hit counter script

مقالات مختارة - صلاح سلام

التفاصيل الكاملة لمساعي أمير الكويت في تحقيق المصالحة الخليجية

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 06:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اللواء

«انقاذ مجلس التعاون الخليجي من التصدّع والإنهيار، يستحق بذل كل الجهود، وتقديم ما يلزم من تضحيات، نظراً لحاجتنا لإستمرار هذه التجربة الناجحة، ونتائجها الإيجابية، ليس على الدول الخليجية، وحسب، بل وعلى المنطقة العربية بأسرها..».

بهذه العبارات الواضحة والحاسمة، كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، يرد على استفسارات زوّاره القلقين من إستمرار الخلاف بين كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين مع دولة قطر، والذي أدى إلى سحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة، وكاد أن يتفاقم إلى حد القطيعة الكاملة مع قطر.
جهود «أمير الديبلوماسية» الشيخ صباح أثمرت أخيراً في إنهاء «سنة الأزمة».. وإعادة المياه إلى مجاريها، عبر عودة السفراء الثلاثة الى الدوحة، والتأكيد على انعقاد قمة التعاون الخليجي، في موعدها المقرر، الشهر المقبل، في الدوحة، وبرئاسة أمير قطر، بعدما كاد التأجيل أن يكون أمراً محتماً، بسبب التأزّم القطري، غير المسبوق، مع الشقيقات الخليجيات الثلاث.
ما هي الأسباب الحقيقية للأزمة التي هددت مجلس التعاون بالإنفراط؟ وما هي البنود التي لم تلتزم قطر بتنفيذها في الأشهر الماضية؟ وكيف نجحت مساعي أمير الكويت في لملمة الوضع الخليجي، بعدما وصل إلى حافة الإنهيار؟
بداية الأزمة تعود إلى أواسط العام الماضي، وبالذات بعد اتخاذ قطر موقفاً معادياً لحركة السيسي في مصر، والذي حظي بدعم سعودي - إماراتي قوي، لتمكينه من إخراج مصر من عباءة الإخوان، وإنجاح حركة 30 حزيران/ يونيو التصحيحية لمسار ثورة يناير/ كانون الثاني.
فتحت الدوحة يديها لإستقبال قيادات الإخوان المتوارية من مصر والسعودية والإمارات، وبلدان أخرى، وأطلقت العنان لحملات جامحة ضد التغيير في مصر، عبر قناة «الجزيرة» والأجهزة الإعلامية الأخرى المتعاونة معها، وراحت تُغرّد بعيداً عن السرب الخليجي، في التعاطي مع ملفات المنطقة الساخنة:
1- دعم المجموعات الإسلامية المتشرذمة في ليبيا، والتي توجهها قيادة الإخوان في ليبيا.
2- الإقدام على تمويل جماعة الحوثيين في اليمن، وتشجيعهم على التصدّي لاتفاق الوفاق الوطني، وإضعاف السلطة المركزية في صنعاء.
3- التفرّد بسياسة التنسيق مع تركيا، راعية جماعات الاخوان في البلاد العربية، بخلاف موقف الدول الخليجية الأخرى وخاصة السعودية والإمارات.
4- التباين المتزايد مع الشقيقات الخليجيات، في التعاطي مع تطوّرات الحرب في سوريا، والأزمة السياسية والأمنية المستمرة في العراق.
بإختصار، كانت السياسة القطرية في وادٍ، وتوجهات دول مجلس التعاون في وادٍ آخر، الأمر الذي كان حوار نقاشات دائمة، دون التوصل إلى نتائج تُذكر، بل بالعكس أدى إلى إرتفاع منسوب التوتر الخليجي مع الدوحة، إلى حد بلوغه الأزمة التي كادت تُعطّّل مسيرة مجلس التعاون!
المحاولة الأولى
أدرك أمير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مخاطر الدخول بمواجهة مكشوفة مع الجارة الكبرى خاصة، ومع الإخوة الخليجيين عامةً، فحاول التخفيف من وطأة التركة التي استلمها من عهد والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، عبر زيارة سريعة إلى الرياض، حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمع منه بوضوح وشفافية كاملين، تفاصيل المآخذ الأخوية على السياسة الخارجية القطرية. اللقاء انتهى بتوقيع أمير قطر على خريطة طريق، تتضمن مجموعة تعهدات، يؤدي تنفيذها إلى تنقية أجواء العلاقات القطرية مع كل من السعودية والإمارات، فضلاً عن الإلتزام بعودة قطر إلى مسيرة الانتظام الخليجي، والحفاظ على وحدة الصف لدول مجلس التعاون، والكف عن التدخّل في الشؤون الداخلية لدوله.
