hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - فراس أبو مصلح

المصارف أكبر من أن تُحسن التصرف!

الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 08:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

اتفق المصرفيون العرب على توصيف الواقع الاقتصادي العربي بالكارثي، وأبدوا في الوقت نفسه إصرارهم على السير في «الدرب الصحيح» نفسه، أي درب «الانخراط في العولمة المالية»، حيث تتحكم حفنة من المؤسسات المالية في أكثر من نصف الرساميل في العالم، وبأصول تفوق أصول الاقتصادات الوطنية

 

«نسيت المصارف العمل المصرفي، وهو الوساطة» بين المدخر وطالب التمويل، فأهملت إقراض قطاعات الاقتصاد الحقيقي التي «وحدها تخلق الوظائف»، مفضلة المخاطرة بالاتجار (أو المضاربة) بالسندات والعملات والبضائع، وسيطرت عليها «ثقافة النمو من أجل النمو والجشع»، فجنت الأموال «بطريقة أغضبت الناس»، وباتت ترى أنها «أكبر من أن تُحسن التصرف»! لم يأت هذا الكلام على لسان أحد «اليساريين»، بل على لسان نائب مدير في المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في واشنطن، سركيس يوغورادجيان، في المؤتمر المصرفي العربي السنوي المنعقد يوم أمس، بعنوان «أي اقتصاد عربي ينتظرنا».

لو أرادت المصارف العربية، ومنها اللبنانية، أن تثبت كلام يوغورادجيان حول صلف المصارف، لما أبلت أفضل مما فعلت في افتتاح مؤتمرها الذي استهلته بنشيد لاتحاد المصارف تميز بموسيقى ملحمية ضخمة ملؤها قرع الطبول، تلاه فيلم «وثائقي» ذو خلفية موسيقية لا تقل فخامة، فاخر بـ«المظلة» التي أمنها الاتحاد للمصارف خلال «الثورات العربية»، كما بالتنسيق مع السلطات والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا (وأُعيد النشيد و»الوثائقي» في الجلسة الأولى للمؤتمر)!
«نحن سائرون كمصارف وكقطاع على الدرب الصحيح، نستمد قوتنا من ثقة مودعينا، ومن التزامنا المعايير الدولية، وفي مقدمها مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (بحسب التعريف الأميركي) والتزام العقوبات الدولية على بعض دول المنطقة (سوريا وإيران)»، قال رئيس جمعية مصارف لبنان فرانسوا باسيل!

