hit counter script

مقالات مختارة - محمد أبو رمان

الإخوان المسلمون إلى أين؟

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

على الرغم مما مرّت به جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودول عربية أخرى، من محنٍ وابتلاءات قاسية وأليمة، وصلت إلى حدود الإعدامات والمجازر والاعتقالات والتصفية القانونية والجسدية، خلال العقود الماضية؛ إلاّ أنّ تماسك الجماعة وصمودها وتمسّكها بـ"يقين الانتصار" كان عنواناً لحالة الجماعة، فيما تتغلغل، اليوم، في المحنة الحالية حالةٌ عميقة من الشك والاضطراب في ثقة الجماعة بنفسها، وفي المستقبل!
هذه الحالة المرتبكة للإخوان يمكن التقاطها، عبر مؤشرات متعددة، أهمّها النقاشات والسجالات التي بدأت تبرز إلى السطح في مصر، تحديداً، ولها تجليّات في دول أخرى، تتحدث عن ضرورة المراجعة العميقة لمسار الجماعة، ودراسة الأخطاء التي وقعت فيها في المرحلة الانتقالية، فضلاً عن محاسبة القيادات المسؤولة عن ذلك، وعزلها، وتصعيد شخصيات جديدة أكثر قدرة على دراسة المرحلة وشروطها، والقيام بالمراجعات المطلوبة، فكرياً وسياسياً، على السواء.
تقف الجماعة، اليوم، أمام منعطف غير مسبوق، بخاصة بعدما نجحت الضغوط العربية المكثّفة على دفع قطر لترحيل قياداتٍ من الجماعة، ما قد يؤذن بتطورات مثيلة، فيما تلمّح صحف بريطانية إلى خطوات متوقعة من بريطانيا في اتجاه "تخفيف" نشاط الجماعة، أي أنّنا أمام حصار شامل مطبق عالمياً وإقليمياً على الجماعة وأنشطتها وحضورها في الخارج، بينما، في الداخل، تخوض صراعاً وجودياً مع النظام الفاشي العسكري، فيما يمكث قادتها في السجون بين محكوم وينتظر المحاكمة وقتلى ومشردين.
لم يأخذ الصوت الذي كان يدعو إلى المراجعة والمساءلة فضاءً واسعاً داخل الجماعة، بعد الانقلاب العسكري، إذ كان الشعار المرفوع "لا صوت يعلو فوق صوت إجهاض الانقلاب"، وخفت هذا الصوت أكثر فأكثر، مع المجازر التي ارتُكبت في ميداني رابعة العدوية والنهضة بحق الجماعة وأنصارها، لكنه عاد، حالياً، بقوة مطالباً بالمراجعة، ويضيف إلى مناقشة الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة، خلال مرحلة حكم محمد مرسي، المرحلة التي تلت الانقلاب، وفشل رهانات الجماعة بإسقاط الانقلاب عبر المسيرات والمظاهرات، وحجم الكلفة الإنسانية الباهظة، التي دفعتها الجماعة في العامين الماضيين.
تبدو المفارقة أنّ هنالك صوتين متناقضين تماماً، يرتفعان حالياً في أوساط الجماعة؛ الأول الذي قلنا، سابقاً، أنّه يدعو إلى المراجعة والمساءلة والبحث عن حلول ومخارج من الوضع الراهن، فيما يدفع الثاني بالاتجاه المعاكس تماماً إلى التخلّي عن المنهج السلمي، لعدم جدواه والانتقال إلى المسار المسلّح، أو العنيف، لإرهاق النظام العسكري الجديد، واستنزافه أمنياً واقتصادياً، وهو مسار يتناقض جذرياً مع الأفكار الأيديولوجية التي استقرت عليها الجماعة، باختيار التغيير عبر المسار السلمي الديمقراطي.
كلا الصوتين (الإصلاحي والراديكالي) يكشفان حجم الشكوك الكبيرة، لدى الأجيال الشابة في الجماعة، بجدوى المسار الراهن، وقدرته على إحداث فروقٍ نوعية وحقيقية، فيما تعاني قيادة الجماعة من عدم القدرة على اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة المأزق الخطير، فالقيادات العليا داخل السجون مغيّبة تماماً عما يحدث في الخارج، بينما قيادات الصف الثاني في خارج مصر لا تمسك بعنان الشباب في الداخل، أو غير قادرة على القيام هي بالإمساك بزمام المبادرة، والإعلان عن برنامج عمل جديد، يقنع الجماعة وأنصارها بأفق سياسي حقيقي، بعدما تراجع مستوى الاحتجاجات الشعبية، وأصاب قدرة الجماعة على الحشد والتصعيد إرهاق شديد، وتكلّس في الأدوات والوسائل التقليدية المتاحة.
"الأجيال الجديدة تكاد تصل إلى قناعةٍ بأنّها تقف أمام جدار، وأنّ الظروف الداخلية والدولية والإقليمية تعاكس رهاناتها الحالية على إجهاض الانقلاب، وطالما أنّ القيادة عاجزة عن تقديم الجواب، فستبحث هي عنه بنفسها!"

استمرار السجالات الراهنة مع ضعف قدرة القيادة على الإجابة والاحتواء والمبادرة، فإنّ تماسك الجماعة، المقترن بصلابة الصف الداخلي، سيكون محلّاً للسؤال والاستفهام، وإذا أصرّت القيادة على عدم فتح كتاب المراجعات، والرهان على المسار الاحتجاجي على المدى القصير، فإنّها ستدفع باتجاه سيناريو الانقسام، وبروز أشكال وصيغ جديدة من العمل السياسي أكثر فأكثر، لأنّ الأجيال الجديدة تكاد تصل إلى قناعةٍ بأنّها تقف أمام جدار، وأنّ الظروف الداخلية والدولية والإقليمية تعاكس رهاناتها الحالية على إجهاض الانقلاب، وطالما أنّ القيادة عاجزة عن تقديم الجواب، فستبحث هي عنه بنفسها!
مرحلة ما بعد "الاصطدام بالجدار" تضعنا أمام سيناريو شبيه بالحالة التركية، يتمثّل ببروز جيل من شباب "الإخوان"، يحاكي تجربة حزب العدالة والتنمية التركي (نموذج أردوغان وعبد الله غول)، فيخرج من رحم الجماعة، ويؤسس لحالة سياسية جديدة، أو مجموعات من الشباب، تحت ضغط المحنة الراهنة والرغبة في الانتقام، تتجه نحو العمل السرّي والأمني، بعدما يئست من جدوى المظاهرات السلمية.
على أيّ حال، ماذا لو أرادت الجماعة، اليوم، التفكير في مخرج من المأزق الراهن؛ هل يعني ذلك الإقرار بنجاح الانقلاب، والتخلي عن محاولة إسقاطه؟ الجواب، في ظني، لا. لكنّ، هنالك مهمة غير منجزة لدى الجماعة، تتمثّل بالاعتراف بأخطائها، وتقديم رؤية جديدة لمشروعها المستقبلي، لإعادة بناء التحالف مع القوى والشخصيات السياسية، خصوصاً تلك التي كانت تدعم الثورة، لكنها خافت من مشروع الجماعة السياسي، بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، يترافق مع ذلك إعادة النظر في استراتيجية المواجهة التي بنيت على رهانات المدى القصير، وجدولتها على المدى البعيد، والتفكير بصيغ وأدوات أخرى، مع تجديد الخطاب السياسي والأيديولوجي، بما يقدم إجابات على أخطاء المرحلة السابقة، والأسئلة المثارة داخل الجماعة وخارجها.
 

  • شارك الخبر