التعهدات القطرية التي تم التوافق عليها في الرياض في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، بقيت حبراً على ورق، ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ الجدّي، لعدّة أسباب، لا مجال للخوض في تفاصيلها، مما أدى إلى ردود فعل عكسية مُتعدّدة، أبرزها تبادل الانتقادات الإعلامية، تجميد الاتصالات بين الدوحة وعواصم خليجية، ودخول تعقيدات جديدة على المشهد الخليجي، تجلّت في القمّة الخليجية التي عُقدت في الكويت، ولمْ يتخللها أي لقاء سعودي - قطري، كما كان متوقعاً، فضلاً عن إكتفاء أمير قطر الشيخ تميم حضور جلسة الإفتتاح، ومغادرته فوراً الكويت عائداً إلى الدوحة.
دخول الكويت على الخط
بدأ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد جهوده لإصلاح ذات البين في البيت الخليجي في أواخر صيف 2013، إنفاذاً للقمة الخليجية التي كان مُقرراً أن تُعقد في الكويت، وتجنّباً للوصول إلى الأسوأ، في العلاقات الخليجية، في حال تفاقم الخلافات مع الدوحة.
وبالفعل أثمرت المساعي الكويتية الأخوية عقد قمة الرياض المصغّرة التي شارك فيها الشيخ صباح شخصياً، وإنتهت بتعهدات 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المُشار إليها آنفاً.
وبعد تزايد الشكوى من عدم تنفيذ التعهدات القطرية، دعت الكويت لعقد إجتماع لوزراء خارجية التعاون في 17 شباط من العام الحالي للإتفاق على آلية تنفيذ ما تم الاتفاق إليه في قمة الرياض، وخاصة لجهة عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، حيث كانت الدوحة قد استقبلت قيادات خليجية من الإخوان: سعوديان، خمسة إماراتيين، ومجموعات أخرى من البحرين واليمن. لم يتوصل هذا الإجتماع إلى النتائج المرجوّة، فكان أن أعلنت السعودية والإمارات والبحرين سحب السفراء من الدوحة، والتلويح باتخاذ إجراءات عقابية أخرى، في حال إستمرار السياسة القطرية على التغريد خارج السرب الخليجي.
المحاولة الثانية
كشف الشيخ صباح اتصالاته بإخوانه القادة في السعودية والإمارات والبحرين، وكذلك قطر، لإحتواء «صدمة» سحب السفراء، والبحث عن مخارج للحد من تداعياتها، وتُمهّد لطوي صفحة الخلافات.
نجحت الجهود الكويتية، مرةً أخرى، في تنظيم إجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون يوم 17 نيسان من العام، والذي انعقد على عجل في قاعدة الرياض الجوية، واتخذ طابعاً عملياً مباشراً، بعيداً عن المراسيم البروتوكولية، ونتج عنه إعلان «اتفاق الرياض»، الذي تضمّن اتفاقاً ضمنياً بين الوزراء على تحديد فترة زمنية مدّتها شهرين كفترة إختبار لجدّية الإلتزام القطري بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من بنود وخطوات، حتى يُصار على أساسها إلى اتخاذ الموقف المناسب بإعادة السفراء إلى الدوحة، أو الاتجاه إلى إجراءات تصعيدية أخرى.
لم تعلن بنود الاتفاق، وبقيت صياغته ديبلوماسية بشكل عام، ولكن المضمون تركّز على أربع نقاط أساسية:
1- طرد قيادات الإخوان من الدوحة، وثم تقديم لائحة تضم 15 عضواً من الإخوان، ينتمون إلى دول خليجية، وعربية، خاصة مصرية.
2- وقف الحملات الإعلامية من قناة «الجزيرة» ضد مصر ودول خليجية أخرى، ومنع المعارضين في هذه الدول من إستغلال الإعلام القطري، والظهور على المنابر القطرية.
