hit counter script

مقالات مختارة - رضوان مرتضى

الانشقاق الأول في «هيئة العلماء»: هل تستعيد دورها؟

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 07:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

ثلاث سنوات ونيّف مرّت على تأسيس «هيئة علماء المسلمين». مع بدء الأحداث السورية، انطلقت الاجتماعات التأسيسية قبل أن تُبصر النور في بداية 2012. وخلال أشهر، تمكنت من أداء دور رئيسي في كثير من الأحداث التي شهدها لبنان. يوم أمس، سُجّل أول «انشقاق» عنها

 

لا يختلف اثنان من أفراد «هيئة علماء المسلمين» على أنّ الأحداث في سوريا جمعت كلمتهم. وَحدة الموقف إزاء النظام السوري خلقت إطاراً موحّداً لمشايخ قادمين من مشارب مختلفة. كان يبحث هؤلاء عن تجمّع يُوحّد صفّهم، فكانت «هيئة علماء المسلمين». حلمٌ راود كل تجمّعٍ منهم حتى أبصرت النور في شهر أيار عام 2012، بعد سلسلة اجتماعات انطلقت منذ شباط 2011. لم تكن الفكرة وليدة صدفة، بل أدى الشيخان حسن قاطرجي وسالم الرافعي الدور الأبرز في بلورتها. كذلك كان الشيخ المستقيل من رئاستها أمس، مالك جديدة، أحد صنّاع هذه الهيئة، بحسب الشيخ السلفي عدنان أُمامة.

وباتت تتألف هيكليتها من رئيس يُنتخب دورياً، ومكتب إداري عدد أعضائه بين 12 و15 عضواً ومجلس شورى يضم 60 شيخاً. إضافة إلى مكاتب إقليمية في كل محافظة. وبسبب الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة، لم تكد تمر أشهر على ولادتها حتى تمكنت بسرعة قياسية من حجز مكانها على الساحة اللبنانية. حضور أعضائها ونشاطهم، ولا سيما الجيل الشاب من المشايخ، برز طاغياً على حساب دار الإفتاء التي كانت تمزّقها الخلافات بين المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني، وتيار المستقبل. وزجّت الهيئة نفسها في ملفات كبيرة، فتمكنت سريعاً من خلق «عصب منظّم» في الشارع، كان قد ضاع لفترة بلا إطار تنظيمي، وبات وحده قادراً على التحرّك والتنسيق بين البقاع والشمال والجنوب في سرعة قياسية. أمام كل ذلك، وُضعت «هيئة علماء المسلمين» تحت المجهر وانقسم اللبنانيون حيالها، فاعتبرها البعض رأس حربة المشروع الفتنوي، فيما رأى آخرون أنّها الإطفائي الذي سحب فتيل التفجير عشرات المرّات. حُمّلت المسؤولية عن كثير من الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان واتُّهمت، وغالباً من دون دليل، بأنّها المحرّض الخفي الذي يؤدي دور المفاوض والوسيط في معركة مذهبية.

