hit counter script

مقالات مختارة - عارف مغامس

من دارة "أبو وائل" الى منبر "الأزهر": جنبلاط قال كلمته ومضى

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

خلال زيارته منذ أكثر من اسبوعين إلى قرى راشيا والبقاع وحاصبيا والعرقوب وشبعا، قال رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط كلمته ومضى، تاركا لأصدائها ومفاعيلها أن تمارس فعل السحر في شريط قروي ذي جغرافيا تقع على تخوم جبل الشيخ، حيث ملأ جنبلاط وادي التيم وشغل أهله، مذ وطأت قدماه برفقة نجله تيمور أرض بلدة الخلوات في قضاء حاصبيا، ليحل ضيفا لليلتين ،في منزل حجري قديم، اتسع لمئات المقاومين إبان الثورة الفلسطينية وتشكلها في جنوب لبنان، دارة ” أبو وائل” وهبي أبو فاعور الذي يعرف جنبلاط طينته التقدمية ورمزيته الحزبية جيدا، والتي خبرها في أحلك الظروف قساوة ومرارة، وعرف أصالتها ومنبتها الطيب ونبوغها مع نجل أبو فاعور النائب والوزير وائل أبو فاعور الذي يتابع معظم الملفات الجنبلاطية بتفان ومسؤولية كبيرة جعلته محور السياسة اللبنانية ونجمها الأول، فليس أدل من تلك الاقامة المعنوية للتأكيد على مبادلة الوفاء بالمحبة والتقدير.
جال جنبلاط في طرقات الخلوات وأزقتها الضيقة التي تتسع للقادة، دخل بعض منازلها كاشفا معالمها، سائلا أصحاب المنازل عن تاريخ حجارتها القديمة،والتراثية لا سيما تلك المجاورة لدارة ” أبو وائل”.
وبعيدا عن قصر المختارة، أمضى البيك ليلته الأولى والثانية ساهرا ومستفسرا عن تفاصيل تخص القرى واهلها، نام قرير العين في قرية وادعة تزنرها أشجار الصنوبر المثمر، وشجرات زيتون عتيقة، وتطيب مداها المفتوح على فلسطين أشجار التين واللوز والصبير،ودوالي العنب.
انطلقت الجولة الجنبلاطية، وجهتها نسيج أجتماعي متنوع في منطقة، ذات تاريخ نضالي مشترك، قديمه وحديثه، وفي كل محطة، ثوابت جنبلاطية يؤكد عليها على طريقته، وباسلوب تختلف فيه طرائق التعبير وعلامات الوجه والنبر، وهو المدرك تماما أن الأولوية في زمن الإرتجال والشائعات والمحن والحماس المفرط، إلى لغة الحسم والحزم في اتخاذ المواقف، والعقل والحكمة في إدارة الأزمة، وحسن التصرف حيال واقع أمني وعسكري شديد الحساسية، على بعد أميال من النار السورية التي يسعى جنبلاط من خلال حراكه إلى رفع السواتر التي تمنع تمددها إلى المنطقة، عبر شبكة أمان اجتماعية وطنية وسياسية، قوامها مكونات تلك القرى من أحزاب وتيارات سياسية ومرجعيات دينية واجتماعية، إلتقاها جنبلاط خلال جولته.
وبحسب النائب جنبلاط شبعا ليست عرسال، وعرسال ليست قندهار، يصر على التعاون الكامل مع الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري لوأد الفتنة، قالها في مدوخا “رفقة عمر مع رفيق الحريري ومع سعد الحريري، مليئة بالذكريات بالعواطف بالمحطات النضالية”.
في أكثر من محطة له، يعرب جنبلاط عن خشيته من الخطر الكبير خطر الإرهاب وخطر الجهل، “امامنا مراحل قد تكون اصعب بكثير من المراحل السابقة، وما يأتينا اليوم، هو ربما اكثر واخطر من الماضي ولست لوحدي، يرفض جنبلاط منطق الحمايات الذاتية، وعنده الاعتداء على النازحين السوريين خط أحمر وجريمة وجهل.
