hit counter script
شريط الأحداث

Cave Divers يخترق بشجاعة أعماق نبع العسل وتسرّب مائي يصل إلى 30 في المئة للدولة قرار وقفه

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 02:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

هناك، في كهوف جرود كسروان ومغاورها الظلماء الوعرة والمغمورة بالمياه، تحوّلت لعبة الموت السّمجة مع غطاسي Cave Divers Lebanon مغامرة شرسة يذلّل غطاسوها بشجاعة كل العوائق المائية والدلغانيّة والصخريّة والطبيعيّة، في مغامرات خطيرة بحدها الأدنى، ومميتة بحالاتها القصوى. فهنا بالذات لا مكان للتجارب، كما لا تنفع المناورات. أمّا الهدف، فيتخطى جرأة الهواية والتسلية المتهوّرة، ليحاكي هدفا وطنيا يطال أزمة مياه متفاقمة، والنتيجة أن لدى فريق Cave Divers معطيات يضعها في عهدة وزارة الطاقة علّها تستغلها إيجابا لسدّ جزء من ثغرات الأزمة.

تحدّث جوزف شربين أحد غطاسي فريق Cave Divers Lebanon، الذي يضمّ، إلى شربين، حبيب حداد، وداني منصف، وشربل منصف، وجو الخوري، وأيمن ابرهيم، ونجيب يوسف نجيب وجان أبي رزق، لـ"النهار" عن المغامرة الجديدة للفريق وأهدافها، مشيرا إلى أن "رحلات الغطس بدأت في العام 1991، التاريخ الذي قمنا فيه للمرة الأولى بالغطس في مغاور لبنان. أما الإكتشاف المهم فكان في العام 2004 في مغارة جعيتا، ومنذ ذلك العام نغطس في أربع مغاور أخرى غيرها". غير أن المسألة "لم تعد هواية نمارسها"، وفق شربين، "فقد بات عملا هادف، والهدف منه هو التفتيش عن مصادر مياه جديدة لمواجهة الشحّ، وما نقوم به في نبع العسل يصبّ في هذا الإتجاه".

اكتشاف جديد
يقع نبع العسل على الحدود ما بين منطقتي فاريا وكفردبيان ويمدّ، وفق شربين، كسروان بالمياه عبر قناة إسمنتية تسحب الشركة بواسطتها المياه من النبع. ويوضح أن "المعلومات الوحيدة المتوافرة للدولة عن النبع لا تتخطى مرحلة يمكن وصفها، أو تسميتها، بالغرفة الأولى، وهي الموضع الذي يتم سحب المياه منه عبر قناة، وتقوم شركة المياه بتوزيعها عبر شبكاتها".
وبدعم معنوي من بلدية كفردبيان، انطلقت المغامرة بالغطس في هذه الغرفة بالذات، "فاكتشفنا أنها عميقة جدا وحرارة مياهها 4 درجات، أي أننا مع النزول إلى الماء نشعر مباشرة بالألم. قمنا بالغطس مسافة 30 مترا ضمن منطقة مغمورة بالمياه، فوصلنا إلى غرفة ثانية مغمورة كذلك بجزئها السفلي، وهوائية بجزئها العلوي. ثم وصلنا إلى مغارة جافّة تشبه مغارة جعيتا، سقفها عال، وتضمّ نبعا جوفيا يكوّن نبع العسل، وهو عبارة عن مياه نهر قوية وجارفة. وفي مكان معيّن ينهار سقف المغارة فتتراكم الصخور فوق بعضها، حاولنا تسلّقها بالعتاد الذي نحمله بجهد كبير ضمن المياه الجارفة القوية، فوصلنا إلى غرفة ثالثة، لينخفض السطح سريعا ويتحول الموضع مكاناً مغموراً بالمياه".
ومن هناك اكتشف الغطاسون "نفقين فرعيين ونفقا ثالثا أساسيا نقوم حاليا بتركيز كل غطساتنا فيه. حتى الآن لا ندري ما إذا كان النفقان الفرعيان المكتشفان، منبعا أم مصبا، فهذا لا يزال قيد الدرس، وإذا تبيّن أنهما يسرّبان المياه فهذا يعني أن المياه تأتي من النظام الأساسي وتضيع فيهما. حتى الآن لا معلومات كثيرة لدينا عنهما، لأننا نكثف الغطسات في النفق الأساسي فقط وهذا يتطلب وقتا. أما التسرّب الذي اكتشفناه فيتم في الغرفتين الأولى والثانية". وبالعودة إلى النفق الأساسي "وصلنا إلى مكان معيّن، حيث استكمل حبيب حداد الغطس منفردا، لأن الوحل كان ينهمر بكثافة علينا، فخاطر بحياته ووصل إلى عمق 17 مترا حيث أقفل النفق، فنظر فوقه ليجد فوهة مرتفعة كما لو كان في غرفة ولها سقف مفتوح. يمنحنا هذا التصميم أملا في الوصول إلى غرفة كبيرة تضمّ شلالات مياه، وقد تكون هذه المياه، وفق تقديراتنا، قد حفرت كل هذا النظام الذي مررنا به والذي لا نعرف منه إلا نبع العسل. لا أحد يعرف كيف تحفر الطبيعة، وإلى أين قد تصل بنا الطريق. وفي النهاية إذا كان تقديرنا خاطئا ووصلنا إلى مغارة جافة يمكن للدولة فتح باب لها واستغلالها سياحيا".
وتوقف الغطاسون عند الـ185 مترا منذ شهرين "لأننا مررنا بأزمة شح فيما نحتاج إلى ضغط مياه يساعد حركتنا، إذ يخفف وطأة الوحول والانهيارات الرملية والدلغانية التي تنهمر على رؤوسنا. وبما أن ضغط المياه خفيف فضلنا التوقف حاليا لأن عامل الخطورة على حياتنا يكون مرتفعا، على أن نستكمل العمل في وقت لاحق".

