hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - كلير شكر

حوار «البيك» و«الحكيم»: كل في موقعه

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 07:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

في هذه الأيام، يدير وليد الجنبلاط أذنه الموسيقية لنشيد «لبلادي» الذي تؤديه الشقيقتان السوريتان فايا وريحان يونان. نشيد يعبر عن وجع دمشق النازفة وبغداد الممزقة وبيروت المعاندة وفلسطين الضائعة.
بنظره «الماضي مجيد ورومنسي وكانت مدنه مزهرة، أما الحاضر فهو العنف والموت، والمستقبل دم وفوضى». كلمات معدودة تختزل نظرة الرجل إلى كل ما يجري من حوله.
على باب «قلعة معراب»، وقف سمير جعجع منتظراً «أبو تيمور»، وإلى جانبه ستريدا بفستانها الأبيض ومعهما نائب البترون انطوان زهرا. زيارة طال انتظارها. كان يفترض أن تحصل من أسابيع، وإذ بها تتأجل تحت وطأة «صواريخ الهرطقة والغباء» الصادرة من المختارة... وردّ معراب الخجول الموجّه إلى «الصديق».
بثيابه «السبور»، وخصوصا الجاكيت الجلدية السوداء، نزل الضيف ووراءه «زاده الرئاسي» ـ مرشحه الدائم هنري حلو، وقد تقصّد تقديمه ممازحاً مستقبليه «أعرفكم إلى مرشحي هنري حلو».
رافق جنبلاط الثابت التاريخي في الشـوف ابن المختارة الكاثوليكي نعمة طعمة العامل الدائم على خط معراب ـ كليمنصو، ثم غازي العريضي الذي أغدق بالضحكات والقبلات على مستقبليه.
في صالون «مانديلا»، أنهى جنبلاط شريط لقاءاته مع «كبار اللاعبين الموارنة. مسعى يدرك سلفاً أنّ بلوغه خواتيمه السعيدة، هو ضرب من ضروب الخيال. لكن خطورة الوضع تستدعي المحاولة.
مع تحول «داعش» لاعباً مؤثراً في المنطقة، واستطراداً امتدادها إلى الخاصرة اللبنانية الرخوة، اختلفت المقاربات. أقله من المنظار الجنبلاطي. صارت الرئاسة قطعة من «البازل» السياسي ـ الأمني المهدد بالانفراط.
لهذا، فإنّ الحوار غير المشروط، ولو أنه متواضع بنتائجه، هو شرّ لا بدّ منه. مذ قرر رئيس «الاشتراكي» التحرر من قيود الإصطفافات الآذارية، بدا أنّ الرجل يرفض منطق العودة إلى الوراء. إلى سياسة المحاور المقفلة.
بنظره، لا بدّ من حوار مباشر بين «شركاء الوطن»، مهما طال زمن الخصومات. هم أصلاً موجودون على مائدة تمام سلام الحكومية يتقاسمون «خبزها وملحها»، وبالتالي لا حراجة في توسيع بيكار التواصل، من باب تحصين الوضع الداخلي والعمل على تسجيل بعض الخروق الممكنة.
هنا، يعول جنبلاط على حوار «حزب الله» و«المستقبل» بوصفه حجر أساس العمارة الحوارية اللبنانية. ولهذا يردد الجنبلاطيون في كل جلساتهم مع الآخرين هذا الكلام ويشددون على ضرورة إسقاط السواتر السياسية بين الضاحية الجنوبية و«بيت الوسط»، لا بل هم قاموا بمحاولة وكانت النتيجة عدم حماسة أحد الطرفين نهائيا للحوار في هذه اللحظة!
بهذا المعنى يحاول «الاشتراكيون» بعد كل جلسة حوارية، توثيق تقييمهم لنتائج اللقاء، من خلال مراكمة النقاط المتفق عليها، والعمل على تثبيتها والاستفادة منها في حركتهم المكوكية بين الخنادق المتخاصمة.
هكذا كان اللقاء في ضيافة معراب من دون قفازات. أفرغ كل من الحاضرين ما في رأسه من مخاوف وأفكار. فجردوا المنطقة بكل تحدياتها الجيوسياسية، وفنّدوا الداخل اللبناني بكل مطباته وتبايناته. لكن بقي كل منهم عند حدود مواقفه. في المحصلة، هو حوار كل شيء... واللا شيء.
لا خرق استثنائيا في مسألة رئاسة الجمهورية، لأنّ الفريقين يدركان أنّ تعقيدات هذا الملف أصعب من أن تحلّ بلقاء ثنائي. ولهذا تواضع الرجلان في طموحاتهما وتطلعاتهما.