جنبلاط الذي خبر ويلات الحرب وحذر مرارا من لعبة الامم، يشدد أمام محازبيه وفي كثير من محطات جولته ،على مرجعية الدولة اللبنانية وجيشها وقواها الامنية والعسكرية، الكفيلة وحدها بحماية الاهالي والسهر على أمنهم واستقرارهم، ويرفض رفضا قاطعا كل اشكال التسلح والقيام بمهام، هي من صلب اهتمامات الجيش اللبناني ودوره، لأن هيبة الدولة يجب أن تبقى بمنأى عن العبور فوقها أو الاستقواء عليها، او تحجيم فاعليتها التي يجب ان تكون عابرة للطوائف وللحسابات” ايا تكن تلك الحسابات”، وهنا كل كلام عن دعوة جنبلاط محازبيه للتسلح تسقط وتسقط معها أوركسترا البث التحريضي المنظم، الذي تقوده جوقات الغرف السوداء من بقايا الوصاية وغيرها لاثارة الذعر وخلق مناخات غير سليمة ليتسنى لهذا البعض لعب ادوار مشبوهة بتعليمات تاتي من خارج الحدود.
يترجل جنبلاط من سيارة جيب لاند كروزر سوداء، كان يقودها بنفسه في كل المحطات، يصافح عسكريا في الجيش على أحد الحواجز، يختاره لوقفته الجسورة وجهوزيته، وعلى طريق شبعا وادي جنعم، يغاير السائد والمألوف ليكسر رتابة المشهد المتكرر، الكل يتسابقون لالتقاط صورة مع البيك، يقتربون منه علهم يحضون بلقطة كاميرا تدخلهم مواقع التواصل الاجتماعي الى جانب ” أبو تيمور”، وحده وليد جنبلاط يترجل ثانية، يطلب من الوزير وائل أبو فاعور أن يلتقط له صورة مع راع من بلدة شبعا، فاجأه البيك حين اقترب منه، صافحه واستأذنه لالتقاط صورة إلى جانبه، على مرأى من عيني تيمور الذي انتظر على قارعة الطريق، يسيطر الذهول على ذلك الراعي الشبعاوي السعيد الحظ تلاحق عيناه الموكب حتى آخر قفلة للطريق.
في الحسابات الجنبلاطية لا سكوت على الخطأ، فكيف إذا كان خروجا على المألوف، أقسى الرسائل وجهها من عين عطا التي شغلته منذ واقعة توقيف الفان الذي كان يقل افرادا من التابعية السورية دخلوا البلدة بطريقة غير شرعية، لا يريد أمنا ذاتيا، ويرفض مبدأ الحمايات الخاصة، التي تنتقص من هيبة الدولة وتلغي عمل المؤسسات.
في عين حرشا يصافح المحتشدين يتأمل واديا سحيقا قبل أن يصل الى ساحة بيت لهيا، يتجمهر الأهالي ورغم ضيق الوقت، يدخل الكنيسة يستذكر شهداء نهر البارد لا سيما الرائد الشهيد مفلح، في بكيفا يعرج على منزل كبير مشايخها ومشايخ المنطقة أبو حمد جميل برغشة، يسأل عن أقارب أول رئيسة بلدية في لبنان الراحلة سليمة درغام ،في القاعة العامة في راشيا التي غصت بالنواب والشخصيات والفعاليات والمرشحين شق جموع المحتشدين في خارج القاعة وداخلها بصعوبة،وعلى طريقته يرحب بالنائب السابق اللواء سامي الخطيب يبعث رسائل واضحة في أكثر من اتجاه.
في بلدة راشيا تطول لائحة الزيارات يستهلها بزيارة منزل مسؤول أمنه الشخصي سابقا المرحوم سلمان سيور يحمل بين يديه الطفل الصغير سلمان جمال سيور حفيد الراحل، تدمع عيناه ، ثم يدخل كنيسة السريان التاريخية، يلتقي بطريرك السريان يوسف الثالث يونان، الذي كان أقام قداسا في البلدة، يقصد منزل النائب اللواء أنطوان سعد، يستعيد محطات مشرقة مع اللقاء الديمقراطي،يشيد بالبيت العريق، بعدها يقدم واجب العزاء في منزل الشهيد جمال صعب، وفي مطرانية الروم يشدد على الدور المسيحي الوطني في الشرق وفي لبنان تحديدا، يقصد منزل المرحوم النائب السابق شبلي العريان يدقق في صور قديمة لقادة تاريخيين ابان الثورة السورية الكبرى، وفي مرحلة الاستقلال، وفي طريقه يسأل عن الشيخ أبو محمد صالح أبو ابراهيم، يزوره في بيته ويأكل التين، يستكمل جولته بزيارة منزل النائب السابق فيصل الداوود الذي كان حضر احتفال راشيا، وقبل خروجه يطلب جنبلاط خلوة لدقائق معه، ثم يستكمل جولته باتجاه مركز كمال جنبلاط الثقافي الاجتماعي ليعقد لقاءا مع المحازبين.
