hit counter script
شريط الأحداث

الحكومة سلّمت أهالي المفقودين صندوقاً فارغاً نسخة من تقرير قديم واستمارات بلا تحقيقات!

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليست المرة الاولى تخذل الدولة مواطنيها، وخصوصا اهالي المخطوفين والمفقودين، او تستهتر بهم. بل انها المرة الاولى تحاول اظهار نفسها بمظهر الدولة المتمدنة والمتحضرة التي تحترم كرامة المواطنين وحقهم الانساني، وتنفذ القانون، وتطبق مبدأ حق المواطن في المعرفة والحصول على المعلومات، وتنصاع لأحكام القضاء ومجلس شورى الدولة... وها هي تفشل من جديد، لانها تؤدي دورا لا تتقنه، ولا تريده.

يوم السبت الفائت تسلم محامي "لجنة اهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان" و"جمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين – سوليد" نزار صاغية، من رئيسة مصلحة الديوان في السرايا الحكومية ميرفت عيتاني، صندوقة صغيرة يفترض ان تحوي " كل ملف تحقيقات اللجنة الرسمية لاستقصاء مصير جميع المخطوفين والمفقودين خلال مآسي الحرب، وتحديد مصيرهم"، والتي شكلها رئيس الحكومة في حينه سليم الحص، برئاسة العميد الركن سليم ابو اسماعيل. وبزهو وفرح حملتها رئيسة "لجنة المخطوفين والمفقودين" وداد حلواني الى الاهالي الذين كانوا ينتظرونها في خيمة الاعتصام المنصوبة منذ 11 نيسان 2005 في حديقة جبران خليل جبران في وسط بيروت، آملة ان تتضمن ما قد يثلج صدورهم بعد سنوات من العذاب والنضال في الشارع، ومئات التظاهرات والاعتصامات في عز البرد وتحت اشعة الشمس، على مدى نحو 45 عاما، وليصار بعدها الى تنفيذ خلاصات التحقيقات، ومعرفة مصير آلاف الآباء والابناء والازواج.
وبعد تفحص المحتويات تبين أنها لا تساوي شيئا، والصندوق المنتظر كان بمثابة الفارغ، ويحوي نسخة من بضع صفحات عن تقرير لجنة العميد ابو اسماعيل (الذي سبق لـ"النهار" والوكالة الوطنية للاعلام ان نشرتاه كاملاً) اضافة الى الاستمارات التي ملأها الاهالي، وبعض المراسلات التي جرت بين اللجان الرسمية التي شكلتها الدولة اللبنانية وبعض الاطراف مثل الصليب الاحمر وغيرها. ونقطة على السطر.
وفي مؤتمر صحافي عقدته قبل ظهر امس قبالة السرايا، أكدت "لجنة المخطوفين والمفقودين" وجمعية "سوليد" ان الملف الذي تسلمته من الحكومة "دليل قاطع على تقاعس الدولة"، مشيرة الى ان المعلومات في التحقيقات مجتزأة وبقيت في المراحل الأولى من دون تطويرها".
وشددت على أن لجان الاهالي "ملزمة القيام بكل ما يلزم لاستكمال التحقيقات لانهاء عذاب الانتظار، وانطلاقا من حرصها على المعلومات الشخصية الواردة في الملف ستحتفظ بوثائقه، على أن تودع البعثة الدولية للصليب الاحمر نسخة منه لتساهم في الكشف عن مصير المفقودين (...)".

دعاوى وطعون
النتيجة – الفضيحة جاءت رغم الحكم الصادر عن مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي شكري صادر في 4 آذار 2014، والذي منح اهالي المفقودين الحق في الاطلاع على نتائج التحقيقات التي يفترض ان تكون اللجان الرسمية قد اجرتها، وأقر "حق الجهة المستدعية بالاستحصال على نسخة من ملف التحقيقات التي اجرتها لجنة الاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين"، في الدعوى التي تقدمت بها "لجنة اهالي المخطوفين" وجمعية "سوليد" امام مجلس الشورى في تاريخ 2009/4/29، بعد رفض رئاسة مجلس الوزراء تسليمهما نسخة من التقرير الاساسي الكامل للجنة ابو اسماعيل. واستند مجلس الشورى في قراره الى الحقوق المدنية المكرسة في المواثيق والمعاهدات الدولية التي تبناها لبنان واقرها ولا سيما منها "الاعلان العالمي لحقوق الانسان"، و"اتفاق مناهضة التعذيب"، و"اتفاق حقوق الطفل".
الا ان الحكومة والجهات الرسمية، التي تضم بين اعضائها ممثلين للميليشيات المسؤولة عن اعمال الخطف خلال الحرب، ظلت تتبع سياسة المماطلة للحؤول دون الافراج عن هذه الملفات والتقارير، بحجة انها ستتسبب بفتنة داخلية واشعال حرب اهلية جديدة. وبناء على توجيه من الحكومة تقدمت هيئة القضايا في وزارة العدل اوائل ايار الفائت من مجلس الشورى بطلب "وقف تنفيذ قرار التسليم، واعادة المحاكمة"، لكن المجلس رد طلب الدولة وعاد واصدر حكمه الثاني في 13 حزيران 2014 مبطلا "القرار الضمني المطعون فيه الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء" الذي رفض تسليم ملف التحقيقات الى اهالي المخطوفين والمفقودين. وتحت ضغط الاهالي وتحركات لجان المخطوفين و"سوليد"، وبعد لقائه ممثلين عنهم، قرر رئيس الحكومة تمام سلام الانصياع للقانون وتنفيذ قرار مجلس الشورى، واعطى توجيهاته بالافراج عن هذه الملفات آخر الاسبوع المنصرم، ليتبين في ما بعد أن الامر مجرد ضحك على الذقون.

