hit counter script

مقالات مختارة - نبيل البكيري

سقوط صنعاء.. بدء العد العكسي خليجياً

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

لا مبالغةَ في القول إن يوم الـ21 من سبتمبر/أيلول 2014، يوم سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد مليشيا الحوثي "الشيعية" سيمثل نقطةً فارقةً في تاريخ المنطقة العربية كلها، مؤرخةً بذلك لمرحلةٍ جديدة ستشهدها هذه المنطقة، وربما العالم، فاصلة بين زمنين. فلن يكون سقوط صنعاء، بتلك الطريقة الدراماتيكية المريبة، حدثاً عابراً، ولن يقل أهميةً عن سقوط بغداد إثر الاحتلال الأميركي في 9 أبريل/نيسان 2003، إن لم يفقه أهمية وخطراً. فما جرى من سقوط، بصورة دراماتيكية وخاطفة، لعاصمة أكثر من 25 مليون يمني، مُحاطة بأهم ألوية النخبة العسكرية لما كان يُعرف بالحرس الجمهوري، حدثُ استثنائي، سيؤرخُ لمرحلةٍ جديدةٍ قادمةٍ، قد يكون عنوانها الأوضح "الزمن الإيراني".
ليس تهويلاً، ولا تهويماً، ما نقوله هنا، بقدر ما هي الحقيقة والواقع المستقرأ من بين تجارب الماضي القريب وسطور الحاضر الراهن وعناوينه البارزة، على أكثر من صعيد، تلك العناوين التي لا تمثل جماعة الحوثي "الشيعية" الزيدية إلا أحد عناوينها الرئيسية، فيما هنالك عناوين رئيسية أخرى.
لكن، ما علاقة سقوط صنعاء بالمملكة العربية السعودية تحديداً، وكل دول الخليج العربي، وقد ساهم بعض هذه الدول، وبقوة، في تمهيد مثل هذا السقوط، بل وتمويله وتخطيطه، كالإمارات العربية المتحدة، وبعض أجنحة صناعة القرار في السعودية ذاتها، ربما وقوعاً تحت تأثير تقديرٍ سطحي للحدث، وربما غير ذلك.
لا أعتقد أن ما جرى لصنعاء، وفي الذكرى الـ 52 لثورة "26 سبتمبر"، يمكن فصل تأثيراته وتداعياته المستقبلية على محيطيه، الجغرافي والإقليمي، في وضع حرج وحساس، تمر بها المنطقة منذ نحو ثلاثة أعوام، استمات الإيرانيون في أثنائها، على تقديم أنفسهم قوة إقليمية ضاربه، تسعى إلى فرض واقع جيوسياسي جديد، تتصدر طهران واجهته بكل الطرق والوسائل، فيما غابت فيها وعنها دول المنطقة، تكريساً لغيابها الدائم في كل ما يخص شؤونها وهمومها.
فعلى مدى الأيام التالية ل "21 سبتمبر" وقبلها، خرج مسؤولون إيرانيون مبشرون بالنصر لما أسموه "الصحوة الإسلامية"، كاستعارة مفضلة ودائمة تعبر عن النفوذ الإيراني، ومنذرين بالهزيمة لأطرافٍ ذُكرت تصريحاً لا تلميحاً، في ثنايا حديثهم، وكان في مقدمتها، إن لم تكن وحدها، المملكة العربية السعودية.
فطوال الأيام التالية لسقوط صنعاء، خرج مسؤولون إيرانيون كبار يُعبرون عن فرحتهم بسقوط صنعاء، كان أولهم نائب عن طهران، هو علي رضا زكاني، لم يتمالك نفسه من الفرح، بقوله "أحداث اليمن أهم وأكبر بكثير من انتصارات إيران في لبنان. وبعد الانتصارات في اليمن بالتأكيد سيبدأ دور السعودية"، واعتبر صنعاء "رابع عاصمة عربية تسقط في يد إيران". وتالياً، في 25/9، أشاد مجتبي ذو النور، مستشار مندوب الولي الفقيه في الحرس الثوري الإيراني، وعضو هيئة التدريس في جامعة قم، بما سماه انتصار "الجمهورية الإسلامية في اليمن"، وقال إن نصر الحوثيين سيفتح الطريق لفتح المملكة العربية السعودية.
ما حدث لصنعاء، على الرغم من هول صدمته لدى بعضهم، توقعه، ولكن ليس بهذه السرعة، من قرأوا المشهد جيداً، وأطلقوا تحذيرات مبكرة عن خطورة تمدد المشروع الإيراني المخيف في المنطقة، بورقة الأقليات المذهبية والطائفية التي تم تحويلها، بُعيد الثورة الإيرانية عام 1979، إلى ما يشبه خلايا إيرانية مخابراتية وعسكرية متقدمة في قلب المنطقة العربية.
والأخطر عدم إدراك الاشتغال الاستراتيجي الإيراني، طويل المدى، على جغرافيا المنطقة وجيوبوليتيكها، وقد تحول بالنسبة لصانع الشطرنج "الإيراني" إلى هدف استراتيجي كبير، يخضعه للقراءة التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبعد ذلك كله، قراءته قراءة استشرافية دقيقة، والاشتغال، بعد ذلك، عليها بهدوء وتروٍ، يقتنص فيها حتى المفاجآت لتحويل مسارها، حيثما يريد.
