hit counter script

مقالات مختارة - شربل مارون

الإعلام اللبناني في مواجهة الإرهاب: ثغرات وتعثّّر في الأداء

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

إتّخذت الولايات المتحدة الأميركية أيام الاحتلال الأميركي للعراق إجراءات، بينها الطلب إلى الإعلام الأميركي الامتناع عن بثّ أيّ صورة لجثامين الجنود الأميركيين الذين يسقطون في بلاد الرافدين لدى إعادتهم إلى أرض الوطن في المطارات الأميركية.

كان الإجراء يستند إلى تجربة صُوَر حرب فييتنام التي خسرَتها الولايات المتحدة الأميركية على أرضها في مواجهة الرأي العام الأميركي، قبل أن تخسرها في مواجهة ثوّار فييتنام. يومَها، وضع الإعلام الأميركي «عدّادات» في المطارات كانت تُحصي كلّ يوم عدد الضحايا في صفوف الجيش الأميركي. ومع كلّ ضحيّة إضافية، كان إعلان الهزيمة الأميركية يقترب.

وفي مطلع القرن العشرين، ولضرورات المصلحة الوطنية العليا، وفي دولة تتمتّع وسائل إعلامها بدرجة كبيرة من الحرّية ، وجد المسؤولون ضرورة وضع حدود للحرّية مخافة تعريض المصالح الوطنيّة للخطر.

يطرَح الموضوع إشكالية أساسية وهي: هل إنّ وسائل الإعلام هي وسيط بين الحدث والجمهور لا أكثر ولا أقلّ، تكتفي بلعب دور المرآة الناقلة لما يجري، أم أنّها صاحبة دَور في تكوين الرأي العام وصناعته؟ هل يستوي الخير والشرّ، والصالح والطالح في ميزان واحد تحت عنوان الموضوعية والتعبير عن آراء الجميع؟ النقاش في هذا الأمر مفتوح، وما يعنينا هو كيفية تعاطي وسائل الإعلام مع مظاهر العنف والتعصّب والإرهاب، وسُبل مواجهتها؟

ولي في هذا المجال جملة مشاهدات وملاحظات:

كيف يتعاطى الإعلام مع الإرهاب؟

1- تُجمِع وسائل الإعلام اللبنانية على إدانة الأعمال العنفية المتطرّفة. وأتيحت لي منذ فترة فرصة المشاركة في اجتماع لممثّلي الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب خَلُص إلى تعهّد شامل بدعم الجيش اللبناني في مواجهة الجماعات الإرهابية، وترجمة ذلك في الممارسة المهنية.

غير أنّ مقاربة بعض وسائل الإعلام لموضوع العنف والإرهاب تبقى جزئية، وأحياناً سياسية التوظيف. بعضُها يخفّف من الحادث الإرهابي الواقع أو يجد المبرّرات له، وبعضها يضخّم حادثاً هامشياً ويبحث عن أسباب غير موجودة لوقوعه.

2- «مصيبة» العاجل والمباشر في لعبة التنافس الإعلامي القائمة. للسبق الصحافي قواعد وأصولٌ مهنية ينبغي التقيّد بها، أوّلها التأكّد من الوقائع قبل بثّها ونشرها، وهي عملية لا تتمّ دائماً، إذ يعمل الصحافي تحت ضغط السبق الصحافي الذي بات مع التقنيات الحديثة والانتشار الواسع لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة، يُقاس بالثواني المعدودة في بعض الأحيان.

لا يفكّر الصحافي تحت هذا الضغط إلّا في أن يكون الأوّل. ولعلّ أخطر ما في هذه العملية هو عندما تلجأ بعض المراجع، التي قد تكون على صلة بالمجموعات الإرهابية، إلى إمداد هذا الصحافي بمعلومات خاصّة يَفترض أنّها صحيحة، ويعمد إلى إذاعتها وبثّها من دون أيّ تدقيق.

ويحتوي النقل المباشر على مخاطر أيضاً، حيث يمكن أن تتحوّل وسائل الإعلام إلى ناقلة لرسائل تُطلَق على الهواء من دون أيّ حسيب أو رقيب. وقبل حوالى الأسبوعين، شرّعت غالبية وسائل الإعلام أثيرَها وهواءَها لسيّدة من أهالي العسكريين المخطوفين تنقل مطالب الخاطفين الإرهابيين وتسوّق لها.

3- إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتحوّلها إلى وسيلة أساسية لنقل الأخبار عند الجماعات الإرهابية المتطرّفة. هكذا تؤمّن هذه الجماعات حضورها الدائم والسريع في الفضاء الإعلامي، وتوصِل روايتها للأحداث الحاصلة وفق سياقها.

وهو ما تقع في فخّه أحياناً وسائل الإعلام، كنقل مشاهد الذبح والإذلال والإهانة والتعرّض للكرامات، كما حصل مع جنود الجيش اللبناني وعناصر قوى الأمن الداخلي، حيث وُزِّعَت صوَرُهم بهدف إثارة الرعب والخوف والتأثير في المعنويات.