تصر المصارف العربية على الاستمرار بما تراه «الدرب الصحيح»
يقول الأخير إنه «ليس مقبولا أن نكتفي بمعدلات نمو متواضعة يقدرها صندوق النقد الدولي بما بين 1,8% و2,5% للبنان، وبما بين 2,6% و 3,8% لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعامي 2014 و 2015. فهذا المستوى من النمو ليس كافيا لاستيعاب القوى العاملة الشابة المتدفقة الى أسواق العمل العربية. ثم إن هذا النمو، على ضعفه، ينطوي أيضا على تفاوت كبير بحسب المناطق والشرائح، وعلى سوء توزيع للدخل يفاقم الأوضاع الاجتماعية، ويهدد بعض الأنظمة بفقدان شرعيتها كما يفقد بعضها الآخر المداخيل الكافية فتلجأ الى المزيد من الاستدانة». مخطئ من يرى أن ما تقدم مدعاة لإعادة النظر بسياسة القطاع الذي يعادل حجمه «حوالى 105% من حجم الاقتصاد العربي»، بحسب رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية محمد بركات، فباسيل «يحمد الله» لأن «الأجواء غير الصحية داخليا وإقليميا لا تؤثر كثيرا على نشاط (المصارف)»، طالما هي تحوز رضى أصحاب الرساميل والسيد الأميركي!
تصر المصارف العربية إذاً على الاستمرار في ما تراه «الدرب الصحيح»، غير مكترثة بتردي الوضع الاقتصادي العربي بشكل «غير مسبوق في التاريخ الحديث»، على حد تعبير محافظ البنك المركزي الأردني زياد الفريز، الذي تحدث عن تحول الاقتصادات العربية غير النفطية إلى «اقتصادات بدائية» بالكاد توفر الاحتياجات الأساسية، وتعتمد على المساعدات الخارجية والاستدانة، فترتفع مديونيتها دون تحقيق تقدم يذكر في بناء قاعدة اقتصادية حقيقية تؤدي إلى نمو مستدام. والسبب الرئيس لتردي الحال بحسب الفريز، بعد «الثورات» والتدمير الممنهج، هو اعتماد الاقتصادات هذه على الريع، ربطاً بالاقتصادات العربية التي تعتمد بدورها على النفط كمصدر أساسي للدخل، فيكون وضعها المالي رهن الاستقرار الأمني وسعر برميل النفط.
من جهته، حدد كبير الاقتصاديين في الإسكوا، عبد الله الدردري، مكمن الخلل بـ»فجوة التمويل» ومنظومته، مشيراً إلى أن إجمالي التحويلات المالية (تحويلات عاملين وتوظيفات) من المنطقة العربية إلى الخارج يبلغ 74 مليار دولار في السنة، أي ما «يفوق 130% من ما تحتاجه المنطقة لتخفيض البطالة للنصف في غضون 5 سنوات»! ليست المشكلة في توفر الموارد إذاً، بل في الوجهة التي تختارها المؤسسات المالية لتوظيفاتها.
يحذر الدردري من أن إبقاء الوضع على ما كان عليه قبل الانتفاضات العربية من شأنه أن «يعيد إنتاج الانفجار»، ويرى أنه «لا يمكن بناء اقتصاد متنوع غير قائم على تخفيض الرواتب والأجور» بغير «تكامل إقليمي» هو وحده القادر، بحسب الدردري، على التصدي لمسائل «فجوة التمويل» وإعادة الإعمار وخفض البطالة: التكامل ليس فكرة رومانسية، ولا إمكانية للتعاطي مع قضايا الإقليم إلا بنظرة شاملة ومنسقة، يقول الدردري.إن كان هناك من نية لدى المصارف العربية لتغيير وجهة توظيفاتها، فهي مبنية على الاستفادة القصوى من «مرحلة إعادة الإعمار بعد سكوت المدافع وأفول موجات القتل والتدمير»، بحسب رئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه، الذي تحدث عن «عقد الشراكات الاستراتيجية بين المصارف، وبين القطاعين العام والخاص، وخلق التجمعات العملاقة، وتشجيع الاستثمار العابر للحدود بين الدول العربية، بما يساعد على تحفيز النمو وايجاد فرص عمل جديدة تستوعب موجات البطالة الكبرى الناتجة عن تدمير المؤسسات والتهجير والنزوح السكاني». فهل هناك ما يبعث على الأمل بأن تكون تجارب «إعادة الإعمار» مغايرة لما شهدناه في لبنان والعراق؟

اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في مؤتمر اتحاد المصارف العربية، انه قرر إطلاق رزمته الثالثة لعام 2015، التي تقضي بإقراض المصارف مليار دولار أميركي (من المال العام) بفائدة 1% (فقط). هذا يعني ان مصرف لبنان سيأخذ من المصارف فائدة بقيمة 10 ملايين دولار، فيما المصارف ستأخذ من المقترضين (اسر وشركات) فوائد بقيمة تراوح ما بين 40 و50 مليون دولار، وبذلك تحقق ربحا مضمونا يراوح ما بين 30 و40 مليون دولار في السنة، تضاف الى الارباح الصافية السنوية التي تصل الى نحو ملياري دولار. ليس هذا فحسب، بل ان دعم مصرف لبنان لقروض المصارف لا يقتصر فقط على دعم مباشر لارباحها، بل يتجاوز ذلك أيضا الى دعم ارباح المضاربات العقارية والتجّار، من خلال ضخ مبالغ كبيرة لتمويل الاستهلاك وشراء المساكن وبالتالي منع تراجع الاسعار.المفارقة ان حاكم مصرف لبنان نفسه اقرّ في الخطاب نفسه بان القروض الاستهلاكية أصبحت تمثل 28% من محفظة المصارف الائتمانية، وأصبح تسديدها يكلّف الأسرة اللبنانية 50% من دخلها.
 

  • شارك الخبر