hit counter script

مقالات مختارة - حكيم عنكر

ردح فرنسي على تكبيرات "داعش"

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 06:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

فرنسا مرتبكة، لا تعرف ماذا تفعل بجهادييها. فعلاوة على إجراءات قانونية اتخذتها أخيراً، بمنع سفر القاصرين، إلا بتصريح مسبق من أولياء أمورهم، في محاولة للجم الشباب المستقطب من أندية الجهاد على الشبكة العنكبوتية، ومروراً بتفكيكات أمنية لخلايا تعتبرها إرهابية تضم متشددين إسلاميين، وصولاً إلى محاولة محاصرة العائدين من "رحلة الجهاد" في سورية والعراق، وضبط تحركاتهم وسط الشباب الفرنسي من أبناء الجاليات المسلمة، وخصوصا الأغلبية المغاربية.
وسط هذه الإجراءات، تتوه بوصلة صانع القرار في قصر الإليزيه، ومعه النُخَب السياسية التي تجد، كل مرة، في حملات التخويف من الإسلام والمسلمين، الحل الجاهز للتغطية على أزماتها السياسية والاجتماعية. ولذلك تُسخّر، اليوم، المدفعية الثقيلة للإعلام، للنزول بقوة إلى ساحة المعركة.
أمام كل هذا التحفّز الأمني والاستهلاك الإعلامي الواسع، تغيب المقاربة السوسيولوجية لظاهرة "الجهاديين"، المصطلح المفضّل في الصحافة الفرنسية، سواء لدى صانع القرار في الإليزيه، أو في أوساط الطبقة السياسية الفرنسية. أما المحفل الأكاديمي الفرنسي، المعروف بحيوية تحليله العلمي للظواهر الاجتماعية المستجدة وحذاقة مختبراته الفكرية، فقد سكت، وتلك هي المفارقة.
وحدها مارين لوبين، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية الفرنسية، المعروفة بتصريحاتها المثيرة ومواقفها المتطرفة من قضايا المهاجرين، تقدم "علاجاً" لظاهرة الجهاديين الفرنسيين: إسقاط الجنسية الفرنسية عن كل جهادي، يثبت أنه توجه إلى سورية أو العراق، وانتمى إلى تنظيم متطرف هناك. عرّضت هذه الدعوة لوبين لسخرية شامتين يترصّدونها، لأن القانون الفرنسي لا يتيح، بسهولة، إسقاط الجنسية عن مواطنيه، فالإجراء يحتاج دفعاً قانونياً يستغرق وقتاً طويلاً.
في كل حادثٍ يتعلّق بمسلمي فرنسا، تبرز موجة استعداء كاسحة ضد المكوّن الإسلامي. جرى ذلك في النقاش المحموم ضد الحجاب، وكانت النتيجة تفاقم مظاهر التديُّن وارتداء الحجاب، حتى بين الفتيات غير الملتزمات، وتراجع التعبيرات الليبرالية في أوساط الشباب المغاربي، خصوصاً. جرى إدراك، وبشكل لا يقبل الشك، أن شعار الجمهورية، الحرية والمساواة والأخوّة، لا يغرف الجميع من خيراته. ويتنامى هذا الإحساس بشكل فظيع لدى الجيل الرابع من المهاجرين، والذي تعلّم في المدارس الفرنسية نفسها، لكنه لا يجد فرص العمل كأيّ فرنسي، وبضمانة الدستور.
الحاصل أن مسلمي فرنسا يدفعون الثمن كل مرة. خرج محتجون من دياناتٍ مختلفة، يوم الجمعة الماضي، للتظاهر أمام ساحة المسجد الكبير في باريس، بعد قتل جماعة متطرفة في الجزائر، موالية لتنظيم الدولة الإسلامية، الرهينة الفرنسي إيرفي كورديل. وكان شعار التظاهرة "التسامح"، وهو يرفع، كل مرة، تقع فيها أحداث مماثلة، تدليلاً على أن التسامح عملة مفقودة اليوم.
يضع القانون الفرنسي نفسه فوق الجميع، وعلى الرغم من ذلك، يتفاقم إحساسٌ بعدم المساواة الاجتماعية، أقواه ما يلاحظ عن هجرة الشباب الفرنسي من أصول مغاربية، ومن أقليات اجتماعية أخرى إلى "دار الجهاد"، بعدما استعصى الحل الاجتماعي في بلاد فولتير ومونتسيكيو.
فوجئت سيدة مغاربية بلحية ابنها المراهق، الرياضي والنجيب في دراسته، تطول في غفلة منها، ثم صُعقت، وهي تتابع تحوّلاتٍ طرأت عليه، وهو الذي تعلّم في المدارس العلمانية، والمؤهل للولوج إلى أحد المعاهد الكبرى، لكن هول الصدمة كان أكبر، حينما اختفى، فجأة، لتظهر صوره في سورية، بلباس جهادي وعدّة عسكرية.
في الجهة الأخرى، لم تجد الدولة الفرنسية تفسيراً لهجرة كثيرين من أبنائها نحو العراق وسورية، ويجري الحديث عن 1500 من جهاديي بلاد الأنوار. الصحافة الفرنسية نفسها تردح، بينما الآلة السوسيولوجية الفرنسية العتيدة، المعروفة بسرعة تجاوبها مع الظواهر الاجتماعية، بل واستباقها، تقف عاجزةً عن فهم الظاهرة.
"داعش" لم يعد آفة الشرق وحده، بل أصبح منتوجاً غربيّاً، ونسلاً محسّناً وبجودة عالية، ويجد الحاضنة الملائمة في الديمقراطيات الطاردة، وفي التسامح المُفترى عليه، والمساواة التي يعرف معناها جيداً مغاربيو الضواحي.
 

  • شارك الخبر