"
اليمن لم يذهب مع الريح، ولن يذهب سدى، فأمةٌ كاليمن، شعباً ودولةً وحضارة، لا خوف عليها من الضياع، كأمة ضاربةً جذورها في عمق التاريخ أكثر من خمسة آلاف سنة
"
العقل الإيراني براغماتي نفعي غير عقائدي مُسيس، واستراتيجي أيضاً، ومن ثم، ما يصرح به، أو يطرحه أي مسؤول، أو غير مسؤول، إيراني، هو ضمن أجندات طهران المطروحة، كاستراتيجيات، مثلما تستند إلى وجود على الأرض، تستند أو تتزامن، أيضاً، مع بروبوغاندا دعائية، تمهد لها كحرب إعلامية، تربك الخصم وتشل تفكيره. فما سمعناه من تصريحات لمسؤولين إيرانيين، في الأيام القليلة الماضية، بعد سقوط صنعاء، لم يكن مستغرباً، بل المستغرب هو الخطاب الذي ظهر به معظم مثقفي الخليج بتلك السطحية والفجاجة، وربما اللامبالاة، بشأن ما يجري على مقربة من خيامهم ومضاربهم.
صحيح أن ما جرى ويجري طبيعي، في حال المقارنة بين دولة عمرها آلاف السنين، كإيران، ودويلات لا يزيد عمرها عن عشرة عقود. لكن، ما لا يمكن قبوله، هنا، عدم اعتراف نخب خليجية بالفشل، لم تجد ما تقوله سوى أن تبرر الفشل والاستخذاء، بدل أن تعترف بالفشل الناجم عن غياب الرؤى والاستراتيجيات لدى دولهم وحاكميها الذين يجابهون الأوهام بالاستراتيجيات، فيما يواجهون الأخطار والتهديدات بالأوهام.
مثلاً، يحار متابع مسار الموقف الخليجي من "الإخوان المسلمين" الذين تحولوا، لدى هذه الأنظمة، إلى ما يشبه التهديد الاستراتجي لأنظمتهم، فيما هو موقف لا يستند لأي قراءة استراتيجية علمية دقيقة، بقدر استناده لأوهام ومخاوف فردية لهذا الأمير أو ذلك الشيخ الذي لا يستبعد أنه بنى، هو الآخر، موقفه بناءً على عداء شخصي مع شخصٍ ينتمي، أو يشتبه بانتمائه، لهذه الجماعة أو تلك. فيما لن يجد المتأمل جيداً، لعمق المأزق الخليجي الراهن، خطراً استراتيجياً حقيقياً يهدد دويلات الخليج، ويعلن عن ذلك صراحةً، سوى الخطر الإيراني، المنطلق من اعتباره دويلات الخليج مجرد ممالك تحتلها أسرها الحاكمة، وبدعم وحماية أميركيين لها، بل يذهب الأمر إيرانياً إلى اعتبار بعض هذه الممالك إيرانية محتلة، فيما هي ثلاث جزر إماراتية في الخليج العربي الذي تسميه إيران فارسياً.
ما ينبغي أن يركز عليه الإخوة في الخليج، وخصوصاً النخبة صانعة الرأي العام، أن اليمن لم يذهب مع الريح، ولن يذهب سدى، فأمةٌ كاليمن، شعباً ودولةً وحضارة، لا خوف عليها من الضياع، كأمة ضاربةً جذورها في عمق التاريخ أكثر من خمسة آلاف سنة، الخوف من الضياع هو على دولٍ، عوامل الفوضى فيها أكثر من عوامل الاستقرار، ويعد الاختراق الإيراني، بعد الاختلال الديموغرافي، أخطرها.
أما سياسة التفريط باليمن وتركه للفوضى، فليست من الحكمة في شيء، بقدر ما هي عمل اعتباطي غير رشيد، لن يضر اليمن كشعب محكوم بعاداته وتقاليده وأعرافه القبلية، أكثر من أي شيء آخر، كوجود دولة أو سلطة قانونية قائمة، يتكيف اليمنيون مع أي وضع وقعوا فيه، بفضل التكيف التاريخي مع كل المتغيرات الطارئة حولهم، تعبيراً عن عمقهم الحضاري وأصالتهم التاريخية، كشعب قهر الظروف وطوّعها لمصلحته.
الخوف كل الخوف، اليوم، هو ما سيترتب على السقوط "السياسي"، لا العسكري لصنعاء على المنطقة كلها، بفعل المال الخليجي الذي جنا ثمرته تمدد النفوذ الإيراني فيها، فكل ما يجري مقدمة لما بعدها في خارطة الأهداف والمكاسب الإيرانية، التي لا شك أن سقوط صنعاء لم يكن سوى جرس إنذار أخير بأنه بات على قادة دول الخليج، الآن أكثر من أي وقت مضى، تجهيز ساعة إيقاف بدء مرحلة العد العكسي للنهاية التي تنتظر ممالكهم وإماراتهم، بفعل سياساتهم الحمقى وغير الرشيدة التي سلكوها في إداراتهم بلدانهم، الأكثر ثراءً في العالم.
 

  • شارك الخبر