hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - رعد اللاذقاني

إزالة العوائق في الطريق إلى "دابق"

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يشكل الشعار الأمني واحداً من الخصائص التي لا يمكن تجاهلها عند تأسيس وحدة دولية ذات طبيعة سياسية-عسكرية، دولةً أو تنظيماً يسعى إلى إنشاء دولة، أو إلى إحداث تغيير جذري فيها، ويجاري هذا الشعار الطموحَ المستقبلي للوحدة الدولية، ويعبر، برمزيّته، عمّا تطمح إليه، لجهة مكانتها في النظام الدولي، من ناحية، وعلاقاتها بالوحدات الأخرى من ناحية ثانية.

ولم يعد الشعار الأمني حكراً على الأشخاص الدوليين، بل تعداه ليكون إحدى الركائز الأساسية للتنظيمات العابرة للحدود والقوميات، مثل جماعات الجريمة المنظمة، وحركات التحرر والمقاومة، والتنظيمات المتشددة. ولأن تنظيم "الدولة الإسلامية" يشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام العالمي، وجبَ "التورط" في الحديث عن شعاره الأمني الذي يتبناه "باقية وتتمدد، حتى ينزل الروم في دابق"، من خلال منهج تحليل مثالي بعيد عن الأنماط الواقعية السائدة.

ليس غريباً في المشهد الدولي الحاضر أن تبقى "الدولة الإسلامية"، غير أنها لن "تتمدد"، ففي حال كان "باقية وتتمدد" شعاراً استراتيجياً، فمن السهل التنبؤ بأن مقولة "حتى ينزل الروم في دابق" تشكل الشعار المرحلي المرتبط بتحقيق الاستراتيجية العامة، من خلال تحقيقه غاياتٍ ثلاثاً أساسية. نفسية-عقدية: إذ تخاطب العبارة عقيدة المسلمين بأجمعهم، بهدف إحراجهم لتأييد "تنظيم الدولة"، باستنادها إلى الحديث النبوي الشريف "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق "دابق"… ويصبح ثلث لا يفتنون أبداً، فيبلغون القسطنطينية فيفتحون". بذلك تضع "الدولة الإسلامية" جموع المسلمين، مجدداً، أمام موازنة غير عادلة خارج مقاييسها، بين "الإيمان" و"الردة" و"الكفر".

سياسيةـ أمنية، إذ تدعم هذه العبارة التوجه القائل بوجوب التدخل العسكري البري المباشر للغرب في سورية، بما يؤدي، في المحصلة، إلى حصر المعركة بين فئتين عقديتين، ليس بنفي الطبيعة السياسية للصراع فحسب، بل وإلغاء واقع صراعات المناهج والطرق بين الفرق الإسلامية أيضاً. بمعنى أن يصير الحال إلى صراع أوحد، ذي طبيعة دينية، تقوده "الدولة الإسلامية" ضد الغرب "الغازي" وحلفائه من "المجوس والصفويين" و"أنظمة الردة".

تعبوية-عسكرية، تضمن تلك المقولة استحضار أحد أهم عناصر النجاح العسكري الثلاثة (التعبئة، التدريب والتسليح، التخطيط)، لجهة ضمان عبور قوافل الجهاديين من جميع أنحاء العالم، لمؤازرة "الدولة الإسلامية" واتباع جميع الفصائل المتفرقة للفئةَ المتغلّبة في حربها ضد الغزاة، وفق مبدأ "دفع الصائل"، وعلى أساس "جهاد الدفع"، الواجب على كل مسلم مستطيع، مدعوماً ذلك كله بمقتضيات السردية الجهادية المعاصرة التي تعلي شأو "وحدة الراية"، لا سيّما بعد الأحداث التي تلت الغزو الأميركي للعراق (2003-2010).

إذاً، التدخل العسكري الغربي البري في سورية هو ما ترمي "داعش" إلى استجلابه، من عمليات التصعيد المتكررة ضد المصالح الأميركية، بمحاولتها اقتحام مدينة أربيل في كردستان العراق، وليس أقلَّ من ذلك تصفيتها مواطنين أميركيين، الصحافيين، جميس فولي وستيفن سوتولف.
"يعرف البغدادي أن من السهل استغلال واقع تغييب "أهل السنّة والجماعة" عن المشاهد السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية في دول المشرق العربي لصالحه"
لن يحيد التنظيم عن تحقيق هذا الهدف، مهما كلفه الأمر من جرائم ترتكب بحق أشخاصٍ، يحميهم القانون الدولي والشرائع السماوية. لا ينظر إلى الصحافيين المختطفين لديه إلّا كمحاربين يجب قتلهم أو افتداؤهم.

هم أدواتٌ، لا تستخدم لتطبيق نوعٍ من الضغط على الخصوم فحسب، بل كأوراق يرميها، في وقتٍ يحدّده بدقة، لتصعيد حدّة المواقف والسلوكيات المبذولة من خصومه، واستدراجهم إلى أرض المواجهة التي نشأ التنظيم لأجلها، ولا يزال يستمد مشروعيته في عقول الشباب المتحمس بالتدليل إليها، كلما عييت عقولهم، ونفرت قلوبهم من تصرفاته وجرائمه.
يُعلّم أبو بكر البغدادي أتباعه نمطاً جديداً من الدعوة الجهادية. يخاطب المسلمين والمسيحيين في آن معاً. يقول للمسلمين: تعالوا إلى الفئة الغالبة في دابق. بينما يقول للمسيحيين: سنسلم رايتنا إلى عيسى بن مريم. والمعلوم أن الإيغال في الإجرام يحفز الضحية على اتباع الأنماط الفكرية للمجرم، إذا ما طال الأمد الاتصالي الاستكشافي بينهما، ولا سيّما مع وجود النبرة المظلومية الحادة لتنظيم داعش في خطابات زعاماته "لك الله أيتها الدولة المظلومة". ويعرف البغدادي أن من السهل استغلال واقع تغييب "أهل السنّة والجماعة" عن المشاهد السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية في دول المشرق العربي لصالحه.

