hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - إيفا الشوفي

الحرب في كلام الناس: «بعدا ما خلصت»

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 07:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

ليست الحرب الأهلية فصلاً عابراً في حياة اللبنانيين. إن عايشوها أو لم يعايشوها، تبقى تأثيراتها منعكسة على مختلف جوانب العيش. يتكلمون عنها دائماً ويستحضرونها لتوصيف الأحداث التي تحصل اليوم. لذلك أطلق المركز الدولي للعدالة الانتقالية دراسة بعنوان «كيف يتكلم الناس عن حروب لبنان»

 


لم تنته الحرب الأهلية عام 1990. العفو العام واتفاق الطائف أنهياها بين الزعماء، إلا أن أبواب الحرب بقيت مفتوحة لدى الشعب يدخلها ويغادرها في ظل غياب نقاش جدي يحدّد المسؤوليات، وعدم اتباع آلية واضحة لعدالة انتقالية تصلح ما دُمّر. فالزعماء، مجرمو الحرب، يخافون من المعرفة تحديداً إذا اجتمعت مع العدالة، عندها يصبح الخطر أن تتحوّل المعرفة إلى أدلّة جنائية.

من هنا أطلق المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومؤسسة فريدريتش ايبرت، أمس، دراسة بعنوان «كيف يتكلم الناس عن حروب لبنان: دراسة حول تجارب سكان بيروت الكبرى وتطلعاتهم»، ومجموعة توصيات حول «مواجهة إرث العنف السياسي في لبنان: برنامج للتغيير».
بين عامي 1975 و1990 نزح ما يقارب 700 ألف شخص. ارتُكبت مجازر من قبل كل الفصائل المقاتلة، بما في ذلك مذبحة الكرنتينا عام 1976،

