hit counter script

مقالات مختارة - دنيز عطالله حداد

هل يخسر الراعي مجدداً معركة التمديد؟

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 07:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

رمى البطريرك بشارة الراعي ما يشبه الحرم على التمديد، وغادر الى استراليا. اسقط آخر «ورقة توت» مسيحية يمكن ان يستر بها الحلفاء والخصوم المسلمون عورة التمديد، وسافر متفقدا الرعية الاسترالية، تاركا رعاياه اللبنانيين في عراء انقساماتهم.
وكعادته، يذهب البطريرك بعيدا، ليس في الجغرافيا فقط، انما في المواقف ايضا. فبعد ان صرح في روما انه وسعد الحريري يتكلمان «اللغة نفسها»، عاد و«أوضح» في بيروت ان «هم الرئيس الحريري نقطة اساسية، (...) منعا من حصول الفراغ ليس امامنا الا التمديد. وقد قلت له انا لا اتدخل في هذا الموضوع لاننا لا نزال نخالف، وما دمتم تريدون التمديد فأنتم تخالفون بذلك الدستور، وتخالفون رأي الشعب اللبناني». وجزم انه لن يبارك لاحد بالتمديد.
مرة جديدة يقع البطريرك في تناقض المواقف، أقله في الشكل. والشكل يأتي معطوفا على توضيحات «شكلية» كثيرة سبقته، و«فهم مغلوط» ومكرر لمقاصد البطريرك، تزيد من ضعف تأثير بكركي وبطريركها، بألطف توصيف.
يحاول احد رجال الدين شرح الالتباس في فهم مقاصد الراعي، فيوضح أنه «عندما قال البطريرك انه يتكلم والحريري اللغة نفسها كان يقصد موضوعا محددا ومعروفا وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا ما يصرح به الحريري علنا وهو ما يكرره البطريرك».
يضيف مستنكرا «كيف يمكن لعاقل، ولمن يملك حدا ادنى من المعرفة بتاريخ لبنان والبطريركية المارونية ان يتصور ان بطريركا يمكنه ان يغطي مخالفة دستورية؟ ان مواقف البطريرك مبدئية تنطلق من حرصه على الالتزام بالدستور والقوانين التي تفرض احترام المهل والالتزام بمواقيتها. والخلل باستحقاق والنكث به، لا يفرض مواصلة السير على الدرب نفسه، بل وضع حد سريع للشلل والتعطيل اللذين يضربان كل مؤسسات الدولة».
يكتفي رجل الدين بهذا القدر من الشرح، رافضا الاجابة عن اسئلة كثيرة. مثله يفعل عدد من الاساقفة والمسؤولين الكنسيين، فيما كان لافتا للانتباه كلام رئيس اساقفة بيروت بولس مطر الذي شرح ان «البطريرك لم يقل انه يرفض التمديد اذا كان تمديدا للضرورة».
تضيف هذه المواقف ضياعا الى ضياع اللبنانيين في فهم المقاصد البطريركية، فلا تُعرف الاجابة على تساؤلات مشروعة، منها مثلا ألم يكن الراعي يعرف ان الحريري يريد من خلال اللقاء به تحديدا تغطية التمديد للانتخابات النيابية بعد تمنع الاحزاب المسيحية الحليفة عن ذلك؟ ان كان يعرف وتحدث بـ«اللغة نفسها» فتلك مأساة، وان لم يكن يعرف فتلك مأساة اكبر. هل ان البطريرك متأكد من ان موقفه المبدئي الصائب من التمديد سيكون له صدى ايجابي، ام انه سيضاف الى «معارك» خاسرة اخرى منها مثلا لا حصرا، قانون الانتخاب «الارثوذكسي»، وانتخابات رئاسة الجمهورية، ورفض التمديد الاول؟ هل يعرف معاني تراكم الخسائر على الدور والصورة وهالة البطريركية ومصداقيتها في الداخل والخارج؟
قد يقال إن الوقوف مع الحق والمبدأ والتمسك بالثوابت لا يُعّد خسارة. لكن ماذا عن التردد، والإقدام والإحجام؟ وقول الشيء وتصحيحه او توضيحه او حتى التراجع عنه؟ الا يعكس غيابا للرؤية والوضوح؟ هل من يخطط ويدرس ويحلل في الدوائر البطريركية؟ هل من يقوّم المعطيات ويقترح التصورات ويرسم السياسات ويناقش الافكار ويقترح التصاريح؟ ام ان النزعة البطريركية في ممارسة السلطة تغلبت على «حداثة» الاسقف الراعي الذي كان يطمح الى تحويل بكركي الى «ميني فاتيكان»؟
حين انتخب البطريرك السابع والسبعون لكرسي انطاكية وسائر المشرق بشارة الراعي افترض كثيرون انه آت ليُسهم في جمع ابنائه على «اللغة نفسها». لغة بكركي التاريخية في الثبات على الكلمة والموقف والانحياز الى الحق، تزامنا مع الانفتاح على كل نقاش وتبادل للافكار. لم يكن احد يفترض ان صورة بكركي ستتغير في نظر اللبنانيين الى هذه الدرجة.
لم يخطئ البطريرك في رفض التمديد للمجلس النيابي. موقف الكنيسة المبدئي ضد كل أشكال المس بالدستور وانتهاكه يُحسب لها وليس عليها. لكن هل بمثل هذه الطريقة تُدار الامور، وتُتخذ المواقف وتُبنى سياسات بكركي؟
في روما، بنى البطريرك على اللغة وعاد ونقضها وانتقدها في مطار بيروت، قبل التوجه الى استراليا حيث تبلغ «التكاليف الاولية لزيارته لمدة اسبوعين نحو ستمائة الف دولار اميركي»، وفق ما يؤكد احد أركان الجالية اللبنانية في استراليا.

  • شارك الخبر