hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

هل يكون ميشال سليمان آخر رئيس للجمهورية اللبنانية؟

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 08:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عندما قلت منذ أكثر من سنتين اننا ذاهبون إلى فراغ في موقع رئاسة الجمهورية والى تمديد لمجلس النواب ( وصح مع الاسف ما قلته ) استغرب كثيرون نزعتي " التشاؤمية " وانا استغربت " استغرابهم" لأن ما قلته لم يكن مستنداً إلا إلى رؤية واقعية وموضوعية للأوضاع ومسارها في لبنان والمنطقة والتي تسير من سيء إلى أسوأ، وعندما فنّدنا وشرحنا قبل ثلاثة أشهر الاسباب الدستورية والسياسية والامنية التي توجب التمديد وقلت ان الأسباب والظروف التي دعت إلى تمديد ولاية مجلس النواب العام الماضي ما تزال على حالها لا بل ازدادت صعوبة وتعقيداً وخطراً وان اكمال الولاية الممددة لهذا المجلس يبقى الخيار الأفضل والأنسب لهذه المرحلة، استغرب ايضاً كثيرون كيف أدافع عن التمديد ولا أطالب وفق مقتضيات النظام البرلماني الديمقراطي بانتخابات وتداول للسلطة وتجديد للطبقة السياسية فكان جوابي ان الوقت ليس وقت ديمقراطيات واختبارات قوة وتسجيل نقاط، بل ان الوقت هو للوحدة بين اللبنانيين ولوضع الخلافات والصراعات السياسية الداخلية جانباً لمواجهة هذه المرحلة صفاً واحداً كونها من اخطر واصعب المراحل التي مرت وتمر على لبنان منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا .
 وعندما لم أتقدم بترشيحي إلى الانتخابات النيابية مؤخراً لرفضي المشاركة في الاستهزاء بعقول الناس ولقناعتي انه لا يمكن اجراء انتخابات في هذه الظروف، جاء من يقول لي انك مخطىء فالانتخابات ستجري في موعدها وهناك اصرار من الجميع على ذلك، فكان جوابي ان معظم هذه الطبقة السياسية تكذب كما تتنفس وتقول للناس عكس ما تضمر وراهنت مع كثيرين انه لا انتخابات ولا من ينتخبون وصحّ ايضاً ما قلته.
  كتبت هذه المقدمة لاقول ان اجراء الانتخابات النيابية في هذا الظرف يحول دونه عقبات وعوائق كثيرة دستورية وأمنية وسياسية فعلى الصعيد الدستوري من المستحيل اجراء انتخابات نيابية في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية لان ذلك سيؤدي إلى تعميق الفراغ وتعميمه بحيث لا يعود فراغاً رئاسياً وحسب وانما يصبح فراغاً قاتلاً على كل المستويات خصوصاً مع تعذر تشكيل حكومة جديدة وفي غياب رئيس للجمهورية يوقع ويجري مشاورات ويصدر مراسيم ومع حتمية استقالة الحكومة الحالية بعد انتخاب مجلس نيابي جديد ... اما الاعتبارات الأمنية وهي الهاجس الاكبر فمن المستحيل اجراء انتخابات في ظل هذه الاوضاع الامنية الخطيرة وفي ظل ما يحصل من احداث ومواجهات في جرود عرسال وبريتال وبعد تصدّع الخطة الأمنية في طرابلس وفي ظل انشغال الجيش اللبناني بمعركته القاسية ضد الارهاب مما يستحيل معه فصل وحدات عسكرية لتأمين أمن وحماية الانتخابات وهذا عائق آخر واساسي لاجراء العملية الانتخابية، اما الاعتبارات السياسية فحدث ولا حرج خصوصاً في ظل ما هو حاصل من انقسامات طائفية ومذهبية وسياسية بين القوى والاحزاب السياسية المتصارعة وارتباط هذه القوى باجندات اقليمية وهذه اعتبارات لا تقل أهمية عن الاعتبارات " الدستورية والأمنية " .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا ستقدم او تأخر هذه الانتخابات اذا جرت على أساس قانون الـ 60 وهو القانون المعتمد حاليآ ؟ من المؤكد ان هذه الانتخابات لن تأتي بجديد ولن تنتج تغييراً أو تجديداً في الطبقة السياسية بل على العكس تماماً فاننا سنعود ونرى الوجوه ذاتها بلونها السياسي الباهت وسنسمع التصريحات والمواقف السخيفة ذاتها تجتّر نفسها، وسيعودون هم انفسهم للتباري في فن الثرثرة السياسية .