التقرير المطلوب
المضحك – المبكي في الامر ان الدولة تمتنع عن اعطاء نسخة من تقرير سبق ان نشر كاملا في جريدة "النهار" وفي " الوكالة الوطنية للاعلام" في تاريخ 2000/7/25. وهذه قمة الاستغباء لعقول الناس، وتلاعب بعواطف اهالي المفقودين، ودليل على سياسة الاستهتار التي اتبعتها كل الحكومات المتعاقبة منذ اوائل الثمانينات، بمصير المخطوفين والمفقودين الابرياء الذين لا سند سياسيا لهم، ولا احزاب وميليشيات وزعماء يطالبون بهم وبحقوقهم.
التقرير الذي لا يتجاوز الصفحتين ونصف الصفحة خلص يومها الى "اعتبار جميع المخطوفين والمفقودين الذين مر على ظروف اختفائهم مدة 4 سنوات وما فوق، ولم يعثر على جثثهم، في حكم المتوفين، وبالتالي توصي اللجنة بالايعاز الى ذويهم مراجعة القضاء المختص، لاثبات الوفاة بصورة قانونية".
وفي حديث حصري الى "النهار" اكد العميد الركن ابو اسماعيل يومها في تلخيص للتقرير "اكتشاف مقابر جماعية داخل مدافن الانكليز في التحويطة، وفي مار نوهرا ومار متر وجبانة الشهداء في حرج بيروت، وفي منطقة المرامل والكرنتينا، كذلك تم القاء بعض الجثث في البحر وفي الابار، ونقل بعضها بالشاحنات لترمى في وادي الجماجم، كما وجدت بعض الجثث ملقاة هنا وهناك في الجبال والحقول، الى مقابر جماعية في المناطق التي شهدت حروبا ونزاعات مثل سوق الغرب والشوف وتل الزعتر (...)". واعلن ان اعمال اللجنة شملت الاستقصاء عن 2046 مخطوفا يتوزعون بين 516 مسيحيا، و1382 محمديا، و107 لم يحدد ذووهم انتماءهم الطائفي، كانوا خطفوا بين 1975 و 1999. وأحصي 168 مفقودا اعتبروا في عداد "الموقوفين في السجون السورية، ولدى مراجعة السلطات المختصة ثبت عدم وجودهم في الجمهورية العربية السورية". كذلك افيد عن "216 معتقلا في سجون العدو الاسرائيلي، وبعد الاتصال برئيس البعثة الدولية للصليب الاحمر أوضح ان السلطات الاسرائيلية اعترفت بوجود 17 معتقلا فقط"، هذه هي حصيلة التقرير المهزلة الذي يطالبون به.
قد يكون صحيحا ان ما حصل اخيرا هو " خطوة تاريخية في مسيرة النضال الشاق والمضني والطويل مع هذه الارادة السياسية، التي سعت وتسعى دائما إلى إلغاء قضية المفقودين والمخفيين قسراً"، على ما يؤكده رئيس جمعية "سوليد" غازي عاد، الا ان سؤالا كبيرا يرتسم: ما فائدة اقتصار المعركة القضائية لسنوات على الاستحصال على تقرير لجنة يعرف الجميع ظروف عملها، وقد أكل عليه الدهر وشرب، ولا يمثل ذرة في اعداد المخطوفين والمفقودين الذي بدأ في النصف الاول من الثمانينيات بـ17 ألف مفقود، ولا احد يعلم اليوم العدد النهائي بعد؟ اغلاق الملف لا يمكن ان يتم على زغل، وذا كانت الدولة تريد فعلا الحل فهو موجود ويكمن في تأليف الهيئة الوطنية للمفقودين وضحايا الاخفاء القسري، وتشكيل قاعدة بيانات الحمض الريبي النووي (D.N.A) لاهالي ضحايا المفقودين الذين قد يموتون قبل ان يعرفوا مصير احبائهم. واذا لم يتضامن اللبنانيون مع هؤلاء الاهالي لوضع الحكومة والمسؤولين السياسيين امام مسؤولياتهم، فاحتمال الخطف قد يكون مصير أي واحد منا، والدليل صرخات أهالي المخطوفين الجدد.

مي عبود ابي عقل- النهار
 

  • شارك الخبر