بعد جلسة الممالحة التي استمرت ثلاث ساعات، عاد وليد جنبلاط إلى «صومعته» من دون أن يروي غليل الباحثــين عن اتجاهات الريح بين المختارة ومعراب.
لكن ما خبأه «البيك» الدرزي في جيبه، فضحته الكتب التي «اختالت» ذهاباً وإياباً بين المضيفين وضيفهم. إذ لم يعد «أبو تيمور» وحده يتباهى بعادة «تثقيف» الآخرين. صار ذلك عرفاً مكرساً في حضرته أينما حلّ، وقد تحوّل اللقاء بين «الحكيم» و«البيك»، إلى حوار بالكتب المشفّرة.
وأكد رئيس «اللقاء الديموقراطي» ان «الحوار كان صريحاً وإيجابياً، بحيث كانت هناك نقاط التقاء ونقاط خلاف ولكن في النهاية لا يوجد إلا الحوار». وقال «هنري حلو مرشحنا وما زال».
بدوره، قال جعجع إنّ «الحديث كان معمّقاً نظراً لأهمية الأحداث التي نمرُّ بها»، لافتاً الانتباه إلى أنّه «لا اختلاف حول ضرورة ترتيب أوضاعنا الداخلية، كلٌّ منا وفق طريقته».
وأكد أنّه «لا جديد في الموضوع الرئاسي، فالفريق الآخر ما زال على وضعه ومتمسكاً بموقفه»، مشيراً الى ان «الملف الأمني كان في صلب مباحثاتنا». وأكد ان «مبادرة 14 آذار الرئاسية التي طرحتها بنفسي ما زالت قائمة ولكن للأسف لا تجاوب من الفريق الآخر حتى الآن».
وشدد على ان «الوضعية اللبنانية بأكملها تحتاج الى لملمة تبدأ بانتخاب رئيس جديد للبلاد، الأمر الذي لا يتطلب الكثير من «الشطارة» والتدخلات الاقليمية والدولية، بل جلّ ما في الأمر أن تتوجّه الكتلتان المعطلتان للنصاب الى المجلس النيابي للقيام بواجبهما الوطني بانتخاب رئيس جمهورية جديد».
وكان جنبلاط قدم كتابين: الأول بعنوان: «Zohar « وهو كتاب قديم باللغة الآرامية يتحدث عن الكباليين القدامى، والمعروف عنه أنه لم يكن على شكل كتاب كما هو الآن ويُقال أن آدم وبطاركة الكتاب المقدس كانوا يملكون «الزوهار».
ويكمن مغزى هذا الكتاب السياسي في كونه يعبر عن فكر أقلية يهودية لا تؤمن بقيام دولة إسرائيل لا بل تعتبرها نهاية اليهود. وقد ردّ «البيك» على جعجع حين سأله عن كيفية فهمه إذا كان مكتوباً بالآرامية بالقول «يكفي تصفحه كي تستريح النفس والروح».
أما الكتاب الثاني فهو باللغة الفرنسية بعنوان «Le rêve du Celte» للكاتب Mario Vargas Llosa، وقد دوّن عليه جنبلاط: «عزيزي د. جعجع، إنه تاريخ الجرائم المرتكبة باسم الله..»
بدوره قدّم جعجع لجنبلاط كتابين، الأول بعنوان «فلسفة التاريخ» للفيلسوف الألماني Georg Wilhelm Friedrich Hegel، والكتاب الثاني بعنوان: «نشأة المقاومة اللبنانية» للكاتب نادر مومني، بحيث دوّن عليه جعجع: «للتاريخ اتجاهٌ واحد لا يجب تجاهله».
اما ستريدا فقد أهدت ضيفها كتاباً باللغة الفرنسية تحت عنوان «L’art de la guerre» للفيلسوف الصيني Sun Tzu دوّنت عليه: «الى الصديق وليد جنبلاط، هذا الكتاب هو درسٌ عن الحكمة، وعن فن الحياة. الحكمة التي تتمتع بها الطائفة الدرزية الكريمة، وأنتَ طبعاً على رأسها. لكن الحياة تحتاج الى الجرأة، كالتي عوّدتنا عليها في العام 2005. كنت أتمنى أن نكمل معاً، ونبقى في نفس التموضع السياسي، لكن أنا متأكدة لا محالة، لأنك قارئٌ جيّد في التاريخ أننا سنعود ونلتقي».
«نعود ونلتقي» لم تمر مرور الكرام عند جنبلاط، فأكد لستريدا أنّه مرتاح إلى موقعه الحالي، ومستمر فيه.
أما الدعوة الى زيارة مجسم زنزانة جعجع في أحد أقبية معراب، فقد رفض جنبلاط تلبيتها، مؤكدا أنه ضد الفكرة اساسا.

  • شارك الخبر