منذ العام 2000 والمشكلة تتكرر. اشكالات مستمرة مع المتطرفين، والجيش يدفع الفاتورة، وفي كل يوم فاتورة تدفع بدم أبطال الجيش اللبناني، الذي لم يتوان يوماً عن الزود عن لبنان، وهو الذي قاتل من دون هوادة ولا كلل، ولم يتراجع ابداً.
اظهرت الايام الماضية ان ما جرى في طرابلس والشمال لم يكن، مع الاسف، ابن ساعته، ولم يكن وليد اللحظة، وان كل ما قيل وذكر في الصحف كان جزء من سيناريو دقيق وتفصيلي لما يتم اعداده للسيطرة على الشمال من قبل المجموعات المسلحة بهدف فتح ممر آمن من القلمون السوري باتجاه البحر المتوسط.
لم يأت الدعم الاميركي الكبير للجيش اللبناني بشكل اعتباطي. فالولايات المتحدة التي رفضت سابقاً تسليح الجيش خوفاً من وقوع سلاحه في قبضة "حزب الله"، تعمل اليوم، وباندفاعة كبيرة لتزويده بالسلاح النوعي. بينما تبين ان الفرنسيين زودوا طائرات الهليكوبتر من طراز بوما بمزاحف لاطلاق الصورايخ وبرشاشات متوسطة، وهذا ما ساهم الى حد كبير في دعم الوحدات البرية بخاصة في الضنية وعكار.
لم يكن كلام قائد الجيش لل"فيغارو" وزياراته الاخيرة الى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب الا دلالة على ما آلت اليه الظروف العسكرية من تدهور. ولم يأت كلامه الا نتيجة لمعلومات دقيقة حصلت عليها مديرية المخابرات بعد توقيف أحمد سليم ميقاتي، ومن ضمنها خطط ينوي المتطرفون تنفيذها بهدف وصل الساحل اللبناني بالقلمون السوري، وذلك من خلال السيطرة على الساحل وعكار وصولاً حتى طرابلس مما كان سيوقع الهرمل وبعض القرى المسيحية في البقاع الشرقي بين فكي كماشة، أو تحت سيطرة "داعش" و"النصرة".
ومع تنفيذ الجيش لعمليته بدا واضحاً ان مجموعات مسلحة مختلفة كانت تنتظر الساعة الصفر للتحرك، وبالتالي الانقضاض على الجيش، الا ان التحرك السريع للجيش اللبناني وتنفيذه ضربة قوية ادت الى تراجع مجموعات عن التحرك، وتضعضعها وعزوفها عن المشاركة، وبالتالي كان لتدخل سلاحي البحر والجو نتيجة اساسية في عملية التأثير على المخلين بالأمن لجهة احساسهم بتفوق القدرة العسكرية للجيش وقدرته على ضرب المخلين.
وفي معلومات توافرت لموقعنا فان الجيش اللبناني الذي تحرك بناء على المعطيات الاخيرة التي وصلته، واجه اسلحة عسكرية متطورة كان من ضمنها عبوات ناسفة يتم تفجيرها لاسلكياً عن بعد وقناصات، اضافة الى قاذفات صورايخ. كما استخدم المسلحون اجهزة اتصال لاسلكية متقدمة. الى ان اكبر التحديات التي واجهت الجيش اللبناني كان اتخاذ المسلحين للسكان بمثابة دروع بشرية، مما خفف من مرونة الجيش في التعامل مع العدو. وربما ابرز ما يجب التوقف عنده هو كيفية حصول هؤلاء الارهابيين على هذا الكم من السلاح الذي لم يكونوا ليحصلوا عليه لولا توافر غطاء سياسي كبير لهم في الفترات السابقة، وربما ما زال مستمراً حتى اليوم. أما بعض النواب من المتعاطفين مع المسلحين فيبدو انهم حصلوا ايضاً على تسوية ربما تفضي الى لفلفة ما اقترفوا من جرم في حق المؤسسة اللبنانية الاولى، مؤسسة الجيش اللبناني.
بالمحصلة يمكن التوقف عند التالي:
اولاً: ان العملية التي جرت خلال اليومين الاخيرين اظهرت القدرة والقوة الكبيرة للمجموعات المتطرفة.
ثانياً: تبين وجود غطاء سياسي للمجموعات ظهر من خلال الكم الكبير من الاسلحة التي بحوزتهم والتي لم يكونوا ليحصلوا عليها لولا هذا الغطاء والدعم.
ثالثاً: لم تكن القوى الامنية تقدر حجم القوى العسكرية التي واجهتها والمدى الجغرافي الواسع التي استطاعت التحرك من خلاله.
رابعاً: ضرورة حصول الجيش على السلاح النوعي لمواجهة حالات مماثلة وبهذا الحجم والخطورة.
خامساً: وجود قيادة لهذه القوى المعادية عملت على ادارة العملية العسكرية ونسقت بين المجموعات المتطرفة المختلفة.
واخيراً، وفي خضم الازمة الحالية لا بد من تحية كبيرة نوجهها الى الجيش اللبناني درع الوطن، والى شهدائنا الابطال الذين سقطوا وهم يحملون مشعل الشرف والتضحية والوفاء.