من هنا فان أي تصحيح واصلاح في النظام والمسار التطبيقي للطائف، واي تغيير وتجديد في الطبقة السياسية، وأية معالجة للشكوى المسيحية المزمنة من التهميش والغبن والاجحاف، كل ذلك لا يمكن ان يحصل إلا مع قانون انتخابات جديد يؤمن تمثيلاً شعبياً صحيحاً وعادلاً ويحقق التوازن السياسي والطائفي فلا تهيمن فئة على أخرى ولا تمد طائفة يدها إلى جعبة طائفة أخرى ولا تتدخل في شؤونها الداخلية ولا تصادر أو تضعف مشاركتها في الحكم والقرار الوطني .
كلنا يعرف ان المشكلة ليست في المجلس النيابي حتى يكون الحل في الانتخابات النيابية .. المشكلة هي ان لبنان يمر منذ سنوات بأزمة متشعّبة وعميقة تمس جوهر نظامنا السياسي الطائفي وصلب المعادلة الوطنية القائمة على توازنات دقيقة وهذه الأزمة هي في الاساس أزمة نظام زادتها الانقسامات المذهبية والعواصف الاقليمية صعوبة وتعقيداً وخطراً وجعلتها " أزمة مفتوحة".
لكن اذا كنا نقرّ بكل هذه العراقيل فهذا لا يعني ابداً ان التمديد يجب ان يدفع إلى حال استرخاء سياسي وإلى " تعايش " مع الوضع الشاذ وغير الطبيعي، فالمطلوب من مجلس النواب والحكومة مضاعفة العمل والانتاجية بعد التمديد العتيد من اجل تسهيل أمور المواطنين أقله في الامور اليومية المعيشية والاقتصادية والاجتماعية حتى يتمكنوا من الصمود وعدم الهجرة والعيش بكرامة في ظل الازمة الخطيرة والصعبة التي تعيشها البلاد .
من هنا يجب ان يكون التمديد مشروطاً بأمرين ( وهذا مطلوب بالدرجة الأولى من كل النواب المسيحيين 8 و 14 اذار والمستقلين لوضع جميع النواب الاخرين امام مسؤولياتهم ايضاً ) أولاً : انتخاب رئيس جديد للجمهورية ثانياً: وضع قانون جديد للانتخابات في فترة لا تتعدى السنة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا انه إذا كان المكّون السنّي في النظام اللبناني ضَمِنَ المحافظة على الحكومة ورئاستها، والمكّون الشيعي في النظام اللبناني ضَمِنَ المحافظة على المجلس ورئاسته لسنتين وسبعة أشهر إضافية، فما الذي يمنع المكّون المسيحي من المحافظة على رئاسة الجمهورية ؟ واذا كان التفاهم بين (السنّة والشيعة) على رغم كل الخلافات الكبيرة بينهما سيتيح تمرير التمديد النيابي فلماذا لا يحصل تفاهم بين مسيحيي 8 ومسيحيي 14 اذار لضمان المحافظة على الموقع المسيحي الاول في الدولة قبل فوات الاوان، هذا بالرغم من ان انتخابات رئاسة الجمهورية العالقة منذ ستة أشهر دونها عراقيل كثيرة وانه لم تظهر حتى الآن اية اشارات تدل ان الوقت حان لانتخابات رئاسية او ان الظروف اصبحت ناضجة لانتخاب رئيس وذلك لثلاثة أسباب محلية واقليمية ودولية :
1 - محلية وتتصل تحديداً بالعماد ميشال عون وموقفه واستمراره مرشحاً واحداً وحيداً لقوى 8 اذار. فبغض النظر من الموقف السياسي تجاه هذا الرجل، احببته ام لا، ايدته في السياسة أم خاصمته، لكن لا يمكن لاحد الانكار انه " العقدة والحلّ " في آن معاً ... صحيح ان العماد عون محق في طموحه الرئاسي وصحيح ايضاً ان لعون ثقله البرلماني وتمثيله الشعبي في الشارع المسيحي ، ولكن هذا لا يعني ان لديه الحق في استمراره عائقاً أمام انتخاب رئيس للجمهورية طالما ان فرصه بالفوز والنجاح غير مؤمّنة وطالما انه بانتظار توافق لبناني عام على اسمه ... فالرغبة والارادة في ان يصبح رئيساً شيء، والقدرة على ان يصبح رئيساً ويحصل توافق حول اسمه شيء آخر.