كما تمّ بثّ تسجيلات تتضمّن تصاريح للمخطوفين من المؤكّد أنّهم أدلوا بها تحت الضغط، من أجل أن يقولوا إنّهم في أيادٍ أمينة.
وفي جانب آخر من المشهد، تظهر المعلومات والصوَر والأفلام أمام المتلقّي على أنّها الحقيقة، من دون أيّ معالجة صحافية واجبة.

4- دَور وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للإرهاب والعنف والتعصّب. تحوّلت هذه الوسائل الى وسيلة للتعبير ونقل الخبر عند غالبية الناس العاديين الذين يستخدمونها من دون أيّ تأهيل صحافي. تُنشَر المعلومات والصور والأفلام والتعليقات من دون أيّ تدقيق أو معالجة.

والأمثلة لا تُحصى عن مطبّات وقعَت فيها وسائل إعلامية عريقة وإعلاميون كبار نقلوا ما تمّ نشرُه وبثُّه ووقعوا في الخطأ. هكذا مثلاً وُزّعت صورٌ لانفجارات وقتلى في العراق وباكستان على أنّها حصلت في لبنان، ولأسرى في سوريا على أنّهم أسرى لبنانيون.

كما أنّ سياسيين وقعوا في المطبّ ذاته. وكلّنا يذكر كيف أنّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم عرض صوَراً لمقاتلين لبنانيين في سوريا، تبيّن أنّها تنقل مشاهد للمعارك التي وقعت بين باب التبّانة وجبل محسن عام 2008، وهي كانت موجودة على موقع «يوتيوب» منذ ذلك التاريخ.

كما عرض صورةً لشخص معلّق على عامود كهربائي تمّ سحبه على الأرض لاحقاً، وتبيّن أنّ الصورة موجودة على موقع «يوتيوب» أيضاً منذ العام 2010، وهي لواقعة قتل المصري الذي نفّذ جريمة كترمايا في لبنان.

5- توفّر بعض المواقع السياسية لأصحابها حصانة، كما هي الحال مع النواب. ويلجأ البعض منهم متحصّناً بهذه الحصانة الى التعرّض للمؤسسة العسكرية، وتبرير ممارسات الجماعات الإرهابية واعتداءاتها.

إنّ الإعلام مطالَب اليوم بممارسة دوره الوطني. ولا يمكن أن تتفرّج وسائل الإعلام على لبنان يُخطف ويُذبح ويُقتل ويُغَيَّر وجهُه. وكما كان الإعلام على مرّ التاريخ السيف المرفوع دفاعاً عن الكيان اللبناني، فإنّ عليه اليوم واجب منع اغتيال الوطن.

خطوات لمواجهة الإرهاب

ويقتضي لذلك خطوات ملموسة تواجه الإرهاب والتخلّف الزاحف، ومنها:

1- التزام دعم المؤسسة العسكرية، الوحيدة الباقية على صورة أحلام اللبنانيين، والدولة، في الحرب ضد الارهاب، والابتعاد عن كلّ ما من شأنه إضعاف معنويات الجيش وعناصره. ولنا في إذاعة «صوت لبنان» أكثر من محطّة في هذا السياق، امتنعنا فيها طوعاً عن بثّ معلومات تمّ التأكّد من صحّتها لأنّها تمسّ معنويات المؤسّسة العسكرية.

كما أنّ عدداً من المؤسّسات الإعلامية المرئية امتنعَ بدوره عن بثّ صور تصفية العسكريين الشهداء الثلاثة: علي السيّد ومحمد حمية وعبّاس مدلج.
2- مقاطعة المؤسّسات الإعلامية المسؤولين والشخصيات الذين يتهجّمون على الجيش اللبناني، وشطب عبارات التحقير والإهانات من مواقفهم، مع الاعتراف بصعوبة الأمر بسبب امتلاك أهل السياسة غالبية وسائل الإعلام.

3- إلتزام أخلاقي بتجنّب بثّ ونشر كلّ ما من شأنه أن يثير النعرات الطائفية والسياسية.

4- إعادة الاعتبار لدور المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في رقابته على وسائل الإعلام لتأمين التزامها بالمعايير المهنية.

وبعد، تكمنُ خطورة ما يجري في أنّه يستهدف وجود لبنان. نحن في مواجهة مجموعات محترفة، ومن بين حقول احترافها الحقل الإعلامي. والمواجهة تكون بوعي ذلك أوّلاً، وبعمل احترافي مقابل. الأرض والجغرافيا ليستا وحدهما ساحة المواجهة. الإعلام ساحة أساسية، ولنا أمثلة كثيرة حُسِمت فيها المعارك على الشاشات والإذاعات والصُحف وسائر وسائل الإعلام.

  • شارك الخبر