لديه قناعةٌ تقول إن فشل الربيع العربي هو أولى أولويات نجاح دولته المزعومة، من منطلق أنها الناجي الوحيد، والخيار الأفضل، خصوصاً أن شعوب المشرق المسلمة ضائعةٌ بين نظام عربيٍّ غائب، وأنظمة سياسيةٍ وطنيةٍ تابعة، ومشروع إيراني حركي يتفشى سرطانياً، ومؤامرةٍ غربية كونيةٍ، يُعاد حبكها ضد حرّية الشعوب المكلومة، علاوةً على تشتت في الصف الإسلامي، على مستوى الحركات والجماعات.

درسَ البغدادي ذلك كله جيداً، بدليل محاولاته المتكررة منذ إبريل/نيسان 2013 إسقاط خصومه من الإسلاميين، الحاضرين منهم على الساحة السورية والغائبين عنها. بدأ مع قتال الجماعات الإسلامية، التابعة للمعارضة أولاً، ثم انتقل إلى مواجهة جبهة النصرة (قاعدة الجهاد في بلاد الشام)، إلّا أن إعلانه الخلافة في يونيو/حزيران 2014 فرض عليه مواجهة جميع المشاريع الإسلامية، ليس في منطقة المشرق فحسب، بل في العالم أجمع، لنزع الشرعية عنها لصالحه، وعلى رأس تلك المواجهات تربع "تنظيم قاعدة الجهاد العالمي" وزعيمه أيمن الظواهري، وكذلك حركة طالبان الأفغانية وزعيمها الملا عمر الذي يعتبر نفسه، وتعتبره تنظيمات جهادية كثيرة حول العالم "أمير المؤمنين".
أدرك التنظيم، أيضاً، أهمية جماهير "السنّة" التي لا يمكن لها أن ترى نفسها طائفة، أو أن تسمح لجهة ما بقولبتها وفق ذلك الاعتبار، لتأييده في تعبيد الطريق إلى "دابق". فبعد أن لقّن صحوات العراق درساً في العنف؛ سعى إلى كسب التعاطف والتأييد الشعبي، بشن عمليات عسكرية واسعة ضد نظامي الإجرام في العراق وسورية.

كذلك يرمي التنظيم إلى إقناع رجالات الدين الإسلاميين، بأنه ليس "خارجاً" عن الأمة، من مقتضيات محاربته أهل الأوثان ورعايته أهل الإسلام. ومثال نجاحه في ذلك حيّ، يمكن رصده في التغيير الطارئ على موقف المنظر السلفي الجهادي الأردني إياد القنيبي.

استحوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" على بلدة صغيرة قرب حلب من الناحية الشمالية الشرقية، في 14 أغسطس/آب 2014، بعد معارك عنيفة مع الكتائب المقاتلة، شاحذاً همم جنده بالتقدم أكثر في بلدات أرشاف والعزيزية ودويبق الواقعة في محيطها، بحكم أن هذه الأرض ستكون محلّ المعركة المقدّسة في مواجهة "الروم".

وبتلك السيطرة، انتهت "داعش" من مرحلة تهيئة أرض المعركة، كأولى مراحل الحرب التقليدية، يليها العمل على استدراج الغرب للخوض في معركة سورية، سواء عبر البر أو عبر الجوّ، المهم أن تخاض معركة برية في ريف حلب، أوجد التنظيم نفسه لأجلها، ويعرف جيداً أن اندلاعها يحتاج إلى بحر من الدماء يلحظُه العالم أجمع في بلدتي نبل والزهراء، والغالبية فيهما شيعية، في ريف حلب الشمالي (32 كيلومتراً غرب دابق)، بما يتطلبه ذلك من إخلاء ساحة المعركة من قوات المعارضة المتمركزة في بلدات مارع وعندان وتل رفعت، على الطريق الواصل إلى البلدتين المحاصرتين، كذلك التحييد الجزئي لسلاح الجو الرابض في مطار كويرس العسكري، جنوب مدينة حلب.

يسير البغدادي وتنظيمه بعكس التيار الجهادي في آسيا الإسلامية، والمشرق العربي عموماً. يحاول إسقاط الواقع العسكري والسياسي على النص القرآني والنبوي، لكي يصون ولاء مقاتليه المطلق وغفلتهم، ويكسب تعاطف "السنّة" وتأييدهم، بتحويل خط سير المعركة إلى مواجهة عدوٍّ للإسلام، وقيادة المعركة بحكم "الغلبة".
تحكي "دابق" قصة معركة ضروس بين العثمانيين والمماليك في القرن السادس عشر الميلادي، هنالك حيث كانت الدولة الصفوية تتربص للدويلات الإسلامية المتحاربة، وتشاطر العثمانيين أشد العداء. انتصر العثمانيون الذين قدموا من اسطنبول في أرض المعركة التي جهّزها أمير المماليك، قانصوه الغوري، في مرج دابق، وما لبثوا أن تمكنوا من السيطرة على المشرق العربي والإسلامي بأكمله.
 

  • شارك الخبر