hit counter script

أقوى لحظات حياتها ... بين ذراعيها في الخمسين

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 06:50

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

حنان الآباء والأمهات وخوفهم على أبنائهم رد فعل طبيعي للمحبة الفطرية التي تسكن قلوبهم تجاه صغارهم. فالأبوة والأمومة من أقوى الروابط الإنسانية والتي وإن جاءت في سن متأخرة تصبح أشبه بإحساس بالارتواء بعد فترة طويلة من العطش والفراغ العاطفي

تتضاعف محبة الوالدين لأولادهما في حال الإنجاب المتأخر سواء للزوج أو الزوجة، فكلاهما يتذوق حلاوة هذه المشاعر في سن متأخرة، ويؤثر ذلك في ممارسة كل منهما للأبوة أو الأمومة. لكن هذا الأمر يتطلب استعداداً مضاعفاً، فما يقدمه الأهل لأبنائهم في مرحلة الشباب يحتاجون الى تقديم ضعفه في مرحلة الشيخوخة.

سعادة متأخرة
تزوجت جاندارك في الـ 16 وكان زوجها بعمر 23 عاماً. تعذَّبت وفق ما قالت لسنوات، أجرت عدداً لا يحصى من الفحوص والعمليات، إلاَّ أنَّها لم تتمكَّن من الحمل والإنجاب. تخبرنا جاندارك ما حصل لها: "بعد أن فقدنا الأمل في عام 1982 وبعدما بلغت الـ 35 عاماً، قمنا بزيارة مزار مار الياس في عين سعادة حيث قدَمّت نذوراً وصليت وطلبت منه أن يحقق لي أمنية الأمومة. وبقيت أزوره خلال سنتين، إلى أن حملت في النهاية. في الأشهر الثلاثة الأولى لم أفكر مطلقاً بأنَّ الأعراض التي تنتابني هي اعراض حمل، فتعبت أعصابي واصبت بانهيار إذ لم أكن أصدق ما يحصل وفي الوقت نفسه كنت خائفة من خسارة الطفل. بعد مرور 5 سنوات على ولادة طفلي إيلي، رزقت بطفل آخر إلاَّ أن الممرضة في المستشفى أفلتته من يدها بعد مرور 5 أيام على ولادته، فخسرته وكانت فترة صعبة ومؤلمة". جاندارك كانت تخاف جداً على طفلها، وكانت تبقى إلى جانبه طيلة الوقت هي ووالده. وتقول: "لم أكن أسمح له بالمبيت عند الأقارب، وكنت أبقى إلى جانبه متى أراد الخروج للعب مع رفاقه. لم أواجه صعوبة في تربيته بل كنت أخاف عليه وأنتبه لأكله وملابسه". اليوم يبلغ إيلي 29 عاماً، تزوج ورزق بطفل ذكر، والفرحة لا تسع جاندارك وزوجها المتعلقين به وبعائلته الصغرى، وتؤكد ان وحيدها " متعلق ايضا بنا ويخاف علينا".
أما شادي فهو ولد لوالدين أنجبا في سن متأخرة، ولِدَ في العام 1976 من أب مولود في العام 1925، ووالدة في العام 1940. ربَّته والدته في فترة الطفولة إذ كان والده يعمل خارج البلد.
لم تكن تحبُّ أن يخرج ليلعب خارج المنزل، بل كانت تفضِّل أن يبقى وشقيقه قربها و"أمام عينيها"، فمن حرم من الأولاد لفترة طويلة، يشعر عندما يرزق بهم بأنه يريد حمايتهم، ويحاول وضعهم في "غرفة من زجاج". يقول شادي: "أحسست بالمسؤولية في سن مبكرة، خصوصاً في الفترة التي كان عليَّ أن أتمتع فيها بشبابي. في عمر الـ 18 وصل والداي إلى مرحلة عمرية يحتاجان فيها إلى اهتمام وعناية، فصرت مسؤولاً عن كل شيء: المسائل المادية لناحية تأمين حاجات المنزل والأدوية وغيرها. أصبحت أباً لهم وصاروا مثل أولادي، واقتضى واجبي الإهتمام بهما". ويضيف: "في مرحلة طويلة من عمرنا، كنا كالأصدقاء، وما ساهم في ذلك هو نضوجهم الفكري ووعيهم وتفهمهم لنا في كل مراحل حياتنا". أما بالنسبة الى خياراته مستقبلاً، فيعتبر أن خير الأمور الوسط، فهو لا يفضل أن يتأخر الثنائي في إنجاب الأولاد ولا أن يكون العمر متقارباً بين الأهل والأولاد. ولكن أحياناً "ظروف الحياة تحكُم".