جهود المصالحة
لم تشمل أشخاصاً خارج دوائر النخبة السياسية
مذبحة المسيحيين في الدامور ومجزرة تل الزعتر. تضرّر اللبنانيون بشدة جراء ذلك، إذ تشير التقديرات إلى مقتل نحو 2.7% من سكان لبنان في أعمال العنف، وجرح 4%، وهجرة نحو ثلث السكان. هكذا يتكلّم الباحثون والأساتذة وجميع الذين يتعاملون مع الحرب كمادة علمية. يبحثون عن أرقامٍ وإحصاءات، عن قصص يوثقون عبرها انتهاكات المواثيق والقوانين. قليلون سألوا كيف يتكلّم الناس عن الحرب، كيف يروي الذين عاشوا فصول الحرب مآسيهم، كيف لا تزال الحرب مشتعلة في قلوب أهالي المخفيين قسراً على الرغم من مرور أكثر من 20 عاماً على انتهائها. قليلون استمعوا لذاك الجيل الشاب الذي ولد خلال الحرب، وإلى اليوم لا نريد للجيل الذي ولد بعد الحرب أن يعرف ماذا حصل. هؤلاء يتحدثون بطريقة أخرى، من دون أرقام أو لغة فصحى أو كلمات منتقاة، مثل محمد من الشياح الذي يروي معاناة التهجير «أنا عندي التهجير كان أصعب شي. بيتنا على خط التماس على طريق صيدا القديمة. تركناه أكثر من 15 سنة، إنو بيتك ما قادر ترجعلو!». أما مهى، المسنّة الفلسطينية القاطنة في مخيم برج البراجنة، فتخبر مشاهداتها: «حرب المخيمات أكثر شي تأذّينا منها، أكثر من مجزرة صبرا وشاتيلا. لا كانوا يرحموا طفل أو امرأة ولا شب. الشجر كانوا يحرقوه». روز القادمة من الأشرفية تعلن أن «أبشع حرب كانت بين القوات والكتائب. إخوة قتلوا بعضن!». ونادر من الحمرا يقول «بتكون إنت رجال مع عيلتك، بنزلوك من السيارة وببهدلوك، حدا بيعملك شي ببيك أو أمك. بتضلها الفكرة معك للأبد». للـ»ناس» ذاكرة مغايرة، ذاكرة تقوم على اختصار الحرب بأحداث فردية على مستوى الأسرة والمحيط الضيّق من دون التعمّق أكثر. ستبقى هذه الذاكرة تنتقل كما هي، مهما كانت درجة صدقيّتها، عبر الأجيال إلى أن يأتي يوم يواجهون فيه إرث الحرب ويتوضّح كل شيء. الدراسة التي أُطلقت أمس توثّق الطريقة التي يرى ويتحدث بها أعضاء من مختلف شرائح المجتمع اللبناني عن المسائل المتعلقة بالحقيقة، الذاكرة، العدالة، المحاسبة والمصالحة وتوقعاتهم بشأن أساليب مواجهة إرث العنف السياسي. على الرغم من قلّة عدد الشعب اللبناني، هناك اختلافات كثيرة إضافة إلى توجهات طائفية وديمغرافية جمّة. «الحرب لم تنته بعد والبلاد دخلت مرحلة جديدة من النزاع»، هذا ما أجمع عليه المشاركون في الدراسة، إذ إنه في السنوات الأخيرة تجلت أعمال العنف على نحو متزايد ليس على المستويين الجسدي والأمني فحسب بل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي أيضاً، ليتضح أن لبنان هو أبعد ما يكون عن مرحلة انتقالية حقيقية تنطلق من العنف السياسي إلى سلام مستدام. فالمبادرات الرسمية تبنت سياسة فقدان الذاكرة على أوسع نطاق، وجهود المصالحة لم تشمل أشخاصاً خارج دوائر النخبة السياسية. تظهر الدراسة تباينات بين المشاركين حسب الأجيال، النوع الاجتماعي ودرجة التعرض للعنف. الأشخاص الذين ولدوا بعد عام 1990 كانوا الأكثر تأييدا لعملية المصارحة غير المقيدة التي تصور رؤية واسعة للحقيقة، وأوضحوا أنهم بحاجة إلى المزيد من التفصيل حول أعمال العنف الماضية. لكن المشاركين الأكبر سناً أعربوا عن قلق حول عمليات التوضيح الواسعة النطاق التي تعزز الانقسامات الطائفية. الفكرة الأكثر شيوعاً عن العدالة لم تقتصر على المحاسبة الجنائية بل ركزت على المساواة القانونية بين الجميع. أيّد الأكبر سناً مسألة حصر المحاسبة بالقادة السياسيين، بينما دعا الأصغر سناً إلى توسيع نطاق المحاسبة لتشمل القادة والمقاتلين. رفض ضحايا العنف المباشر إمكانية الإنصاف والشفاء، في حين دعا الضحايا غير المباشرين إلى اعتماد مقاربة مشتركة بين الأجيال لتحقيق العدالة. الشعور الموحد الذي جمع الكل هو انعدام الثقة بالقيادة السياسية والبنى الحكومية القائمة لتعزيز عمليات العدالة الانتقالية. عندما صدر قرار العفو عام 1991 عفا الزعماء بعضهم عن بعض، عن مجازرهم وإباداتهم، تصالحوا. لكن الـ»ناس» لم يعفوا ولم يتصالحوا. فهؤلاء الوحيدون الذين خسروا، خسروا أحباء وممتلكات ومستقبلاً، بينما الزعماء لم يخسروا شيئاً، على العكس كرّسوا سلطتهم أكثر. بقي الناس عالقين في تلك الحقبة، لأن العدالة الانتقالية لم تأخذ مجراها، لأن أحداً لم يسأل الضحايا ماذا يريدون، ولأن أحداً لم يقدّم تأريخاً صحيحاً لأحداث هذه الحرب.


توصيات عدة أطلقها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، أبرزها معالجة ملف المفقودين والمخفيين قسراً عبر إنشاء لجنة مستقلة لإجراء تحقيقات شاملة، وتلبية حاجات ضحايا العنف السياسي. وعلى الصعيد القانوني تعديل الفقرة 9 من المادة 53 من الدستور عبر إضافة عبارة تنص على منع إصدار العفو بحق مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. كذلك تفعيل المجلس الدستوري وإنشاء المحكمة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء وتأمين المساواة أمام القانون والمصادقة على اتفاقية روما.
 

  • شارك الخبر