hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

إلى العماد ميشال عون ... بكل احترام

الإثنين ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 08:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

دولة الرئيس،
كما توجهت اليك دائماً بكل حرص واحترام وصدق اسمح لي ان اتوجه اليك اليوم ايضاً وأخاطب فيك العقل والسياسي والانسان والحريص على مصالح البلاد والعباد.
ما يؤسفني ان يجري تحميلك مسؤولية عرقلة انتخابات رئاسة الجمهورية والوصول إلى الفراغ في الموقع المسيحي الاول في الدولة. مع قناعتي ان حصر المشكلة بك وحدك فيه مجافاة للواقع والحقيقة كون الأزمة في لبنان اكبر من اشخاص وطوائف وهي أزمة حكم ونظام وكيان، لها تشعبات وامتدادات اقليمية ودولية.
وكذلك يحز في نفسي القول ان عدم اجراء الانتخابات الرئاسية سببه الخلاف المسيحي- المسيحي وهذا كلام فيه شيئاً من الحق لكن يراد به باطل، كون ذلك ليس السبب الرئيسي والاساسي في الاطاحة بفرصة انتخاب رئيس الجمهورية، بل ان الكلام الأدق والأصح هو ان الصراع " السنيّ – الشيعي " في لبنان ببعده الاقليمي السعودي – الايراني هو المسؤول الأول والفعلي عن الفراغ في سدة الرئاسة الاولى والى عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وان الاتفاق المسيحي ليس كافياً وحده للخروج من حال الفراغ ولفك أسر الانتخابات الرئاسية.
من هنا وخارج عن المزايدات التي نسمعها يومياً فان اي مراقب لتطورات المنطقة يعرف جيداً ان عدم اجراء الانتخابات الرئاسية ومن بعدها النيابية في مواعيدها الصحيحة سببه ان لبنان يمر بأخطر ظرف سياسي على الاطلاق، والبلاد تعيش في ظل أدنى استقرار أمني، والمنطقة تمر بأقصى توتر مذهبي، اضافة الى كون لبنان ليس موجوداً على سلم الألويات الاقليمية والدولية انتظاراً لما سيؤول إليه التفاهم "الايراني– السعودي" وما سينتج عن مفاوضات الاميركيين والغرب مع ايران حول برنامجها النووي.
دولة الرئيس،
لكن وبالرغم من كل هذه الاسباب الاساسية والجوهرية التي ذكرناها فان ذلك لا يعفينا كلبنانيين عموماً من مسؤولية ما وصلنا اليه من وضع سياسي وامني خطير ودقيق وذلك بسبب ارتباط بعض القوى السياسية اللبنانية الاساسية بمحاور خارجية واقليمية مما ربط مصيرنا واستحقاقاتنا كلبنانيين بما ستؤول اليه نتائج الحرب والنزاعات في المنطقة، كما انه لا يعفي بعض السياسيين المسيحيين الموارنة تحديدآ من مسؤولية وصول الدور المسيحي داخل الدولة والادارات والمؤسسات الى ما وصل اليه من وضع بائس بسبب انقساماتهم وخلافاتهم المزمنة وصراعهم على السلطة واصطفافتهم السياسية والتي حولتهم واقولها بكل اسف الى "مسيحيين سنة ومسيحيين شيعة" بدلاً من ان يكونوا جسر تواصل وتفاهم وهمزة وصل بين السنة والشيعة.
دولة الرئيس،
اتوجه اليك لأن مسؤوليتك كبيرة في هذا الظرف المصيري والدقيق والذي يتحدد فيه مصير الموقع المسيحي الاول في لبنان كونك رئيس اكبر كتلة نيابية مسيحية في البرلمان ولا يمكن لأحد ان ينكر عليك تمثيلك المسيحي الواسع ومكانتك المسيحية المتقدمة ومشروعية طموحك الرئاسي وأحقيتك كما آخرين في تبوء المركز المسيحي الأول في الدولة... وأخال ان جميع السياسيين حلفاء وخصوماً يعترفون، ان لك حيثية وطنية وسياسية وشعبية تخولك لأن تكون رئيساً للجمهورية، ونحن نؤيد انتخابك رئيساً للجمهورية إذا كان ممكناً ومتاحاً... ولكن هل الامر ممكن ومتاح؟
