hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - سعيد البستاني

"بيي اقوى من بيك"

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لطالما تفاخر العرب بالغنى الذي تتمتع به اللغة العربية، وهي كذلك، غنية تتضمن من المزايا وأدوات التعبير ما لا تمتلكه بعض اللغات الأخرى. ولعل واحدة من تلك الأدوات ما يسمى بأسماء التفضيل. العلم أنفع من المال (قالوا لنا في المدرسة). الكتاب أفضل سمير. السيف أصدق إنباءً من الكتب. ولكن في هذه الأيام لم يعد التفضيل يفي بالغرض ليأخذ التضخيم والمبالغة حدّ الهوس مكانه، وهو أيضاً من مآثر العرب القديمة والجديدة والمتجددة على إيقاع الحياة الحديثة. فلان يمتلك البرج الأعلى، واليخت الأطول، والتخت الأوسع، والفندق الأفخم. وعلتان لديه الكتلة النيابية الأكبر و"بيّي أقوى من بيّك".
ولعبة تضخيم الأحجام هذه، أكثر ما أصابت الإعلام المحلّي والعربي، فأصبحت السلحفاة أرنباً، والأرنب ذئباً، والهرّ نمراً يرعب الدنيا زئيراً، ناهيك عن الإفراط في التكرار، والإطناب في الكلام، والمغالاة في الوصف، والشطط في الخيال والأحكام، والإسراف في الضلال والتضليل. كل ذلك لاجتذاب أكبر عدد من المشاهدين المستمتعين غير المستمعين جيداً في معظم الأحيان.
ووصلت اللعبة ذاتها الى حدّ الهيمنة على عقول النساء عداك عن أجسادهنّ. فأضحت هذه تمتلك الصدر الأعظم، وتلك الشفاه الأرطب، وتيك المؤخرة الأكنز، وأخرى الأنف الأقنى، وغيرها الخدود الأبرز بعدما تم إخفاء كل الأخاديد، الى ما هنالك من مواصفات نسائية جديدة بما قد لا تستوعبه اللغة العربية.
في أحد أيام صيف العام 1992 كنت في منزل المرحوم الدكتور فؤاد افرام البستاني، وكانت لغة الإنترنت وعلم الكمبيوتر على شفير البدء بإجتياح العالم. فسألته، وكان يفسّر لبعض الحضور،على ما أذكر، شيئاً من قواعد اللغة العربية وهو الضالع والعليم بها حتى الثمالة، سألته كيف ستتمكن اللغة العربية من الصمود أو أقلّه من إستيعاب المفردات الجديدة المرتبطة كلياً بأشياء وإبتكارات جديدة تماماً، وهي اللغة الجامدة حسب رأيي. فردّ علي، سأقول لك جملتين وأنت عليك أن تختار الأصح لغوياً:
الجملة الأولى: كانت المدينة القديمة تعيش في شبه فوضى الى أن أتى أفلاطون وأرسطو فنظّموها تنظيماً دقيقاً
الجملة الثانية: كانت المدينة القديمة تعيش في شبه فوضى الى أن أتى أفلاطون وأرسطو فسستماها سستمةً دقيقة.
بطبيعة الحال ومن دون كثيرتفكير أجبته بأن الجملة الأولى هي الأصح. فقال لي: خطأ، لأن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي لديها مثنّى، وأما باقي اللغات فإمّا مفرد وإمّا جمع، وبما أن فعل التنظيم كان بصيغة الجمع في حين أن الفاعلان إثنان يصبح عندها الخطأ واضحاً. أما بالنسبة الى كلمة سستمة وهي مقتبسة عن Systeme فبما أنها خضعت لقواعد الصرف والنحو فأصبحت صحيحة حتى وإن كانت هجينة المصدر، وينطبق هذا على كل الكلمات التي تدخل اللغة.
وبمعرض التفضيل والتضخيم، كم نحن اليوم بحاجة الى إعادة سستمة حياتنا العامة وإدخال مفاهيم جديدة إليها، بحيث لا تذهب أصواتنا هدراً في كل إنتخابات. فعودة الحديث عن الإنتخابات النيابية، وهي لا تشي بالجدية، من دون الحديث عن قانون جديد، يجعل من الإنتخابات إعادة عرض لفيلم رديء حضرناه من خمس سنوات.
إن النسبية هي المدخل الوحيد لتحديث النظام السياسي القائم. تخيلوا معي، نظاما قائما على النسبية يسمح لأفراد أو لقوى سياسية صغيرة أو ناشئة بالحوز على مقاعد في مجلس النواب (بعكس إرادة الجرافات الإنتخابية). فلكي يصبح هؤلاء الأفراد أو الكتل الصغيرة قوة مؤثرة ووازنة في مجلس النواب، عليهم الإنضواء او التلاقي مع أفراد وكتل أخرى ضمن مشاريع أو خطط أو رؤىً سياسية، وبالتالي يعاد تشكيل القوى على أسس مختلفة، مما يفسح في المجال لتطوير القوانين بعيداً من الجمود الذي يصيبنا منذ أكثر من عقدين، وتزداد معه فرص إتخاذ القرارات على مستوى الحكم المتباطئ بسبب التوازنات القائمة.
 

  • شارك الخبر