في قاعة صغيرة في المركز يتجمع أهالي العسكريين المختطفين من قرى ضهر الاحمر ومذوخا وبكيفا وعيحا وكفرقوق، فيها تتعرف إلى وليد جنبلاط الانسان قبل اي شيء آخر، يقرأ وجعهم الحقيقي يتماهى مع الجرح الكبير، خاصة حين يتمتم الطفل الصغير أبن الدركي ميمون جابر” اشتقتلو لبابا” لا يخفي البيك دمعة حرة، قادته في لحظة استثنائية الى اتخاذ موقف كبير، أعلنه في بلدة خربة روحا اثناء زيارته لمفتي راشيا أحمد اللدن، فأعلن موقف القبول بالمقايضة درءا للفتنة، هو موقف مستجد لم يكن قد اتخذه بعد عندما تحدث عن قضية المختطفين في عين عطا، قال عنه اللدن ” يقول البعض انك تغير مواقفك فنحن نقدر لك تغيير الموقف لانك لست اسير الموقف” في وقت ذكر فيه منسق المستقبل حمادي جانم بمواقف جنبلاط لحظة استشهاد الرئيس رفيق الحريري التي تميزت بحكمة القائد ووفائه وعنفوانه وشجاعته، فيرد جنبلاط ” رفقة عمر مع الشهيد رفيق الحريري ورفقة عمر مع سعد الحريري رفقة عمر مليئة بالذكريات بالعواطف بالمحطات النضالية ومع سعد الحريري سرنا في تلك المراحل الصعبة الدقيقة الهائلة الصعوبة منعا للفتنة وتحقيقا للعدالة ونجحنا ان ذاك والحمد لله في ارساء المحكمة الدولية لكن اليوم ما يأتينا هو ربما اكثر واخطر من الماضي ولست لوحدي لا تحملوني أكثر من طاقتي.
بلدة كفرمشكي التي تبعد أكثر من 3 كلم عن الطريق العام والتي تقع على تلة مواجهة لبلدة كوكبا قرع ابناؤها جرس الكنيسة فور وصول جنبلاط إلى مثلث كوكبا كفرمشكي مجدل بلهيص، حيث دخل بلدة كوكبا التي ازدانت باليافطات المرحبة والاعلام والصور ونثر الارز، مشى البيك للقاء مشايخ طائفة الموحدين الدروز في قاعة مقام الشيخ الفاضل في كوكبا، حيث اقيم غداء تكريمي، هناك تأمل سنديانتين عملاقتين في كنف المزار عبر عن استيائه من إشعال المفرقعات، يكره ذلك الصوت.
في مجدل عنجر دخل موكب جنبلاط محاطا بالخيول العربية الاصيلة وفرق الخيالة، دخل الأزهر على وقع الطبول والمزامير والزغاريد والحدي، حفاوة لا تقام الا للكبار بحسب ما روي عن مفتي البقاع الشيخ خليل الميس الذي قال في جنبلاط :”ان لبنان يدون على هويتنا مذهبا ولكنك فوق المذاهب “استقبلك فعلك، وقولك ، وليس كثير عليك انت ابن الرجل الكبير والشهيد ابن الرجل الذي لم يجرؤ من اغتاله ان يقول قتلت كمال جنبلاط”.
انتهت جولة النائب جنبلاط لتفتتح آفاقا لمتابعة ما تم انجازه على مستوى تبديد الهواجس والمخاوف التي سادت قبل أشهر، حيث نجحت زيارة جنبلاط في رأب الصدع الاجتماعي الذي تحول إلى كرة ثلج نتيجة سيل الشائعات التي حاول البعض تمريرها، لزرع الشقاق وصولا إلى فتنة في المنطقة.