3- وقف دعم قطر للإخوان في مصر، وعدم التحريض على النظام المصري الجديد.
4- العودة إلى سياسة التنسيق مع دول مجلس التعاون.
وتمّ التوافق بين المجتمعين أنه في حال إلتزمت قطر بتنفيذ بنود الاتفاق خلال شهرين من توقيعه، يعود السفراء الثلاثة إلى الدوحة، ويقوم أمير قطر الشيخ تميم بزيارتين إلى كل من السعودية والإمارات.
نفّذ الجانب القطري جزئياً بعض بنود هذا الاتفاق. لم يتم إبعاد كل الشخصيات الإخوانية الواردة في اللائحة المُقدّمة إلى الوفد القطري. توقفت الحملات ضد الدول الخليجية، ولكنها إستمرت، بل تصاعدت، ضد مصر، وضد ترشيح السيسي في الإنتخابات الرئاسية.
إستمر الدعم القطري لإخوان مصر، وإمتدّ إلى المجموعات المسلحة في ليبيا، إلى جانب الإستمرار بسياسات التفرّد في الملفات الأخرى.
المحاولة الثالثة
مرّت ستة أشهر على «اتفاق الرياض»، والعلاقات الخليجية مع قطر مستمرة في المراوحة في دائرة التأزّم والتوتر. ومع إقتراب موعد القمة الخليجية السنوية في كانون الأول/ ديسمبر المُقبل، كانت الأجواء مُلبّدة بغيوم الحملات السوداء، وتنذر بعاصفة قوية تُهدّد تماسك مجلس التعاون.
أدار أمير الديبلوماسية العربية الشيخ صباح محركات مساعيه الحميدة مجدداً، في وقت كانت أوساط خليجية تتوقع عدم انعقاد القمة الخليجية هذا العام في الدوحة، وفي حال انعقادها ستتم مقاطعتها من قِبل ثلاث دول على الأقل، هي: السعودية والإمارات والبحرين. مما يعني إنهيار تجربة مجلس التعاون.
في هذه الأثناء، وصلت إلى القيادة الكويتية معلومات من سفراء كويتيين في الخارج، عن تعليمات إماراتية مُشدّدة بعدم دعوة سفراء قطر أو ديبلوماسييها، إلى إحتفالات العيد الوطني الإماراتي الذي يُصادف يوم 2 كانون الأول/ ديسمبر المُقبل، وذلك في خطوة تصعيدية مُلفتة للمقاطعة الإماراتية ضد قطر.
بادر الشيخ صباح القيام بزيارة عاجلة إلى السعودية، حيث التقى الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أبدى تجاوباً مع مساعي الشقيق الكويتي في لملمة الوضع الخليجي.
وكذلك كان موقف ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ولكنه اشترط التنفيذ الجدّي والكامل لبنود اتفاق الرياض، مقابل الموافقة على عودة السفراء، وحضور قمة الدوحة.
المحطة الثالثة لمساعي الشيخ صباح كانت العاصمة القطرية، حيث أجرى أحاديث مطوّلة مع الأمير الشيخ تميم ومع والده الشيخ حمد، أسفرت عن فتح الأبواب الموصدة أمام المصالحة الخليجية - الخليجية، وانقاذ مجلس التعاون قبل موعد القمة المقبلة.
أمير الكويت اقترح عقد قمة طارئة واجتماعها يقتصر على بند واحد: المصالحة الخليجية، ولكن برزت فجأة «عقدة» إختيار مكان القمة.
مرة أخرى، تجاوب القادة الخليجيين مع إقتراح الشيخ صباح بأن تكون القمة في رحاب الرياض، وبرعاية وضيافة الشقيق الأكبر الملك عبد الله، وأن يكون عنوانها: قمة المصالحة الخليجية.
وكانت النتائج، بالفعل على مستوى الجهود المتواصلة التي بذلها أمير الديبلوماسية العربية الشيخ صباح الأحمد: طوي صفحة الخلافات، تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق الرياض، عودة السفراء الثلاثة إلى العاصمة القطرية، وانعقاد القمة الخليجية المُقبلة في الدوحة، ليكون أمير قطر الشيخ تميم رئيس القمة الخليجية لعام 2015.
وأخيراً، يبقى السؤال الملّح الذي يشغل بال كل عربي:
هل تكون عودة وحدة الصف الخليجي، بداية لعودة سياسة التضامن بين الدول العربية، لمواجهة تحدّيات هذه المرحلة الخطيرة، بأكبر قدر ممكن من التنسيق والتعاون؟
 

  • شارك الخبر