الإشباع النفسي والعاطفي
تشير الاختصاصية في علم النفس العيادي ناتالي مدلج إلى أن "المرأة تختار أحياناً الانتظار قبل اتخاذ قرار الزواج رغبة منها في تحقيق ذاتها من خلال النجاح على المستويين التعليمي والمهني، أو لبناء علاقة جيدة مع زوجها ترتكز على بيئة منزلية مستقرة. في حين أنَّ هذا الخيار يكون مختلفاً بالنسبة الى امرأة أخرى، اذ لا يكون الدافع في تأخر الإنجاب مجرد خيار بل يتعلق بمشكلات في الخصوبة، ما يدفع بكثير من الأزواج للجوء إلى التلقيح الاصطناعي. وتلفت إلى أنَّ "الطفل القادم يؤسس لمجموعة متضاربة من المشاعر الممزوجة بالرغبة في إنجابه، وبالمخاوف حول مسؤولية التربية، يتزامن مع توقعات حول شكل الطفل وشخصيته. فهو بالنسبة إليهم مشروع وصورة ذهنية مرسومة في خيالهم.
ولكن عندما يُولد الطفل، يتحوَّل هذا المتخيَّل إلى حقيقة، أو يكون مخيباً للوالدين، عندما لا يمثل المولود التصوّر الحقيقي الذي بنياه قبل ولادته. وهذا التصوّر الذي تتبعه ردّة فعل يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأم، والأب، وكذلك على علاقة الثنائي في ما بينهما". وتضيف: "تشير دراسات عدَّة إلى أنَّ المرأة الأم التي يبلغ عمرها 35 عاماً وما فوق تتعلق أكثر بطفلها وتعطيه مزيداً من الدفء والاهتمام والحنان، وتبني له بيئة سليمة للتربية والعيش، إذا إن الأمهات الكبيرات في السن يعتبرن أنضج، ويملكن تجارب حياتية أكثر، خصوصاً في ما يتعلق بكيفية جعل الولد يعيش حياة كريمة، بحيث لا ينقصه شيء على الصعيد المادي والمعيشي، كما أنَّ الأم تجعله أقوى على الصعيد النفسي، ومشبعاً بكل المشاعر والأحاسيس".
ولكن ماذا عن دور الأب؟ تلفت مدلج إلى أنَّه "رغم قوة الرابط العاطفي بين الطفل ووالدته، يبقى للوالد دور كبير. فالرجل الذي ينجب أولاداً في سن متقدمة يكون أباً مشاركاً بشكل أشمل وأكثر في عملية التربية. وبالتالي، يجعل وجوده أساسياً للولد ودعماً نفسياً له خلال سنواته الأولى، وصديقاً ومستشاراً حين يصل الولد إلى سن المراهقة والشباب.
وتتابع: "أما بالنسبة الى الثنائي فيبدو أنَّهما يتشاركان في المزيد من المسؤوليات المرتبطة بالطفل، ويعتمدان على بعضهما البعض وذلك بسبب نضجهما. لذا، فإنَّ الرابط بين الثنائي يساهم في نمو الطفل ونضجه النفسي والجسدي على حد سواء. ولكن غالباً ما يحاول الوالدان المبالغة في حماية ولدهما فيكونون (over protective) حتى لو تقدَّم في السن".
وتعتبر مدلج أنَّ "الأب والأم الكبيرين في السن يكونان أنضج، أهدأ، وأكثر عقلانية، ما يقدَّم للطفل نموذجاً جيداً وبيئة أفضل ليكبر فيها، اذ يخضع لمزيد من الإشباع النفسي والعاطفي والتحفيز الفكري".
أما في ما يتعلق بعلاقة الولد بأهله، فتعتبر مدلج أنَّ "الأطفال المولودين من والدين متقدمين في السن يمكن تصنيفه ضمن فئتين: الفئة الأولى يكون فيها الولد على بينة من أن والديه أصبحا في مرحلة الشيخوخة، فتكثر مخاوفه المتعلقة بفقدانهما في وقت مبكر،
ويبرز عنده فرط في الاهتمام بهما، وتزداد لديه مشاعر مرتبطة بالقلق والخوف. والفئة الثانية يشعر فيها الولد بإحراج جراء ولادته من أبوَين كبيرين في السن، ما يجعله مختلفاً عن أقرانه، وما يحول دون وجود أهله معه في نشاطات مختلفة تناسب كل مرحلة عمرية يمرُّ فيها فيتحاشى المشاركة في النشاطات المدرسية، أو الرحلات الجامعية".
وتختم مدلج: "في الخلاصة، إذا اختار الاهل الانتظار قبل إنجاب الأطفال، أو عانوا لتحقيق رغبتهم في الحمل وإنجاب الأولاد، عليهم أن يعرفوا أنَّه على رغم تأخر الأبوة والأمومة وارتباطها بمشكلات وعواقب واخطار صحية أو نفسية إلاَّ أنها تحمل كثيراً من ميّزات لا يُمكن أن تُعوَّض".