2- اقليمية وهي الأهم كونها تشكل العقدة الاكبر في موضوع الاستحقاق الرئاسي وتتعلّق بالتفاهم السعودي – الايراني والصراع الذي يدور في المنطقة وانعكاساته على الداخل اللبناني وعلى القوى المرتبطة بهذين البلدين، فلا أحد يمكنه انكار الواقع الذي يقول ان للمملكة العربية السعودية والجمهورية الايرانية الإسلامية نفوذ وتأثير قوي على قوى سياسية اساسية في لبنان، وان الاستحقاق الرئاسي ليس فقط صنيعة توافق داخلي وانما ايضاً هو نتاج تفاهم اقليمي ودولي يساعد على انضاج الاتفاق على اسم الرئيس العتيد .
3- الدولية وهي تلعب دوراً أساسياً ومهماً في رسم الصورة المستقبلية للبنان فليس خافياً على احد ان معالم خريطة جديدة بدأت ترسم في العراق وسوريا والسؤال هنا اذا كان تفتيت المنطقة وتقسيمها الى دويلات طائفية ومذهبية هو المشروع والهدف من كل ما يحصل في المنطقة فلماذا تسهيل الاتفاق بين القوى اللبنانية المرتبطة باجندات اقليمية ودولية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية واعادة تكوين دولة وقيام مؤسسات واظهار لبنان على انه بلد موحد طالما ان المنطقة متجهة نحو التقسيم وهذا ما يجعلني أتساءل دائماً هل يكون ميشال سليمان آخر رئيس للجمهورية اللبنانية الواحدة .
لكن على رغم كل ذلك على السياسيين المسيحيين ان يعرفوا انه حتى لو كان العامل الاقليمي والدولي مؤثراً ونافذاً، فان ذلك لا يعفيهم من مسؤولية الجلوس الى طاولة واحدة لمواجهة المرحلة القادمة بموقف موحد وبمسؤولية وطنية، آن الأوان لرؤساء الاحزاب المسيحية في 8 و 14 ان يلتقوا ويتفقوا ويتوحدوا في ظل هذه الظروف الاقليمية الخطيرة وفي ظل هذه التهديدات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة وما يتعرض له المسيحيون في المنطقة من اضطهاد وقتل وذبح وتهجير لمواجهة ما هو قادم علينا بيد واحدة ورؤية واحدة وموقف واحد ومن اجل وضع استراتيجية مسيحية لمواجهة كل الاحتمالات القادمة فلا يجوز ان تبقوا في دائرة رد الفعل وجلد الذات والتبعية لهذا او ذاك من الطوائف الاخرى والاستمرار في احقادكم المزمنة ... بادروا توحدوا تحملوا مسؤوليتكم امام الله والناس والتاريخ ولو لمرة واحدة، الناس قلقة وخائفة على مستقبلها ومصيرها حافظوا على الوجود والدور المسيحي كونوا حاضرين لمواجهة كل الاحتمالات بيد واحدة خدمة لشعبكم الذي لم يتخلى عنكم في احلك الظروف وفي عز دين زمن الوصاية .
 

  • شارك الخبر