حُمّل أعضاؤها اتهامات بالعمالة للأجهزة الأمنية والخروج عن الملّة

لكن سرعان ما بهت بريق الهيئة. وخفت صوتها إلى حدٍّ بات بالكاد مسموعاً. حُمّل أعضاؤها اتهامات بالعمالة للأجهزة الأمنية واتُّهموا بالخروج من الملّة أحياناً، فبات بعضهم مهدداً بالقتل. تقرُّب الصف الأول في الهيئة من ضبّاط في استخبارات وقيادة الجيش، وضعهم موضع الشبهة. انفضّ كُثرٌ من حولهم، لاتهامهم بأنهم باتوا من مشايخ السلاطين. فُقدت الثقة بين المشايخ وحملة الفكر الجهادي، فتراجع تأثيرهم إلى حدّ كبير.
يوم أمس، خرج الشيخ مالك جديدة، رئيس الهيئة الدوري المستقيل والمقال في آن معاً، ببيانٍ ناري. حمل على الهيئة واتّهمها بالفساد، داعياً إلى خلق إطار جديد قوامه «كبار العلماء». ما هو حجم تأثير استقالة رئيس الهيئة الحالي الشيخ جديدة؟ هل انفرط عقد الهيئة؟
سطع نجم «هيئة علماء المسلمين» لأوّل مرة في حادثة مخطوفي أعزاز. يؤرخ المشايخ لهذه الحادثة، باعتبارها أسهمت في أول إنجازات الهيئة. أين نجحت الهيئة أيضاً؟ يُجيب الشيخ عدنان أُمامة قائلاً: «في أحداث عبرا استطعنا تقليص الأضرار. وفي أحداث طرابلس، سحبنا فتيل التفجير. أما في أحداث عرسال، فمنعنا حدوث مجازر». يعتبر أُمامة أن «وجود الهيئة تنظيمياً حدّ من ظلم اللاجئين السوريين ودفع الأجهزة الأمنية إلى التفكير ملياً وحسب الخُطى قبل الإتيان بها». وفي المسار نفسه، يتّفق مشايخ من قادة الصف الأول مع أُمامة. يُدوّن هؤلاء في سجل الهيئة أنّها حقّقت إنجازاً بتحريرها ثلاثة عشر عسكرياً كانوا أسرى لدى «جبهة النصرة».
يلفت أُمامة إلى أن الهيئة صمدت أمام ضربات كادت تودي بها، فيعتبر أن حادثة عرسال التي تعرض فيها وفد الهيئة لإطلاق نار أُصيب فيه أعضاؤه كانت قطوعاً خطراً. ألا يُعدّ توقيف الشيخ عمر الأطرش، المُتّهم بأنّه ناقل الانتحاريين إلى الضاحية الجنوبية، وهو أحد أعضاء الهيئة الناشطين، ضربة قوية للهيئة؟ يُجيب الشيخ أُمامة الذي كان رئيس الهيئة حينها بالقول: «في كل جسم تنظيمي عناصر غير منضبطة... كنا ندافع عن الشيخ عمر إلى أن لمسنا شُبهة عن احتمال تورطه، فالتزمنا الصمت».
أكثر الضربات التي تلقتها الهيئة، كانت غياب إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي عن الساحة. نأى الأخير بنفسه بعد خسارته طفله الأصغر بعد معاناته مع مرض عضال، وإثر إصابة صديقه جلال كلش في عرسال إصابة أقعدته عن الحركة. اعتزل الرافعي الساحة لأشهر قبل أن يُعاد انتخابه أمس رئيساً دورياً للأشهر الستة المقبلة من عمر الهيئة. اليوم، يقلل المشايخ من وقع استقالة الشيخ جديدة. يرون أن القشة التي قصمت الظهر كانت انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً للجمهورية. وتشرح المصادر أن جديدة كان يرغب في أن تكون الهيئة خلف الشيخ دريان، علماً بأن مرشّح الهيئة كان الشيخ أحمد درويش الكردي. وبعد لمس ضعف حظوظ الكردي، ارتأى بعض المشايخ، من بينهم جديدة، المضي بدريان مرشّحاً. لم يوافق معظم أعضاء الهيئة. وهنا وقع الخلاف. تنقل المصادر أن الشيخ جديدة غضب وأصدر بياناً خاصاً من دون الرجوع إلى الهيئة يعتبر فيه القرار مسيّساً. إزاء ذلك، أصدروا قراراً حظروا عليه المشاركة في أي مهرجان أو إصدار أي موقف من دون العودة إليهم. فاقم ذلك من شحن النفوس، ولا سيما أن تياراً في الهيئة بات غير مقتنع بحسن إدارة جديدة. اعتكف رئيس الهيئة التي باتت معطّلة. إزاء ذلك، كان الطرح العودة إلى النظام الداخلي. التأم مجلس الشورى بأغلبية أعضائه وصوّت على جملة تعديلات من بينها تقليص مدة ولاية الرئيس الدورية إلى ستة أشهر. وبحسب المصادر، كان يُفترض بالشيخ جديدة أن يتقبّل قرار الشورى ويدعو إلى جلسة انتخاب رئيس، لكنه اعتكف ولم يدع المكتب الإداري للانعقاد طوال أيام. ثم فوجئ الجميع ببيانه أمس.
مساء أمس، أصدر المكتب الإداري في «هيئة علماء المسلمين» بياناً يُعلن فيه انتخاب الشيخ سالم الرافعي بالإجماع رئيساً جديداً لمدة ستّة أشهر. فهل تستعيد الهيئة دورها؟
 

  • شارك الخبر