hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - سعيد البستاني

بين الوجود والحدود: احرسوا الجبل

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 05:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"قاتلوا وقد تموتون. إهربوا وستعيشون، على الاقل لعدة سنوات قبل أن تموتوا في أسرّتكم، ولكن هل أنتم مستعدون لبيع هذا الوقت كله من اليوم الى ذلك اليوم مقابل فرصة واحدة للمجيء الى هنا والقول لأعدائنا بانهم يستطيعون أخذ حياتنا ولكنهم لن يستطيعوا أبداً أخذ حريتنا".
قالها الثائر الإسكتلندي وليام والاس في فيلم (Braveheart) في خطاب لحضّ جمع من الفلاحين الإسكتلنديين على خوض المعركة ضد جيش الملك الإنكليزي. ولكن الإسكتلنديون في وقتنا الحاضر قالوا نعم للبقاء مع الأخ الإنكليزي على قاعدة المصلحة والحرية في القرار والإختيار. ومن إستطاع متابعة الكمية الهائلة من المعطيات التي كان على الإسكتلندي أخذها بعين الإعتبار قبل التصويت للبقاء أو للإنفصال، لتضاعفت خيبة أمله من السطحية التي تدار بها الأمور في منطقتنا.
ولكن ل "شرشوح القرقة" رأي مغاير(اسم إفتراضي للمحلل السياسي). فما ان إعتلى الشاشة حتى بدأ بالشماتة بالعجوز الشمطاء إنكلترا وتبشيرها ببئس المصير واهتزاز مكانتها بين الأمم ، ولم ينس تعداد الدول الغربية التي ستتقسّم اذا نجحت إسكتلندة في الإنفصال، وغاب عن باله تعداد حالات الإنفصام التي يعيشها العرب ناهيك عن حالات الإنفصال المعلنة منها والمضمرة.
و"شرشوح القرقة"، للذين لا يعرفون، هو الصوص الأضعف بين أشقائه الحديثي الفقس، اما لماذا الأضعف، يقال لأنه لا يحصل على الكثير من الدفء عندما تربخ الدجاجة على البيض لمدة 21 يوماً، فيولد ضعيفاً، بالكاد يمشي ويصطكّ من البرد طيلة الوقت. وكم كنا نضعه في الشمس عندما كنا صغاراً علّه ينجو، لكن غالباً ما كان ينفق، بعد ايام قليلة، من حسن حظ الهرّة.
قال الإسكتلنديون نعم للإنفتاح، وهذه ال"نعم" قادتني الى التساؤل عن العلاقة بين الوجود والحدود في منطقتنا، طالما ان هكذا علاقة إنتفت في الغرب، وإن إرتفع عالياً من وقت لآخر صوت قومي من هنا أو صوت إنفصالي من هناك. ففي ظل التطورات الأخيرة في كل المنطقة العربية وخصوصاً في العراق وسوريا حيث تتحرك الجغرافيا والديمغرافيا بشكل يعيد الى الواجهة مسألة الوجود والحدود بشكل لا يمكن التوقع الى ماذا ستنتهي.
لعل أبرز تجليًات علاقة الوجود والحدود تاريخياً في لبنان، كانت في تجربة الدروز والموارنة الذين كانوا أكثر من إستطاع الحفاظ على حدود الوجود بغض النظر عن وجود الحدود. فإزاء توزّعهما على أراض عدة، إحترفت الجماعتان أنواعاً شتى من تقنيات البقاء والإستمرار، لا مجال لذكرها هنا، في الوقت الذي كانت فيه الحدود تمطّ وتضيق، تكبر وتصغر، ليبقى الجبل اللبناني بشقيه الجنوبي والشمالي هو القاسم الوجودي الحدودي المشترك بالمعنى السياسي.
ولكن"إنفخت الدفّ وتفرّق العشّاق" في صراع من داخل حدود الوجود لينتهي الأمر مع مجيئ "سايكس بيكو" الى الحدود الحالية التي باتت اليوم تؤرق الموارنة بعد أن إستبسلوا بالتمسك بها، كما تؤرق الدروز الذين باتوا يثمّنون تجربة فخرالدين بما يكفي (ربما) لعودة تمثاله الى بعقلين.
منذ عدة شهور كانت الضاحية الجنوبية لبيروت مسرحاً للسيارات المفخخة، ما أدى الى خروج معظم سكانها الى الجنوب الذين هم بالأصل من أهل الجنوب وجبل عامل. يخيّل للناظر الى الصورة وكأن هناك جبل آخر سيتكوّن بالمعنى السياسي اذا جنحت الأوضاع الى ما لا يمكن ضبطه، جبل يرتبط به حدود وجود الجماعة الشيعية في الوقت الذي تختفي فيه الحدود المحيطة اوعلى الأقل اذا تزحزحت. (جبل عامل بإطاره الإجتماعي والديني كان دائم الوجود في وجدان الجماعة السياسي)
أما السنّة فهم كما غيرهم قلقون على لبنانيتهم وخصوصيتهم فيها من غير أن تبدوعلاقة الحدود والوجود مطروحة وهي تاريخياً لم تكن كذلك.
عظيم، بعد هذا السرد، ما الذي سيحدث ؟؟
في الإنتظار، يقول النشيد الجميل الذي كاد أن يصبح "النشيد الوطني" : أسرجوا الخيول، وإقرعوا الطبول، وإقحموا السهول، وإحرسوا الجبل.

  • شارك الخبر