hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - سيف الدين عبد الفتاح

"كما كنت".. بل "خطوات للخلف"

الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 07:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يبدو أننا، بعد كل فترة، سنجدد فتح ملف "العلاقات المدنية العسكرية"، ليس فقط لأهميته في صياغة مستقبل مصر السياسي والمجتمعي والمدني، ولكن، بما يستجد فيه من إشكالات خاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر، في الثالث من يوليو/تموز 2013، هذا الملف بما يحمله من إشكالات يصطحب معه ملفات الدولة العميقة والثورة المضادة، وتحالفات المصالح وشبكات الفساد ومؤسسات الاستبداد، والعلاقة بين المجتمع والدولة.
حينما كنت مجنداً في الجيش، استمعت إلى كلمات لم تكن في الحياة المدنية، ولا يتداولها عموم الناس من مثل "كما كنت"، والأمر بالحركة إلى الخلف خطوة أو خطوات، واليوم، أتأمل هذه الكلمات، بصدد ما استجد في ملف العلاقات المدنية العسكرية، خصوصاً بعد الثورة المصرية، وبعد الانقلاب العسكري على وجه أخص، أتأمل هذه الكلمات التي تحولت إلى سياسات لمؤسسة عسكرية وخطط للحكم والتحكم.
ترى بعض مؤسسات القوة، ومنها المؤسسة العسكرية، أن الثورة أدت إلى انفراط عقد الدولة، وهو ما يهدد بتفكيكها، وينال من هيبتها، على الأقل، كان هذا هو المعلن، والذي لم يكن إلا غطاء لتوازنات ومصالح، وتكوينات نشأت مع طول فترة حسني مبارك المخلوع في الحكم، مدة قاربت الثلاثين عاماً أو تزيد، ومصالح تراكمت، جعلت أي حركة إصلاح، أو تغيير جذري، بمثابة اهتزاز، وربما نسف، استقرار معادلة القوة والمصالح.
تقوم هذه المعادلة على تطويع الشعب وتغييبه ما أمكن ذلك. ولذلك، تكمن الخطة في تجنب أي مستوى من التغيير، قد ينال من مصالح ومكتسبات، وربما يهدد تحالفات، وكانت ثورة يناير بمثابة حركة مطلبية، طالبت بتغيير في معادلة القوة، ومن ثم هددت تلك المصالح. الشعب بخير إن سار على ما جرى عليه العمل، والتوازن المفروض المقبول ضمن هندسة للإذعان والموافقة وصناعة الرضا الكاذب، ومن هنا، تواضعت مطالب التغيير، واستعاض النظام، كل مرة، بقشور زائفة من التغيير، تسرق التغيير الحقيقي والجذري وتصادره، مثل تغيير وزراء أو حكومة ضمن الحد الأدنى الذي لا يمس جوهر استقرار معادلة التحالفات والقوى والمصالح.
ما يطلق عليه في علم السياسة "العلاقات المدنية العسكرية" يشير إلى العلاقات بين المجتمع المدني ككل والمؤسسة العسكرية، وتنطلق من قاعدة ثابتة أن سيطرة المدنيين على العسكريين أفضل في كل الأحوال من سيطرة العسكريين على الدولة، وأن "الاحتراف العسكري Professionalism" والمحافظة على الدور أساسي للجيش، في حماية الحدود والوجود، وإلا تحول النظام السياسي إلى نظام عسكري، لا تحكمه سوى الفوضى العارمة والقوة الغاشمة وسياسات أمنية وقمعية ظالمة!
"
استعاض النظام، كل مرة، بقشور زائفة من التغيير
"
