hit counter script

أخبار محليّة

مطر في احياء ليلة عاشورائية: لوقف الأعمال العدائية في المنطقة بأسرها

السبت ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 12:03

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

رعى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان إحياء الليلة السادسة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس، في حضور حشد من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.

عرف بالمناسبة الشيخ علي الغول، وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم.

والقى ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر كلمة قال، فيها: "إنه لشرف كبير يا صاحب السماحة أن تقدموا لي مجددا هذه الفرصة للوقوف أمامكم، بل للوقوف معكم في قاعة الوحدة الوطنية هذه، التي تجمع الصفوف وتوحد القلوب حول ما فيه خير لبنان واللبنانيين وخير المسلمين والمسيحيين على مدى عالمنا العربي بأسره، وفي رحاب الله أينما بسطها لعباده الصالحين. وهي مناسبة أستنحها لأعرب أمامكم عن خالص التقدير الذي نكنه لكم جميعا في لبنان، وللعمل الدؤوب الذي تقومون به في سبيل إنقاذ البلاد من الفرقة التي يبغي أهل السوء أن يزجوا فيها الناس عندنا ويوقعوهم في شراكها. فلكم منا أطيب الدعاء بأن يحفظكم المولى ذخرا وملاذا للوطن وأهله وأن تفيض ثمار الخير الذي تزرعون حباته في عقولهم وفي أفئدتهم، بعلمكم النير ومحبتكم الشاملة وصلاتكم من أجل أن يعم سلام الله خلائقه أجمعين".

اضاف: "أما الوقفات التي تقفون في هذه الأيام الكربلائية الحافلة بالتقوى والمتوجة بمجد التضحية والفداء، فإذا ما شاركناكم فيها، فإننا لا نقوم بمجرد واجب يمليه علينا واقع العيش المشترك، مع ما له عندنا جميعا من مكانة وتقدير، بل نحن نتخذها موقفا نستلهم عبره شهادة سيد الشهداء الإسلام، الحسين ابن علي كرم الله وجهه، ونحاول ما استطعنا استشراف المعالم المتجددة أبدا لثورته النقية، إحياء لرجاء يحتاج إليه العالم لتغيير صورته المشوهة بالقهر والمظالم، وترقبه الأمة لاستعادة الصفاء بين أبناء لها يتقاتلون بلا رحمة ويتعادون بلا سبب.
إن أول ما قام به الإسلام منذ نشأته كان العمل على نقل الناس من الجاهلية المشوهة للوحدة البشرية ولكرامة الإنسان، إلى الإيمان بأن الله قد جبل الناس من طينة واحدة وأنهم جميعا خلقه وعياله، وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وأن القبائل والشعوب التي ارتضاها متعددة إنما أوجدها على ما هي عليه للتعارف فيما بينها، وبالتالي للتقارب وللتعاون على البر والإحسان، وأنه سبحانه لم يخلقها لتتنافر أو لتتحارب، فتقلب نعيم الحياة إلى جحيم العدم والموت. غير أن هذه الرسالة السامية، من المفترض أن تحملها أياد بيضاء، وأن تخدمها نفوس عالية مزينة بأطيب الشمائل وأحسن الفضائل. لذلك فإن هناك خطرا تواجهه الرسالة، وهو لا يأتي أبدا من جوهر الدين ولا من نور الإيمان الذي يسكبه الله في النفوس. بل هو ينجم عن ضعف البشر أنفسهم وعن ضربهم إيمانهم بحساباتهم، مما يحجب عن عقولهم وعن قلوبهم حساب الله ثوابا وعقابا. فالمسؤولون وسواهم يتعرضون للهبوط من سمو المثل الدينية وكمال المطلق، إلى بؤر الأعراض والنسبيات التي تدفع التاريخ إلى منزلقات خطيرة وإلى ترنحات لا تلوي إلى قرار".