خطر صحي على الجنين والأم
يكون الحمل أكبر حاجز للمرأة إذا ما تخطت سن الـ 35، فهي تبلغ ذروة خصوبتها بين الـ 20 و24 عاماً، ثم تنخفض هذه النسبة إلى الربع بين عمر الـ 35 والـ39 عاماً. وهذا ما يدفع بكثير من النساء إلى اللجوء لتقنية أطفال الأنابيب رغبة منهنَّ في الإنجاب. من هنا، يشير الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد الدكتور وليد زوين، الى أنَّ "الإنجاب المتأخر يشكِّل خطراً على صحة المولود، وكذلك على صحة الأم، فإذا تعدَّى عمر المرأة الـ 40 سنة، وعمر زوجها الـ 60 تكون صحة المولود في خطر، ويكون معدَّل إصابته بالـ Trisomie 21 مرتفعاً، إذ من الطبيعي أن تتدهور نوعية وجودة بويضة المرأة كلما تقدم بها العمر. ويحدث التدهور عموماً لجميع أعضاء الجسم ما يزيد من احتمالات ظهور تشوّهات جينيّة، ويزداد الأمر سوءاً عند وجود عوامل وراثية تساهم في ذلك".
ويعتبر انَّ صحة المولود مرتبطة بالوضع الصحي للأم وليس الأب، وتقدمها هي في العمر هو المشكلة ولا علاقة غالباً لتقدُّم عمر الأب، إلاَّ أنَّ ثمة دراسات تؤكد أنَّ تقدم الوالد في السن يؤدي إلى احتمال إصابة الطفل باضطرابات نفسية وعصبية منها التوحّد، واضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية".
ويتابع: "أما في ما يتعلق بصحة المرأة فهي كلما تقدمت في العمر وأرادت الحمل والإنجاب أصبحت عُرضة لمشكلات صحية، مثل سكري الحمل وارتفاع ضغط الدم، وانفصال المشيمة عن جدار الرحم، وأحياناً حصول نزيف حاد يصل بها إلى الوفاة. من هنا، فإنَّ حَمْل الأم في سن متأخرة يتطلّب مراقبةً صحية دقيقة لها وللمولود المنتظر".

"النهار" سلوى أبو شقرا
 

  • شارك الخبر