من الموضوعات ذات الأهمية، بعد ثورة يناير، موضوع معالجة العلاقات المدنية العسكرية في مرحلة ما بعد إسقاط النظام القديم. فنظراً إلى طبيعة المنطقة العربية الجيواسترتيجية واستهدافها من الصهيونية وحلفائها الغربيين، فضلاً عن ضعف النخب السياسية المحلية، وشخصنة الحياة السياسية والحزبية، فقد شهدت مصر عمليات تسييسٍ للمؤسسة العسكرية، انتهت إلى تحكم هذه المؤسسة في مقاليد الأمور، بشكل مباشر أو غير مباشر، منذ الاستقلال. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي؛ ظهرت إشكالية جديدة، قوامها: كيف يمكن معالجة موقع المؤسسة العسكرية في النظام الديمقراطي المنشود، في ظل تعاظم دورها، ومعها المؤسسات الأمنية والمخابراتية الأخرى، من دون تعريض البلاد إلى خطر التقسيم في الداخل، أو الاستهداف من الخارج؟ على ما يعبر أحد أساتذة العلوم السياسية المرموقين.
لم يستطع نظام 3 يوليو الانقلابي تحقيق الاستقرار الذي كان يأمله عند إطاحة الرئيس المنتخب، ولا توطيد شرعيته في وعي عموم المصريين؛ ولا استطاع كسب تأييد دولي ملموس، لكنه سعى إلى استعادة الوضع الراهن السابق "كما كنت". إن أشواق ثورة يناير وهتافات صدرت "يسقط.. يسقط حكم العسكر"، وعلينا أن نتنبه إلى أن الذين هتفوا السقوط للعسكر ما أرادوا أن يحكموا أو يتحكموا، لأن ذلك ليس فقط من شأنهم، وإنما ليس في إمكانهم ولا هو من أدوارهم.
علينا بعد هذا الرصد، أن نصل إلى سؤال يفرض نفسه في هذا المقام: هل يعد حكم العسكر حتمياً فى هذا السياق؟ وماذا عن الحكم المدني والحياة المدنية؟ هل لابد أن يحكم العسكر ويتحكمون، حتى يحاربوا الإرهاب؟ هل نقنَع بوجود العسكر، وتمكُّن جنرالاتهم بالحصانات الدستورية، واحتكار القوة والسلطة، وربما الثروة؟ وماذا عن الثورة وأهدافها والشعب وطموحاته، ثورة يناير التي فتحت الباب لتقديم إجابات غير المعهود، أو قاومت التوازن المفروض الذي مع الثورة صار مرفوضاً.
حاول الانقلاب، في حقيقته، أن ينسخ ثورة يناير، قولاً وعملاً، أهدافاً ومكتسبات، وحاول أن يقول "كما كنت"، ولكن لابد للجميع أن يفهم أن المعادلة لن تعود كما كانت. ونحن، هنا، بكل صراحة وشفافية، نفرق بين الجيش وجنرالاته الذين أصبحت لهم حساباتهم السياسية. السياسة ليست للعسكر، صحيح أنه ليس هناك مجتمع أو دولة يمكن أن تبنى من دون مؤسسة عسكرية، ولكن، لا يمكن القبول بمؤسسة عسكرية بقياداتها أن تكون دولة فوق الدولة، وتجعل من مصالحها المتحكم في المسار، وتفصيل بقية المؤسسات على مقاس العسكر، حينما يحكمون، أو يتحكمون.
إنهم لن يديروا أي تغيير، ولن نسمع منهم إلا "كما كنت"، بعد ثورة صنعت الأمل في بناء مستقبل جديد لوطن جديد وبنخبة جديدة. سيفعلون ذلك وأكثر، حينما لا يكتفون بـ"كما كنت"، بل سيطالبوننا بخطواتٍ، وربما فراسخ للخلف، الأمر لا يمكن أن يمر على هذا النحو، لأن الشعوب صارت ضمن معادلة جديدة، ولا يمكن إيقاف هذه المعادلة انتقائياً، حينما نرغب، ونوظفها حينما نرغب. الشعوب لا يزال لها قول آخر.
 

  • شارك الخبر