hit counter script

مقالات مختارة - هيام القصيفي

البطريرك الذي لا يكفّ عن إدهاشنا!

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

من دار الفتوى أعلن البطريرك الماروني الكادرينال مار بشارة بطرس الراعي أنه يرفض المؤتمر التأسيسي والمثالثة، مؤكداً تمسكه بالطائف. مواقف ناقضت ما كان ينادي به منذ انتخابه!

يطيح عدم انتخاب رئيس الجمهورية، في 23 ايلول، إحدى الصور الرمزية للجمهورية التي اعتادت ان تنتخب رؤساءها في هذا التاريخ، قبل ان تحوّله الاحداث والفراغات المتتالية ومراحل التمديد، محطة للذكرى ليس إلا.

لم يكن مفاجئاً ألا يُنتخب امس رئيس للجمهورية، في وقت تسير فيه الجمهورية نحو مزيد من التدهور. ولم يكن متوقعاً وسط الحالة العامة، والمسيحية خاصة، ان يبرز اي معطى استثنائي يعيد الحياة الى موقع رئاسة الجمهورية. لكن المفاجأة اتت، كالعادة، من حيث اعتاد اللبنانيون في الاعوام الاخيرة ان يتلقّوها، وان يندهشوا من كمّ التناقضات التي تتخبط بها بكركي بعدما باتت رهينة التقلّبات السياسية.
خرج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وللمفارقة، من دار الفتوى السنية، ليعلن اولاً رفضه لتعبيرين التصقا في الاعوام الاخيرة بالثنائية الشيعية، اي المؤتمر التأسيسي الذي سبق ان تحدث عنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والمثالثة التي كان الطرف الشيعي قد لوّح بها بعد عام 2005، وليعلن ثانياً «التقيّد بالدستور والميثاق وتطبيق وثيقة الوفاق الوطني نصّاً وروحاً».

روّج الراعي لعقد اجتماعي
حدّ التماهي مع مؤتمر تأسيسي يخشاه المسيحيون

ثمة ملاحظات تسجّل في ظل هذه المواقف التي أعادت الراعي الى الواجهة بعد عودته من واشنطن، حيث كان يدافع عن الوجود المسيحي في الشرق، في وقت عجز فيه عن تأمين إجماع مسيحي وماروني على انتخاب رئيس للجمهورية، كما عجز سابقاً عن تأمين إجماع ماروني على قانون الانتخاب، عدا عن «معجزة» المشروع الارثوذكسي، وعلى اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
قد يكون البطريرك الماروني نسي في خضمّ رحلاته التي لا تنتهي، انه كان اول من طرح العقد الاجتماعي الجديد، الذي فتح الباب امام تظهير فكرة المؤتمر التأسيسي، والذي نظّر له مطارنته وحلقته «الفكرية» مرات عدة في خطب وعظات وحوارات وجلسات بكركي المفتوحة.
كم من مرة دعا الراعي الى عقد اجتماعي جديد، منذ ان انتخب عام 2011 عندما قال ان هذه الدعوة «تصحيح لوثيقة الوفاق الوطني التي صدرت عن اتفاق الطائف». وحين انتقدته الدوائر العاقلة في الطائفة المارونية من مختلف الاتجاهات، حاول الالتفاف على الفكرة ليقول موضحاً، رداً على سؤال عن ماهية هذا العقد في عام 2012: «الموضوع ليس موضوع الطائف وليس موضوع مناصفة أو مثالثة، انما تعالوا لنجدد الميثاق الوطني».
روّج الراعي للعقد الاجتماعي (وتفسيراته المبهمة) الى الحد الذي تماهى، بحسب معارضيه الموارنة، مع المؤتمر التأسيسي الذي كان يخشى منه المسيحيون كحالة شيعية تعيد طرح المناصفة بين المسيحيين والمسلمين على الطاولة فتحوّلها مثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين. والمفارقة ان مواقف الراعي اليوم، برفض هذا الطرح، تأتي متأخرة كثيراً، لأنها أعقبت تبدلاً جوهرياً في الخطاب الشيعي. اذ شهدت الاشهر الاخيرة سحب الطرف الشيعي هذه المطالبة، بعدما كرّر الرئيس نبيه بري على طاولة الحوار قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، ونصرالله في خطاب علني، موقفين متجددين يؤكدان التمسك النهائي باتفاق الطائف ورفض المسّ به.
منذ انتخابه عام 2011، والراعي يدعو الى تعديل الطائف والى اعادة النظر فيه، والى العقد الاجتماعي والمؤتمر التأسيسي بصيغة او بأخرى. ولطالما انتقدته الدوائر المارونية (والمسيحية) العلمانية والروحية المعنية بالمجمع الماروني، لاتخاذه موقفاً متناقضاً مع المجمّع الذي أكد تمسّكه باتفاق الطائف مرجعاً نهائياً. وكان الراعي يجيب هؤلاء «الطائف ليس منزلاً والتجربة دلّت على ان فيه ثغراً، واذا كان يحتاج الى تعديل، فليعدل واذا كنا في حاجة الى طائف جديد فلا مانع من ذلك».
لم يكن الراعي يفوّت فرصة، رداً على من كان يناقشه دفاعاً عن الطائف، الا وطالب بتعديله وبالقفز فوقه خلافاً للمسار الذي سارت عليه بكركي منذ ان وافق البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير عليه. وحين كانت تكبر الحملة عليه كان يسارع الى الرد بأنه «لم يطالب بتعديل الطائف بل بمعالجة بعض الثغر فيه». وفي الآونة الاخيرة سمع الراعي آراءً مكثفة بضرورة احترام الطائف وعدم المسّ به، واعتباره ملاذاً آخيراً للمسيحيين، وان سوء التطبيق مرده الى مرحلة الوصاية السورية ومرحلة استئثار فريق بالحكم على حساب المسيحيين. يعرف الراعي جيداً ان ثمة دوائر مارونية متمسكة بالطائف، ولا تحيد عنه، كسبيل الى خلاص لبنان والمسيحيين، ولا سيما في الظروف الحالية التي يمر بها لبنان والمنطقة. وهناك من يعتبر ان الراعي بدأ يقتنع بهذا الرأي وقام بتظهيره عند اول مناسبة، وهذا امر جيد. لكن المشكلة تكمن في عدم الثقة بأن يكون موقفه موقفاً دائماً قابلاً للارتكاز عليه في شكل ثابت.
في ايلول عام 2000 اطلقت بكركي ــــ صفير نداءها الاول. ومنذ ذلك الوقت كان لأيلول وقع متميز في روزنامة الصرح البطريركي. ايلول عام 2014، اعاد الراعي الى اللبنة الاولى، الى اتفاق الطائف ورفض المؤتمر التأسيسي. على امل الا يعود بعد انتهاء ايلول الى تغيير موقفه. بعض عارفيه يقولون: «الارجح انه سيفعل».
 

  • شارك الخبر