وتابع مطر: "ففي ظروف رمادية كمثل هذه الظروف، كان بعض الإسلام يمر وسط مصاعب ومطبات تمثلت في التفريق بين مؤمن ومؤمن، وفي خطر لانحراف السلطة عن خدمة الله وحده وعن تدبير شؤون الناس بما يرضيه تعالى ويسهل لعباده؛ كما تمثلت عبر خدمة الذات من دون الله وتحولها إلى صنم كان الإسلام أمر بتحطيم نظائره تحطيما كاملا ونهائيا. هنا انبرى الحسين متمسكا بالإسلام الحق وبجوهر الدين ومثله العليا في وجه التفرد الذي كان من شأنه أن يعرض الرسالة للتراجع ولمس نقائها في الصميم. فخرج على السلطة ولم يخرج على الإسلام. بل كان الدافع عنده أن يرتقي إسلام الواقع إلى مستوى الإسلام المثالي الذي له القدرة وحده على جمع المسلمين وتوحيدهم. ومن هذه التجربة الفريدة، توطدت قيمة الاستناد إلى رجاحة الأئمة مضافة إلى عمل الخلفاء ودورهم المرسوم، وإلى طواعية العقلاء لانعكاس أنوار الله على وجوههم ليصبحوا أمام أخوتهم وسائل هداية ومعالم ارتقاء. لقد عرف العهد القديم وضعا مماثلا حيث دلت الكتب على توزيع الأدوار بين الملوك وهم الحاكمون، وبين الأنبياء الذين عهد إليهم تذكير الملوك بكلام الله بكرة وأصيلا، فلا ينسوا ما هي حدود سلطتهم وما هي مبرراتها. أفلا ترون أيها الأخوة ضرورة ثابتة لهذا التلاحم بين الحاكمين وأصحاب المثل العليا من عباد الله، فلا ينسى الحاكمون ربهم ولا يعملوا إلا بما يمليه عليهم الإيمان والواجب واستقامة الضمير؟ وما لم يتم تأمين هذا التوازن، فإن مجتمعاتنا ستبقى معرضة لأن تحيا سياسة بلا أخلاق، أو حتى أخلاقا بلا سياسة".

واردف: "إن ثورة الحسين في وجه الظلم والظالمين، لم يكن الهدف منها إصلاح وضع محدد ولا حتى مواجهة رجل معين أو بعض رجال، وهي لم تشهر لتداوي واقعا معروفا يمثل انحرافا للسلطة في معاطاتها مع الله والناس. بل هي جاءت مع كل ذلك لتضع أسسا ثابتة تقوم أي انحراف أتى أو سيأتي. فتخطت زمانها ومكانها لتصبح واسعة الأمداء وشاملة كل الحقبات إلى أن تدق الساعة ويأتي الحشر الأخير. إن هذا الإصرار من الحسين على الثورة ولو كانت المعطيات الميدانية قد دلته على حتمية خسارته المادية أمام الذين كانوا ينوون به شرا، لم يكن إلا دلالة على أن صاحبه كان يدافع بالتأكيد عن أمر جلل. لقد أراد الحسين للإسلام ألا يتخبط في مطبات تحرم الكون أنوارا نازلة عليه وهي بعد في بدايات تنزيلها. ولا غرو في ذلك فإن الذين يعرفون الحق أينما هم يتلقون معه فيضا من أنوار الله تنعكس على ألواح قلوبهم فتزيد وهجها وهجا ونقاءها نقاء. فأية عطية ربانية كانت أسمى في ذلك الزمن من عطية الحسين لأمته، لو كان أهلها بأجمعهم يتبصرون؟ لقد كلفت هذه الثورة دما نقيا قدمه صاحبه لله تضحية عن أمته وشعبه. وهو ارتضى الموت الشخصي مفضلا إياه على خطأ يقتل الجماعة. ونحن معشر المسيحيين لا يمكننا أن نقرأ هذه التضحية إلا في ضوء آية من الإنجيل الطاهر جاء فيها بلسان السيد المسيح قوله: "ما من حب أعظم من هذا وهو أن يبذل الإنسان نفسه فدية عن أحبائه". لقد كانت ثورة الحسين بهذا المعنى موقفا مطلقا إلى جانب الحق كما كانت أيضا حبا مطلقا لله وللجماعة. وإن ما قالته زينب شقيقته يوم حملت أخاها ميتا بين ذراعيها، تضمنت كلمات نرددها نحن في صلاتنا، إذ هي توجهت إلى ربها بصلاة تقول: "أللهم تقبل منا هذا القربان". فأعلنت بذاك الحسين قربانا مقدما لله عن الأمة ومن أجل الأمة وليس عن جزء منها أو بعض جماعة فيها دون سواها. أفليس في الأمر هنا فيض من تجليات خالدات للحب وللعطاء، وبالتالي دعوة للأمة إلى أن تصون مصيرها ووحدتها كلما تعرض هذا المصير ومعه هذه الوحدة لخطر أو انتكاسة؟"

