hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - اوكتافيا نصر

في طريقنا إلى الهاوية ونحن نتغنّى بإخفاقاتنا

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:45

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

أخبروني كيف تقيسون النجاح. في الواقع، لا داعي لأن تخبروني. على الأرجح أنني أستطيع اكتشاف ذلك من تلقاء نفسي. تماماً كما أستطيع اكتشاف ما تحبّونه وتمقتونه، وهواياتكم، وآرائكم السياسية، وجديد صداقاتكم، وخصائص عائلتكم، والعديد من التفاصيل الأخرى. ويستطيع آخرون ممن يملكون أجهزة متخصّصة للمراقبة، اكتشاف أسراركم، بدءاً من مقدار الأموال التي تجنونها وصولاً إلى معرفة كيف وأين تنفقون هذه الأموال.

جزء كبير من حياتنا بات متاحاً هذه الأيام في شكله الخام في الذاكرة المعلوماتية، مبوَّباً ومدرَجاً ضمن ملفات معيّنة. ما إن يصبح الشخص "موضع اهتمام" حتى تتسرّب أمور كثيرة عن حياته. لا حدود لكمية المعلومات التي يمكن أن تنتشر عما نعتبره حياتنا الخاصة، بما يؤدّي إلى إلحاق الأذى بنا أو تسلية الجماهير.
وبسبب كمية المعلومات التي نبدي استعداداً لمشاطرتها مع الغرباء يومياً، لا يمكننا الادعاء بأننا نكترث لهذا الانكشاف لحياتنا الخاصة. كم مرة "نوافق" على شروط الخدمة المعروضة علينا من دون تفكير، فما بالكم بقراءة صفحات طويلة من البنود والشروط؟
المشكلة هي أن شخصك الحقيقي - في سياقاته الأخلاقية والمفهومية والإنسانية - غير موجود في الميدان العام. شخصيتك العامة المعروفة من محركات البحث ومسترقي النظر عبر الإنترنت والقراصنة، هي مجرد قشرة خارجية عن شخصيتك الحقيقية، ولهذا لا تبالي إذا اكتشفها الآخرون. لكن عندما تتحوّل صورة سطحية عن نفسك ويضيع جوهرك، هل ستبالي عندئذٍ؟
انظروا إلى كوكبنا والتحدّيات التي نواجهها نحن البشر. وقارنوها بسلوكنا الذي يمكن رصده خطوةً خطوة من خلال هواتفنا الخليوية وأجهزة الكومبيوتر، فتنكشف لنا حقيقة بشعة: نحن مستهلكون نهِمون للمعلومات السطحية. انطلاقاً مما تقدّمه وسائل الإعلام والتواصل هذه الأيام، نحن كائنات سطحية تسعى وراء التسلية والثرثرة العقيمة والفارغة. نحن مجرّدون من المبادئ، ولا ندافع عما نؤمن به. نسير نحو هلاكنا فيما نتغنّى بإخفاقاتنا ونغرق أكثر فأكثر في مستنقع هزائمنا.
ربما نعيش في عصر المعلومات الأكثر ظلمة. لكل منّا نسخته عن الحقيقة، والتي يوافق على زرعها في عقول الناس من دون كثير من التدقيق أو التحدّي أو الربط بالسياق أو حتى خيار التفكير في آراء أو وجهات نظر بديلة. بدلاً من ذلك نغرق أكثر فأكثر في المتاعب ونشجّع على تبنّي الآراء الذاتية على اعتبار أنها هي الحقيقة.
 

  • شارك الخبر