hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - عبد الحميد اجماهيري

استكتلندا وكاتالونيا ودول عربية

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 06:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

كان الكاتب الاسكتلندي، سير أرتور كونان دويل، يردد، باستمرار، أن حادثاً ما عندما يكون خارج المألوف يشكّل، بالأحرى، مؤشراً، أكثر مما هو حالة حرج. ولا شك أن الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع من مواطنيه، مع الاستقلال أو ضده، يوم 18 سبتمبر/أيلول الجاري، راجعوا مذكرة الكاتب الكبير. فلا أحد اعتبر اللجوء إلى حملات استقلال اسكتلندا حالة حرجٍ وطنية، بقدر ما اعتبروها مؤشراً، وامتحاناً لقدرة البلاد المرتبطة، طوال ثلاثة قرون، بالتاج البريطاني، على تدبير خلافاتها وترقب تطوراتها بعقلانيةٍ، وبحالة سلم سياسي لا غبار عليها.
طبعاً، لم يلجأ الاستقلاليون إلى دول الجوار لحماية مليشياتهم، ولا قادوا حرب خنادق من أجل ذلك. والوحدويون لم يخرجوا الدبابات، ولا خوّنوا الذين يملكون ذاكرةً ورموزاً أرادوها خاصتهم، لا شريك لأحدٍ فيها. ففي البداية، كانت الحرب العالمية الثانية بوتقة الانصهار في بناء المشترك السياسي. وفي المجريات التالية، شكلت الديمقراطية صمام الأمان للوحدة في المملكة المتحدة. كانت الشعوب تنصهر في المعركة، ثم تخرج إلى الفضاء الرحب، للاقتراع من أجل تجربة جديدة في العلاقة في ما بينها.
في اسكتلندا، كانت حجة الوحدويين أنهم يملكون تاريخاً خاصاً بهم، وعقداً مع الدولة الأم، وأن لندن رحم لهم لميلاد دائم لوطنهم في أوروبا، وكانت حجة الاستقلاليين نفسها مع تحوير بسيط في زاوية التاريخ.
كلهم يتحلقون حول آلاتٍ موسيقية أنبوبية، ولغة غاليّة ومعركة بنكبورن، والتي اختير تاريخ ذكراها الـ 700 موعداً متفتق الذكاء للاستفتاء على الاستقلال، من الداعين إليه. وكلهم يلتفون حول ما يجمعهم، اسكتلندا، لكي يذهبوا إلى ما يفرقهم، الموقف من الوحدة مع بريطانيا، ولم تتحول الآلة الموسيقية إلى دبابة، ولا المعركة التي مرت عليها سبعة قرون إلى معركة حديثة، ولا استيقظت اللغة من كهوفها، لكي تتقاتل مع قرينتها الإنجليزية.
لم يعلن الاستقلاليون في البلاد ميلاد جمهوريتهم، قبل أن يجرى الاستفتاء، ولا رفعوا رايةً، وأعلنوا حدود الدولة ورئيسها، خليفتها في لغة العصر البغدادي، بل كانوا ينتظرون قرار الشعب في الاستفتاء.
"عندنا، يسقط الحاكم، فيسقط البلد في الحرب الأهلية، وهي حرب علمت شعوب العالم معنى أن تعيش معاً، وعلمتنا أنها مثل جمرة تحت طبقة قريبة من الرماد، ويكفي أن تهب رياح ثورةٍ أو تمرد، أو أن تتحرك الريح بفعل هروب الزعيم، لكي تشتعل النيران
"

عندنا، يختلف الأمر، الانفصال مكون سريع الظهور، ويكفي أن يختلف نظامان جاران، لكي يظل الانفصال قائماً، ما دام الخلاف وارداً، والجنرالات على أهبة الدخول إلى الحلبة، على الرغم من أن أي جنرالٍ لا يمكنه أن يوقف الانفصال، بل يوقفه الآباء التاريخيون للأمم ومقاوموها ومناضلوها من أجل الديموقراطية.
عندنا، يسقط الحاكم، فيسقط البلد في الحرب الأهلية، وهي حرب علمت شعوب العالم معنى أن تعيش معاً، وعلمتنا أنها مثل جمرة تحت طبقة قريبة من الرماد، ويكفي أن تهب رياح ثورةٍ أو تمرد، أو أن تتحرك الريح بفعل هروب الزعيم، لكي تشتعل النيران في ليبيا والعراق ولبنان وسورية.

ويمكن، في بلجيكا، أن تتعطل الحكومة شهوراً عديدة، ويختصم الفلامانيون والفرنسيون من أبناء بلجيكا، ولا يسقط النظام، ولا يسقط البرلمان، ولا تشتعل نيران الانفصال على حد السكاكين، بعد اسكوتلندا سيأتي الدور على كاتالونيا في إسبانيا، وقد صادق البرلمان فيها بنسبة 80% على إجراء الاستفتاء حول الاستقلال، وهو قرار يطرح إشكالات قانونية ودستورية على حكومة مدريد المركزية.
وإلى حد الساعة، وعلى الرغم من كل الحمّى الاستقلالية التي أخرجت الملايين إلى الشوارع، ما زال الاقتصاد يدور، والكلام يدور، والسعادة تدور، ولا أحد يضع يده في جيبه، ليتحسس تذكرة الذهاب، قبل أن يتحسس قلبه، كما في دوائر المسؤولين عندنا في شرق المتوسط وغربه.
نجحت هذه الشعوب في أن تصوغ رابطاً تاريخياً بين الديموقراطية والوطن، لا يمكن أن يتقدم الوطن بظلال السيوف، بل بخرائط الاقتراع والسيادة الشعبية، ولا يمكن أن تقوم الديموقراطية على أرضٍ ليست هي الأرض المحررة التي تحت أقدام الشعوب، لا تلك التي تقوم على أرضٍ من ورق مقوى في حقائب الجيش الأجنبي.
وحتى في اللحظات التي تود فيها تجريب قدرتها على الصمود الموحد، فإنها تفضل أن يكون ذلك بطريقة ديموقراطية، لا تجعل النظام هو الوطن، ولا تجعل الديموقراطية هي التفتت.
وكل ما نملكه هو يقين قديم أن الرعب لا يمكن أن يأتينا بدون خيال قديم، وأن الوطن عندما يسقط في اختبار الديموقراطية، يصبح قبيلة للجنود والدم والتدخلات الأجنبية.
لقد أصبح الحال المطروح، على الكيانات العربية، لكي تتقدم في خرائط المادة، الدولية، التفكير في الأشكال الفيدرالية للوحدة والعمل والتعايش فوق أرض الوطن الواحد، ما دامت إعادة تركيب الجسد الدولتي حالياً لن يتم بدون مقصات خارجية، وبدون خياط يعمل من تل أبيب.
ومن الدروس، في استفاء اسكتلندا أن الوحدة حمت نفسها بوحدةٍ أوسع، ففي ما يشبه الفلسفة الماكرة للتاريخ، كانت الوحدة الأوروبية ورقة مهمة في حسم توجهات الناخب الاسكتلندي لحماية الوحدة الوطنية الداخلية، وهي ورقة ذات وزن إقليمي، لا نعتقد أنها اليوم في يد الشعوب العربية، لكي تتقدم على خرائط التكتل.
 

  • شارك الخبر