hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - سليمان تقي الدين

الدين ..تحت جناح الدولة

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 07:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

إذا قبلنا أن للغرب أهدافه وأولوياته ووسائله الخاصة في التعامل مع مسألة الإرهاب، فماذا عن دول المنطقة المنخرطة في هذا «التحالف» أو تلك المعترضة عليه؟ وكيف هي تنظر لمشكلات وقضايا ونزاعات هي البيئة الحاضنة الفعلية للفوضى والعنف والتكفير؟
يتحدّث الجميع هنا تقريباً لغة سياسية واحدة ويقصدون أشياء مختلفة تماماً. لا شك في أن الإرهاب يصيب الجميع وأنه ظاهرة خارج السيطرة أو التحكّم الكامل ولديه الآن الكثير من الإمكانات ليتعاظم من خارج مرجعياته الأصلية ومصادر دعمه أو استخدامه. لكن ذلك كله يردنا إلى المسألة الأصلية التي جعلت الإرهاب المعاصر في هوية عربية أولاً وإسلامية عامة، أو من بيئة الثقافة الإسلامية في المنطقة والعالم. ويكاد لا يفصل أحد بين الإرهاب وهويته هذه ولو أنه يوزّع مسؤوليتها بشكل متفاوت كما يبدل ترتيب أسبابها.
فلا بد من الاعتراف بوجود مصدر فكري وإعداد وتأهيل عقلي ونفسي وسلوكي ومن مسوّغات أو تبريرات تتجه إلى الآخر الذي يستهدفه على اتساع مروحة هذا الآخر وتدرّج العداوة معه، وهو آخر لديه قابلية أن يكون عدواً لسبب من الأسباب أخصها السبب الديني. إلغاء الآخر في هذه الحال ليس مهمة عادية بل فريضة مقدسة إلهية. هناك صلة عضوية بين الإرهاب وبين قيام حركات سياسية على أساس ديني، حيث «التكفير» أحد العناصر المكوّنة لكل عقيدة حصرية.
قد تختلف الوسائل والأساليب والممارسات ويختلف التشدد والتعامل مع الآخر لكنه آخر لا يطابق ولا ينسجم مع العقيدة المقدسة التي يدافع عنها كل طرف أو فريق ولو داخل مكوّن لديه هوية مشتركة أو مشتركات كثيرة مع هوية الطرف الآخر. لذا نعتقد أن كل ما حققه العرب والمسلمون من تقدم نسبي خلال القرن الماضي يعود إلى الخطوات التي قطعوها باتجاه الحد من دور الدين في الاجتماع السياسي والأخذ بالثقافة المدنية ووضع حدود لدور الدين بوصفه علاقة فردانية يشترك فيها الناس وتتغيّر أو تتغاير مواقفهم بحد كبير من الحرية في الاعتقاد والسلوك. خضعت المؤسسات الدينية لحاجات الناس ولم يخضع الناس لسلطة المؤسسات الدينية وجميع مفاهيمها وغالباً تفسيراتها الضيقة والسلفية بالمعنى العقيدي والتاريخي.
التحوّل الخطير في العقود الأخيرة يتعلق بكثير من أسباب الالتجاء إلى الدين في إطار فشل المشروع المدني أياً كانت مسمياته، وإلى تنامي دور المؤسسات الدينية ثقافياً وسلطوياً ومصلحياً ونزوعها إلى الاستقلال ومواجهة السلطة المركزية السياسية وهشاشة صورتها وضعف إنجازها وخضوعها المتزايد لشرعية الثقافة الدينية، حيث هي بحاجة إلى الشرعية.
ما نحتاجه الآن هو حسم المواجهة ليس فقط مع ظاهرة من الظواهر أو تداعيات اتجاه متشدّد بل مع المبدأ نفسه الذي قام عليه استقرار معظم المجتمعات العربية التعددية، خاصة، والذي أدمج «مقاصد الشريعة» وقيمها الموجهة لخدمة الإنسان في مشروع الدولة ولم يخضع الدولة لسيطرة الهوية الدينية ومفاعيلها المتعددة الأوجه.
ما نحن فيه الآن لا يسمح بالتعايش بين هوية دينية ودولة في مجتمع بسيط التكوين موحد المرجعية الدينية، فكيف بمجتمعات تعددية التكوين والمرجعية. على هذا المستوى من المشكلة هناك زلزال داخل فضاء الإسلام السياسي نفسه بجميع اتجاهاته وتياراته وفرقه ومذاهبه، قديمها والمستحدث. ولا يمكن أن يميّز هذا عن ذاك أي ملحق سياسي لأن أحداً لا يقيس الأمور على هذا النحو في أجواء العنف ونزاعات السلطة. حتى العقيدة نفسها لا تعود أولوية مطلقة أمام احتمالات تفوق الآخر فتخضع للاستخدام السياسي والتكتيكي أكثر مما تخضع للمبادئ الكبرى. فلا مفاضلة يأخذها الجمهور في النزاعات الأهلية ولا سيما الطائفية، ولا العربية العربية، ولا الإسلامية الإسلامية، بل هناك كما نشهد في كل المسرح الملتهب في غير بلد عربي مواقف تصدر عن التزام مسبق بأطراف النزاع انطلاقاً من هوياتها الجماعية. فلا سياسة الآن، أي لا مواقف متحركة. ولا عقلانية الآن أي لا حسابات نفعية بل صراع طاحن من أجل البقاء. فهل ندرك في أي اتجاه ندير هذه المأساة العبثية؟

  • شارك الخبر