بالوقائع وبموضوعية اقول لقد طرحت نفسك مشروع "رئيس وفاقي" واشترطت لترشحك لمنصب الرئاسة كما اعلنت مراراً وتكراراً حصولك على "الصوت السنيّ" وذلك من اجل ميثاقية انتخابك. وقد قمت من اجل ذلك بجهود مركزة ومساعي حثيثة مع الرئيس سعد الحريري كونه يمثل مع تياره السياسي في هذه المرحلة وحتى اشعار آخر الاكثرية النيابية والشعبية السنية في لبنان وكانت لك اتصالات ولقاءات معه منها المباشرة ومنها عبر مقربين ولم يكتب لها نهاية سعيدة مما جعل حظوظ انتخابك "رئيساً وفاقياً" تصبح شبه معدومة، وفي هذه الحال لم يعد مهماً معرفة السبب الذي حال دون نجاح هذه الاتصالات ودون حصولك على تأييد سعد الحريري وكتلته النيابية، وماذا إذا كان الأمر يتعلق بفيتو خارجي سعودي أو بفيتو داخلي مسيحي من حلفاء الحريري الاساسيين وتحديداً " الكتائب والقوات اللبنانية "... لكن المهم هي النتيجة التي وصلنا اليها وهي ان الكتلة النيابية والشعبية السنية الاكبر في البلاد لم تؤيد انتخابك رئيساً وهذا يخرجك من سباق الاسماء الوفاقية ليجعلك مرشح طرف وفريق.
دولة الرئيس،
ان البقاء في هذا الوضع من المراوحة والانتظار لم يعد جائزاً خصوصاً بعدما ثبت بالتجربة والدليل الحسيّ على مدى ستة اشهر ان أياً من فريقي ( 8 أو 14 آذار ) قادراً على إيصال مرشح إلى سدة رئاسة الجمهورية طالما ان المعركة هي "معركة نصاب" قبل ان تكون " معركة أصوات"... من هنا فان لعبة الوقت لم تعد في مصلحة المسيحيين والوطن، لانه لا يجوز تحت أي شعار اطالة أمد الفراغ الرئاسي انتظاراً لظروف ومتغيرات لا يمكن لأحد ان يعرف كم ستستغرق من وقت تفرض انتخاب رئيس وتبدّل الخيارات والقناعات.
دولة الرئيس،
ان معركة رئاسة الجمهورية تحكمها اعتبارات كثيرة وتتداخل فيها التوازنات الداخلية مع المصالح الاقليمية والدولية. وان المسألة ليست مسألة أحقية بالرئاسة او مسألة من هو "الأقوى مسيحياً"، وانما المسألة الاساسية تصبح هنا في القدرة على الوصول الى هذا الموقع وتأمين الاكثرية النيابية المطلوبة لتحقيق ذلك ديمقراطياً. فلطالما كان هناك زعماء مسيحيون كباراً في تاريخ لبنان حق لهم ان يكونوا رؤساء للجمهورية ولكن لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، وبالرغم من ذلك لم يشكل ذلك انتقاصاً من قيمتهم وزعامتهم الوطنية.
من هنا اتوجه اليك لاقول لك بانه حان الأوان لكسر هذه الحلقة المفرغة واتخاذ قرار الدخول في التسوية السياسية والموافقة على معادلة انتخاب "رئيس وفاقي" يكون مقبولاً من اغلبية القوى والتيارات السياسية كون هذه المعادلة تفرض نفسها وتعكس الواقع السياسي وتوازناته الدقيقة. كون "المرشح الطرف" المستند الى شارعه وأصوات مؤيديه وحلفائه فقط مهما بلغ حجمهم وعددهم، فان قوته تسقط بمجرد وصوله إلى رئاسة الجمهورية هذا إذا كان وصوله ممكناً ومتاحاً. لانه سيكون رئيساً عاجزاً عن الامساك بزمام القرار والمبادرة والحكم كونه طرف وفريق ولا يمكنه بالتالي ان يحكم كونه منطلقاً من واقع ان نصف المسيحيين و نصف المسلمين من الفريقين سيكونون ضده منذ اليوم الاول لتسلمه مهام الرئاسة.
دولة الرئيس،
اذا كانت معادلة انتخابك رئيس وفاقي غير متوفرة فهناك معادلة اخرى المح إليها الرئيس نبيه بري وهي ان لا رئيساً وفاقياً بمعزل عن العماد ميشال عون ومن دون الاتفاق معه. من هنا فاذا كان من المتعذر وصولك إلى سدة رئاسة الجمهورية كمرشح وفاقي فانه من المتعذر ايضاً وصول اي رئيس وفاقي إذا لم يكن يحظى بتأييدك كونك احد سياسيي الصف الاول في البلاد ولك الرأي الوازن في هذا الاستحقاق... وهذا يحافظ على موقعك ودورك كمرجعية اساسية في البلاد.
دولة الرئيس،
في الختام وانطلاقاً من كل ما تقدم ادعوك بكل احترام ومحبة إلى أخذ القرار الجريء اليوم قبل الغد والعمل مع المخلصين من اجل الوصول الى تسوية تأتي بالرئيس الوفاقي... وليكن لك امتياز المشاركة في إيصال رئيس جديد ولتكن التسويات والحلول لمرة معك وليس على حسابك كما جرى في العام 1990 و 2005، ولتكن يا دولة الرئيس "صانع الرئيس" وليس "مكبل الرئاسة"...
 

  • شارك الخبر