مصادر التسرّب
أوضح شربين أن مصدر التسرّب هو "الغرفة الأولى، حيث هناك شقّ في الأرض يبلغ 40 ستنمترا، عرضه متران وعمقه 180. وبما أن المياه تصبّ كلها في الغرفة فإن الشقّ يسحبها ولا يمرّ في القناة إلا ما يفيض من مياه في الغرفة، وهذا تسرّب كبير يوازي نبعا في ذاته". أما موضع التسرّب الثاني فقد اكتشفه داني منصف "إذ وجد أثناء قيامنا بالغطس في الغرفة الثالثة شقوقا في الصخور تدخل فيها المياه قبل أن تصل إلى الغرفة الثانية ثم الأولى. وتدخل المياه في نفقين ضمن الجبل، اكتشفنا أنها في النفق الثاني تأخذ طريقها لتصل إلى الغرفة الثانية لتأخذ مسارها مجددا إلى القناة، وبالتالي استبعدنا احتمال أن يكون هذا النفق مصدرا للتسرب. أما بالنسبة للنفق الأول فقد أدخلنا إليه كاميرات ومصابيح، ووجدنا أن ثمة مغارة كبيرة في الداخل، لكن لم يكن لدينا الوقت الكافي لملاحقة الموضوع لأن الهدف كان ملاحقة النفق الأساسي. المهم الآن هو ما كوناه من معلومات ومعطيات نضعها أمام الدولة لتجنب التسرب والإفادة من كمية اكبر من المياه. والحل بسيط جدا وغير مكلف إذ يمكن إسقاط "نرابيش" في الشقوق على أن يسحب محرّك المياه ويقوم بتحويلها إلى الشركة. سوف نجيّر كل هذه المعلومات بكتاب رسمي إلى وزارة الطاقة ولها أن تتصرف بها كما تريد".
وشرح الباحث في المياه الجوفية وعلوم الأرض والمستشار الجيولوجي المتابع لفريق Cave Divers Lebanon لـ"النهار" التفاصيل العلمية للإكتشاف، مشيرا إلى أن "الإكتشافات التي حصلت في الداخل وقعت على مهربين يسرّبان المياه بدل اتخاذها لمسارها الطبيعي، وصولا إلى النبع الذي نعرفه. وإن نسبة المياه التي يتم تسربها في المهربين تراوح ما بين 10% و30%، ويتوقف ذلك على ضغط المياه والموسم". وأوضح أنه "لا يمكننا أن نقول أن هذه الكمية تهدر، لأنها في النهاية تدخل إلى جوف الأرض وتغذي طبقات جوفية لينابيع صغيرة أخرى في المنطقة. نحن في حاجة إلى دراسة مفصّلة أكثر لنعرف أين تذهب، وإلى حينها يفضّل أن نقول تسرّبا لا هدرا، لأن النبع والطبقات الجوفية تتشاركها".
اما عن الأهمية العلمية للإكتشاف فقال: "بات في إمكاننا فهم المنظومة الكارستيّة ما وراء مخرج النبع. إن المياه المسرّبة قد تكون متجهة إلى مخزن أو نبع جوفي ثان، سوف نسلم الأرقام إلى وزارة الطاقة لتتخذ القرار الملائم في معالجة الموضوع، فلها أن تقرّر ما إذا أرادت ضبط الكميّة المسرّبة أو إجراء المزيد من البحوث للتأكد من الأماكن التي تتسرب إليها المياه".
 

باسكال عازار- النهار
 

  • شارك الخبر