hit counter script

مقالات مختارة - جان عزيز

حزب الله والحريري وعون و «داعش»

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

يحلو لأحد السياسيين المجرّبين أن يؤكد يوماً بعد يوم، معادلة يصوغها في سياق من المفارقة: يقول إن الفارق بين حظوظ ميشال عون الرئاسية وحظوظ أقرب منافسيه، يكبر يوماً بعد يوم لمصلحة الأول. قبل أن يضيف القسم الثاني من معادلته: لكن المشكلة أن العدو الأكبر للجنرال يتقدم أيضاً يوماً بعد يوم. تلفتك المفارقة، تحسّها للحظة خطأ بديهياً غير مقصود، تسأله كيف تتقدّم حظوظ عون ويتقدم عدوّه في شكل متزامن. يبتسم قبل أن يشرح بكلمة. لأن عدوّه ليس منافساً رئاسياً.

عدوّه الأكبر هو الوقت!
ليس مؤكداً مدى انطباق تلك المعادلة على سياق عون ومنافسيه والرئاسة. لكن الأرجح أنها تنطبق بحرفيتها على سياق لبنان ومحيطه والكارثة. ففي مقارنة سريعة بين وضع لبنان كدولة ووطن، ووضع الدول والأوطان المحيطة به، يسكنك شيء من الطمأنينة النسبية. لم يعد هناك من دول في كل المنطقة. أصلاً مفهوم دولة بودان ووستفاليا مشكوك فيه عندنا تاريخياً. لكن اليوم حتى الدولة الشكلية الهيكلية ولو الكرتونية، باتت إلى زوال. من أفغانستان حتى المتوسط لم يعد هناك دولة. بل ركام عظيم من حطام أوطان ودول ومجتمعات وطوائف ومذاهب وعشائر وقبائل، يرصف بالدم والنار طريق الحرير القديم. تماماً كما ترصف جهنم بأفضل النيات. ما هي الأسباب؟ رباعية كوارثية تآلفت وتراكمت وتراكبت حتى أنتجت تهديماً لا سابق له، إلا ما حكي عن زمن أتيلا: وسائلية السياسات الغربية والأميركية تحديداً. صلافة اسرائيل بكل ما مثّلته من نقيض للحق. ظلامية الإسلام السياسي الأصولي، من «اذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب» إلى «ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف»، بلا تفسير ولا نسخ ولا قراءة تاريخية لما كان وهو الآن. وصولاً إلى العامل الرابع، ذمية أقليات عضوية بنيوية، بمروحة فظيعة من أطياف الذمية. بينها العلمانية وبينها الأقلوية العصبوية وبينها انهزامية الهجرة أو واقعية الدونية أو حتى جنون الانتحار. أربعة عوامل لا لزوم للبحث في ترتيبها بحسب وزنها وتثقيلها وفعلها في هذا الحطام العظيم. كأنها ولدت معاً منذ أزل الكارثة. أو كأن كل عامل منها كفيل بجريمة ما حصل ويحصل كل يوم...
إزاء هذا المشهد الأبوكاليبتي، يبدو لبنان جنة نسبية: شكل دولة وهياكل مؤسسات وأرقام شعب ومساحة أرض ونواب تمديد ووزراء إفادات أو بلا إفادة... المهم أنه أفضل بكثير مما كل ما حوله. حتى الإسقاطات الأكثر سوءاً والمحيطة بنا، لا تبدو منطبقة عليه. التقسيم المتقدم في العراق لا يصح هنا، لا بل يستحيل. صغر المساحة وتداخل السكان وواقع هذه المدينة - الميغابوليس الضخمة الممتدة على كل شريط الساحل العمراني، وبراكسيس الجماعات المختلفة في ترابط حياتها واقتصادها... كلها عوامل تؤكد استحالة التقسيم. الصوملة الليبية من جهتها مستحيلة هنا أيضاً. تماماً كما استدامة الحرب على الطريقة السورية، لاختلال موازين قوى النيات العدائية على الأقل، فضلاً عن خلل موازين الأرض. كل السيناريوهات الجهنمية تبدو مستبعدة عنا وعندنا. لكن ماذا عن عامل الوقت هنا أيضاً؟
الأكيد أن العدو الأكبر لهذه الواحة اللبنانية هو الوقت. وهو يتقدم. يتقدم مع كل نزوح سوري غير إنساني وغير مبرر. يتقدم مع كل جنون أميركي، من نوع ضرب الدواعش في العراق ودفعهم صوب الغرب، أو ضرب سوريا وتحويلها فوضى متواصلة من الرقة إلى عرسال. يتقدم مع كل زجلية يلقيها سياسي حول العسكريين المخطوفين، ومع كل مرثية رومية يقدمها مسؤول حكومي تعويضاً عن عجزه حيال خوض المعركة. العدو يتقدم، مع انقضاء الصيف، مع طقس الشتاء، مع «غضب الأهالي» الموقع على لافتات مطبوعة بخط واحد وقياس واحد ودكتيلو واحد. العدو يتقدم مع تململ الجيش، وأبطاله يعرفون كل ما جرى ويجري من مماحكات على حساب دمائهم ومناورات على حساب الوطن الذي نذروا حياتهم له. العدو يتقدم مع الوقت، والمطلوب قرار بضربه في أسرع وقت. قرار بات واضحاً أن تمام سلام عاجز عن اتخاذه. لا لضعف ولا لطبع. بل لحسابات مرجعية واضحة وحاسمة. فالفريق الحريري، ومن خلفه السعودي، يتعامل مع «داعش» على أنها ورقة، أو مشروع ورقة في الحرب الأميركية المقبلة، أو بقية ورقة من مشروع بندري تحول مسخاً. لكن في شتى الأحوال، واضح أن السعودي، وبالتالي الحريري وبالتالي تمام سلام، لن يقبل بضرب «داعش» في لبنان قبل التأكد من قبض ثمن رأسها في كل المنطقة.
في المقابل حزب الله في موقع العجز نفسه. لحسابات مركّبة، أهمها أنه ليس من مصلحة لبنان أن يتولى طرف شيعي حسم معركة «داعش». ما الخيارات المتبقية؟ يبقى خيار وحيد. خيار الدولة الدولة. دولة ميثاقية متوازنة قوية قادرة فاعلة منتجة، رئيسها متفاهم مع حزب الله، ومتفهم لاعتبارات الحريري، وفاهم لكل هواجس جنبلاط المحقة والصحيحة. رئيس يثق به ابطال الأرض، فيثقون أن دمهم معه لأجل وطن وشعب وحق. رئيس يعصر الوقت ليصير نصراً سريعاً قبل فوات الأوان.
لبنان بخير الآن؟ لكن الوقت - العدو يتقدم. فهل من يقدم على الحل؟!
 

  • شارك الخبر