ما بعد زيارة جنبلاط إلى تخوم جبل الشيخ ليس كما قبلها، فبحسب وكيل داخلية التقدمي رباح القاضي فان الزيارة اتت لتؤكد أن الحراك الذي كنا نقوم به كحزب مع قيادات تيار المستقبل والجماعة الاسلامية والأحزاب والقوى السياسية الفاعلة ومرجعيات تلك المناطق أوتي ثماره، من حيث تفويت الفرصة على كل من يحاول أن يصطاد في المياه العكرة، والجولة تحملنا مسؤولية كبرى لجهة مواكبة الحراك الذي يقوم به رئيس التقدمي للحفاظ على هذه الأجواء الطيبة التي هي في الاساس من طينة أهالي هذه القرى ذات التاريخ المشترك في كثير من المحطات النضالية والاجتماعية قديما وحديثا، حيث نقل سعادة جنبلاط للحفاوة التي استقبل بها في شبعا والعرقوب وفي دار افتاء راشيا في خربة روحا، وخاصة في أزهر البقاع، لا سيما للكلام الذي قيل من مرجعيات هذه البلدات ومن القيادات السياسية، وبحسب مصدر في التقدمي فإن النائب جنبلاط تأثر كثيرا في الزيارة وتركت في نفسه ارتياحا كبيرا، لكنه للمرة الأولى يتأثر بمشهد إنساني وعاطفي، خلال لقائه أهالي العسكريين المختطفين لا سيما أطفالهم.
منسق تيار المستقبل في البقاع الغربي وراشيا حمادي جانم،وصف الزيارة بالتاريخية لنسيج إجتماعي كان يحتاج فقط إلى حكمة النائب جنبلاط لايصال الرسالة التي يجب أن تقال، وللتأكيد على وحدة هذا التنوع الفريد والذي يعد تنوعا استثنائيا، ونحن كتيار سياسي وبتوجيه من الرئيس سعد الحريري نحرص على تعميم منطق الدولة ومؤسساتها، ومواكبة أي خطوات من شأنها أن ترسخ الأمن والاستقرار وتبدد الهواجس التي سادت نتيجة انعكاس الاحداث السورية على مناطقنا، لا سيما المحاولات التي يقوم بها النظام السوري وبعض اتباعه لخلق أجواء غير سليمة وغير صحية في هذه القرى ذات الهوية الوطنية الواحدة، ولفت جانم إلى أن قيادة المستقبل مطمئنة إلى مفاعيل هذه الجولة الجنبلاطية لما لها من اثر ايجابي على الشارع المحلي، إن لجهة مضمون الخطاب الجنبلاطي أو لشكل الزيارة في توقيتها ووجهتها، لا سيما إلى بلدة شبعا تلك البلدة الآمنة التي يريد البعض أن يحولها إلى عرسال ثانية، لكننا لن نسمح بأن تلبس هذه البلدة غير ثوبها الوطني.
ويرى الناشط السياسي علي حسين الحاج من بلدة كامد اللوز إلى أن الزيارة تاريخية ويجب أن تستتبع بلجنة حوار من مكونات ومرجعيات قرى العرقوب وشبعا وراشيا والبقاع الغربي لخلق دينامية للتواصل وعقد لقاءات ومشاورات دائمة للبحث في شؤون هذا النسيج خاصة على مستوى انعكاس الاحداث السورية ووجود النازحين ومعالجة أي أمر طارىء قد يحصل، لتبقى المنطقة بمنأى عن النار السورية وانعكاساتها على قرانا.
ويؤكد الحاج أن الروح الجنبلاطية لها كيمياء خاص في هذه القرى ذات الطبع الصادق والتي لا تعرف التلون أو التملق فعبر الناس بعفوية عن محبتهم، وهي ذاتها التي تتماهى مع الروح الحريرية من الحريري الاب الشهيد الى الحريري الابن المحب والصديق لجنبلاط وحزبه، خاصة في ارض وطنية خصبة شهرت ولاءها لهذا الخيار الذي تجسد انتخابيا وشعبيا في كثير من المحطات النضالية، ولن تكون هذه القرى في راهنها ومستقبلها الا وفية لهذا النهج، نهج الاعتدال والتسامح، في لحظة احوج ما نكون فيها الى رجاحة العقل وحكمة الكبار، وصوت الوعي، وكل ما يحكى عن خطر على هذا النسيج الاجتماعي ليس سوى بالونات اختبار وهمية وفقاعات في ليلة شتاء، وهنا يصح القول ” كل هذا الورق الساقط من نخل الكلام لا يغطي عورة العالم لا يحيي العظام.

"الانباء"

  • شارك الخبر