وقال: "إن هذه الذكرى لا تخص من يحييها اليوم وحسب، فما دام موت الحسين رضي الله عنه قد تحول قربانا عن الأمة، فالأمة كلها مدعوة في وهج هذا القربان إلى موقف رجاء متجدد بمصير جامع لا بد منه ولا مأمن إلا به. فهل سعت الأمة في أيامنا إلى الأخذ بهذا التوجه واللجوء إلى حوار صادق يمحو أثر الماضي ويفتح كوة من هداية من أجل المستقبل؟ إنه المصير الأفضل للإسلام والمسلمين، وهو الدفع الذي يدفع بهم إلى أن يؤدوا الرسالة كاملة في هذا الكون وفي مسار التاريخ الإنساني الكبير. نحن ضنينون بوحدة المسلمين هذه، في الأرض كلها، كما نحن ضنينون بوحدة المسيحيين. وإن دعوتنا هذه لا تنطلق إلا من منطلقات روحية وإنسانية بحتة وليس من أي توازن لقوى الوجود، إذ ليس للشر وللخير أن يتوازنا، ولأن الحق يعلو ولا يعلى عليه. فهل يستطيع عاقل في المنطقة ومخلص إلا أن يرفض الوضع القائم الذي لا يزيدنا إلا تدهورا مع الأحداث المريرة الحاصلة التي نعرفها والتي نتألم لها؟ فإن كان العالم الأوسع يسعى إلى السلام ولو حل في الكون كأمر واقع وكنتيجة لقرار تعايش العقائد والحضارات، فكم يجدر بالأحرى أن يعتبر أبناء الأمة الواحدة أن التفاهم فيما بينهم ووحدة الصف ليسا بالأمر العسير أو المستحيل، بل هما مطلب ملح وجامع تبغيه السماء للأرض بفضل قبولها قربان الحسين المقدم عن الأمة كلها ومصيرها الواحد؟ فمن الضرورة بمكان، أن يجهد المؤمنون جميعا، وأن يجهدوا معا ليجدوا السبل الآيلة في الزمن الحاضر إلى تغيير وجه العلاقات القائمة فيما بينهم جميعا. فتكفير الآخر عمل يشبه قتله، وقتل الآخر عن غير وجه حق يدينه الله ويهيئ له أشد العقاب".

ودعا مطر إلى "الكف عن كل عمل مشين وإلى وقف الأعمال العدائية في المنطقة بأسرها. وإلى عدم التعامل مع الآخر بمنطق الثأر والاقتصاص. فكل ما جرى من أحداث في الماضي ومن سلبيات في التعامل يجب أن ينساه المؤمنون معا وأن يتخطوه عبر انفتاح حسيني على الآخر وبفعل غفران يجلو الضمائر ويطهر القلوب. أما في شأن قضايا الحاضر، فيجب الاحتكام فيها إلى إرادة الله في خلقه، فلا يطرد مسيحي من بيته ولا يتم التعامل معه إلا بما أمر الله، وأمره لا يرد. ولا يكفرن أحد أحدا فيتخذ مكان الله في الحكم والدينونة. ولا يتركن للمصالح العالمية الكبرى أن تستغل مشاعر الناس طمعا بأموال الجماعة وبخيراتها، ليس إلا. ولنعتبر أن الحروب القائمة بين أهل الأمة لا تضعف أبناءها وحسب بل وتلتهم اقتصادها وخيراتها كما تسري النار في الهشيم. فماذا سيبقى بعد ذاك من الخير لغد قريب ولما بعده من الأيام؟ أما المستقبل، فإننا جميعا مسؤولون عن روح الدين الصافية تنير للعالم طريقا إليه فينقذ من المادية ومن خطرها على حسن المصير. وسيكون العالم غدا كما في كل يوم بحاجة إلى دين الرحمة وإلى دين المحبة يتوافقان من أجل خير الإنسان وخلاصه.
فيا أيها الكربلائيون الأعزاء، إن القربان الذي قربته زينب إلى ربها وسألت له قبولا، هو أيضا قربانكم جميعا. وإن الحسين رضي الله عنه هو منقذ للأمة وهو الموجه إليها على الدوام دعوة مفتوحة إلى الصفاء والاحتكام إلى كل ما يأمر به الله وكل ما ينهي عنه. فلا بد لهذا الكنز الروحي من أن يفيض خيرا على الأمة بأسرها وعلى الناس في كل مكان. وكونوا على يقين من أن أهل الضمائر الحرة في الأرض، إلى أي دين انتموا، هم جميعا عصبة واحدة من أجل الحق. والله لا يترك عباده بل هو الثواب أبدا وهو الهادي إليه سبحانه وتعالى، إنه يمهل ولا يهمل ولا يسقط من رحمته أحدا. فالله نسأل في ضوء مشيئته القدوسة أن يمنحنا مزيدا من إيمان ومحبة ورجاء، لتبقى شعلة الحق مضاءة في الكون فيتغير وجه الأرض وينزل علينا بردا سلامه وأمانه. والسلام عليكم جميعا. وشكرا لإصغائكم".

وفي الختام، تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، والشيخ علي فقيه زيارة الامام الحسين.

من جهة ثانية، استقبل الامام قبلان مدير عام امن الدولة اللواء جورج قرعه ونائبه العميد محمد الطفيلي وجرى التداول في الاوضاع العامة في لبنان والمنطقة.
 

  • شارك الخبر