا طبعا الذي اهدتها إياه والدتُها مدام شماس، وذلك في مقهى في روما كانا يجلسان فيه ثم العثور عليه في المقهى نفسه واحتفال الزوجين بذلك.
صديقه دون ميغاهان أحد مدراء شركة موبل في الولايات المتحدة أخبره في السبعينات من القرن الماضي أن احتياطي النفط في العراق يتجاوز احتياطي المملكة العربية السعودية وأن الشركة تتطلّع إلى القرن الواحد والعشرين "حينما سيصبح العراق البلد الأهم على صعيد تطوير النفط وتصديره" وأنه أي مروان اسكندر لم يقتنع يومها بعكس اليوم.
اعتراضه على قبول مشاركة رجل أعمال سوري، لم يسمِّهِ، في ملكية عشرة بالمائة من أسهم البنك الذي كان عضوا في مجلس إدارته واستقالته من مجلس الإدارة وبيع الأسهم التي يملكها احتجاجا على تمليك رجل الأعمال السوري. ويقول أنه بعد سنتين اتضح أنه على حق لأن هذا الشخص اقترض 10ملايين دولار من البنك لأجل مشروع في ضواحي دمشق فتمنّع عن تسديد القرض مما عرّض البنك لخسائر بلغت 15 مليون دولار.
عند اندلاع "حرب التحرير" التي شنها ميشال عون ضد السوريين عام 1989 ركّز الجيش السوري مدافع له في الملعب الأخضر القائم في الجزء الأسفل من أراضي الجامعة. رفض غازي كنعان مناشدة إدارة الجامعة بسحبها، إنما بعد أن تدخّل السفير الأميركي في سوريا آنذاك إدوار دجرجيان لدى الرئيس حافظ الأسد وذهابه لمقابلته من دون موعد مسبق عاد بعد ساعتين ليخبر إدارة الجامعة أن المدافع ستُسحب. وقد سُحبت فوراً واعتذر غازي كنعان.
تسليم الضباط النروجيّين للصحافي البريطاني روبرت فيسك الفيلم الذي صوّروه وهم من ضمن القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان عندما حلّقت طائرات إسرائيلية من دون طيار فوق معسكرهم كدليل على أن إسرائيل هي التي قصفت المدنيين اللبنانيّين المختبئين في مركز الأمم المتحدة في قانا عام 1996.. وذلك استنكارا للفعل الإسرائيلي في المجزرة.
تأكدُّه من أن مصرفيّاً فرنسيّاً كان رئيس فرع أحد المصارف الفرنسية الكبرى في بيروت هو عضو في المخابرات الفرنسية عندما حصل له على فيزا فورية احتاجها للذهاب إلى فرنسا رغم تجهّم وجه القنصل وهو يعطيها له.
عشاء مع الدكتور أنطوني لايك مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في أواخر صيف عام 2013 في منزل السفير ديريك بلامبلي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان. الخبر هنا هو أن لايك كان عائدا من دمشق بعد لقاءات مع كبار المسؤولين السوريّين.
هذا بعض ما انتقيته من الكتاب.
اعتقدتُ دائماً أن كتابة المذكرات مهمةٌ عن أي شخص صدرت فكيف عن أشخاص لعبوا أدوارا بارزة في هذا المجال أو ذاك. هنا في حالة مروان اسكندر يشغلني النمط المتداخل بين المعلّق الصحافي ورجل الأعمال والخبير الاقتصادي. كم أخبرنا مروان اسكندر بالنتيجة عن مسار حياته؟ أخبرنا الكثير مَهْما حاول، كأي شخص، أن يُخفي. فهذه ميزة السيرة الذاتية بمجرّد كتابتها: كشّافة ومفيدة لأنها تجربة حياة. بهذا المعنى يمكنها أن تكون حرّرته من العديد من سلاسله.
التعليق الاقتصادي مهمة صعبة وجادة جدا. كل تعليق صحافي في أي مجال هو مهمة جادة جدا لمن يرغب أن يكون مقروءاً ومحترما.
ولأنني أتحدث عن تجربة معلّق اقتصادي بارز في لبنان، يجب أن نشير إلى حدثٍ عالمي بارز في هذا المجال عام 2008 رَفَعَ مستوى مهنة التعليق الصحافي بكاملها في العالم، وليس الاقتصادي فقط، عندما فاز المعلّق الاقتصادي في "النيويورك تايمز" المعارض لمؤسّسات "وول سْتريت" بول كروغمان بجائزة نوبل للاقتصاد عن دراساته الاقتصادية الجامعية المعمّقة دون أن يغفل مانحو الجائزة الإشارة إلى دور مقالاته في ترويج مساهماته في علم الاقتصاد.
■ مروان اسكندر: سلاسل الذاكرة وتلاوينها - إصدار M.I. Associates - الطبعة الأولى 2014 - 349 صفحة.
 

  • شارك الخبر