hit counter script

مقالات مختارة - جان عزيز

موظف دولي بمهمة مفوضٍ سامٍ!

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

منتصف تسعينيات القرن الماضي، تزامنت ظاهرتان في لبنان وحوله. الأولى بداية انفجار الدين العام اللبناني وتضاعفه في شكل يعجز لبنان عن إيفائه. ما يتركه أمام خيارين: إما التعايش مع الدين عبر «خدمته»، كمن يعيش تحت حد السيف. وإما انتظار حدث خارجي يفرض مقايضة ما بين الدين وإملاءات سيادية معينة. أما الظاهرة الثانية يومها، فكانت انطلاق مسارات التسوية الأحادية في المنطقة، بعد أوسلو ووادي عربة وسواهما. ظاهرتان جعلتا كثيرين ينسجون سيناريو جهنمياً، من نوع أنه سيأتي وقت قريب جداً، يكون فيه لبنان أمام عرض لا يمكنه رفضه: إما الإفلاس، وإما التعويم مقابل التوطين...

ومنذ ذلك الحين لا يزال اللبنانيون منقسمين حيال ذلك السيناريو المتخيّل. البعض يعتبره مجرد فزّاعة. بعض آخر يؤكد صحته وصدقيته، بدليل بدايات ترجمته، عبر مرسوم التجنيس وعبر مشروع القريعة وعبر المسودة الأولى للمبادرة العربية التي كانت مقررة في قمة بيروت في آذار 2002. فيما يرى بعض ثالث أن الظروف لم تسمح حتى اللحظة بامتحان مدى صحة ذلك السيناريو أو خطأه. فمسارات التسويات السلمية الأحادية تعقّدت وتعرقلت. وأحوال لبنان تدهورت وتفاقمت. بحيث لم يعرف أيهما السبب وأيهما النتيجة، ولا إلى أين يذهب لبنان ولا إلى أين يتجه فلسطينيوه والفلسطينيون أصلاً.
غير أن نظرية تلك المؤامرة على سيادة البلد الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية... ظلت حيّة فاعلة. حتى أنه قبل عام ونيّف، قيل إن استقالة نجيب ميقاتي في آذار 2012 جاءت في سياق المؤامرة نفسها. كان المطلوب تعطيل السلطة في لبنان، قبل الوصول إلى إقرار مراسيم الغاز والنفط. بحيث لا يسمح لهذا البلد بأن يكون منتجاً لثروة. كي لا يصير في منأى عن الحاجة. وكي لا يصبح محصّناً ضد الضغوط والمكرمات والهبات والنعم التي لا تدوم إلا بالقيود. ذهب ميقاتي، جاء تمام سلام، ولا يزال آخر مرسومين ضروريين لإطلاق مناقصة لبنان الغازية، عالقين في أدراج «حكومة المصلحة الوطنية». مزحة سمجة تلك التسمية، بدليل آخر المؤامرات المدبّرة ضد لبنان: فرض توطين السوريين، وانتخاب رئيس مطابق لدفتر الشروط الدولية تلك.
القصة باتت إلى حد كبير معروفة من قبل المعنيين. لكن مع تستّر حيال الأسماء والمسؤوليات. على الطريقة اللبنانية، حيث كلّ المقامات والرئاسات والمرجعيات، مشمولة بقانون المحرمات والـ «تابو». في مؤتمر برلين كان يحضّر لفخ منصوب للدولة اللبنانية، عنوانه فرض توقيع لبنان على اتفاقية جنيف – 1951 – المتعلقة باللاجئين. ما يعني فتج المجال أمام الضغوط الدولية على لبنان، من أجل استيعاب النازحين السوريين تدريجياً في لبنان، والسماح باندماجهم ضمن المجتمع اللبناني. وهو ما يصح بصورة أولى كذلك، وفق الإملاء الدولي نفسه، على اللاجئين الفلسطينيين أيضاً.
أحبطت المحاولة حتى اللحظة. مع ترك باب المفاجآت مفتوحاً، في انتظار انتهاء أعمال المؤتمر اليوم، وصدور مقرراته. غير أن عبوة ثانية تم زرعها في الطريق. ألا وهي إدراج نص صريح يربط بين المساعدات الدولية للنازحين في لبنان، وبين شرط انتخاب رئيس جديد للجمهورية. في المطلق والمبدأ، المقولة في حد ذاتها اعتداء على سيادة لبنان ومواطنيه وعلى استقلالية مؤسساته. غير أن ما يزيد المسألة فجوراً، انها ترافقت مع سلسلة خطوات في هذا الاتجاه. المعنيون المطلعون على خفايا الأمور، يشيرون بإصبع المسؤولية إلى موظفين اثنين: الأول لبناني خارج بيروت، من تركة ميشال سليمان المورثة إلى تمام سلام. والثاني موظف دولي في بيروت، بات كثيرون يتعارفون على تسميته بالمفوض السامي. فالأخير تطوّع منذ فترة لمهمة اختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. يزور دولاً خليجية باستمرار لطبخ الأسماء والآليات، ويحاول أخيراً تغليفها بمبادرة مصرية. أما الأول فتولى إمرار عبارة الربط بين المساعدات وفرض الرئيس، ضمن أوراق رئاسة الحكومة، ومن دون علمها. حتى أن وزيراً معنياً بالموضوع من ناحيته الإنسانية، فوجئ بالنص المفخخ عند عرض المسودة عليه أثناء مشاركته في مؤتمر عربي حول النازحين. وعندما أبدى استغرابه، جاءه من يهمس في أذنه: لا تخف. هذه الصيغة تحظى بموافقة رئاسة حكومتكم، وهي آتية من عندها! ليتبين لاحقاً أن الأمر غير صحيح. وهو ما اقتضى تفجير الموضوع علناً، وإعادة صياغة ورقة لبنان إلى مؤتمر برلين كاملة، بقرار من مجلس الوزراء يوم الخميس الماضي.
المهم أن مساعي المفوض السامي و«معاونه» لم تنته. فالأول صاحب نظرية شهيرة حول مرحلة الاستحقاق الرئاسي اللبناني وتقسيط إنضاجه. يقول إنه في مرحلة أولى يمكن لرئيس جديد أن يكون نتيجة قرار لبناني. ثم في مرحلة ثانية يمكن للرئيس أن يكون نتيجة تعاون مشترك دولي لبناني. في مرحلة ثالثة، يصير الرئيس صناعة خارجية، مع احتفاظ اللبنانيين بفيتو ما. أما في المرحلة الرابعة، فيصبح الرئيس وليد قرار دولي، من دون أي حق لبناني بالفيتو حتى. والموظف الدولي نفسه يحسب أن المرحلة الأخيرة قد أذنت، وأن النازحين وأموالهم و«داعش» وحربها، كلها عوامل مساعدة على الولادة القيصرية...
بعد الإهانة الوطنية التي وجهها إلينا السفير البريطاني من وزارة الداخلية، وبعد فلتان المنظمات الدولية في موضوع النازحين السيادي، وبعد حركة الموظف الدولي لفرض رئيس لجمهوريتنا، لا بد من كلمة شكر ربما للياقة دايفيد هايل. نعم، إنه زمن الغرائب!
 

  • شارك الخبر